عندما بايع عمر رضي الله عنه أبا بكر بطريقة كان فيها نوع من مخالفة مبدأ الشورى، قال عمر بعد فترة من مرور الأحداث، إنها غلطة وقى الله المسلمين شرها. و منذ ذلك الحين و العرب يغالط بعضهم بعضا كلما تعلق الأمر بمسائل السياسة و الحكم، و السبب في ذلك، كما رأى ابن خلدون "أنهم لخلق التوحش الذي فيهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض للغلظة و الأنفة و بعد الهمة و المنافسة في الرياسة..." إن غياب تصور متكامل لمشروع نظام حكم يحظى باتفاق المتنافسين السياسيين هو سبب التشرذم الذي تعيشه الدول العربية في الوقت الراهن. و ما نراه اليوم في مصر خير دليل على ذلك، فالذين كانوا بالأمس فرقاء الثورة، أصبحوا اليوم متصادمين لأنهم لم يتوافقوا على شكل و مضمون نظام الحكم الذي يجب أن تتبناه الدولة المصرية. و زاد الصدام عمقا عندما تدخل الجيش ببيانه و قراره القاضي بعزل الرئيس محمد مرسي المنتخب ديمقراطيا. لست هنا في موقع الدفاع عن فريق دون الآخر، فأنا من الذين يعتقدون أن السلطة الحاكمة في مصر قبل الثلاثين من يونيو ارتكبت أخطاء "إدارية"، بل إنني ممن راهنوا على الدكتور البرادعي، إذ كتبت عنه مقالا في جريدة القدس العربي بتاريخ 15/4/2010 تحت عنوان "البرادعي و رياح التغيير" نوهت فيه بالفكر "المؤسساتي" للسيد البرادعي و دفاعه عن الديمقراطية و الحريات. و انسجاما مع هذا الموقف، أرى أن ما صدر عن الجيش يعتبر انقلابا على الشرعية و على المؤسسات القانونية القائمة. فأصدقاء الثورة، و أعني بهم الإسلاميين و العلمانيين ، هم من مهدوا الطريق لشرعية 25 يناير، و عندما اختلفت توجهاتهم اتفقوا على الذهاب إلى الانتخابات التشريعية ثم من بعدها الانتخابات الرئاسية، فانتقلوا بذلك من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة. و عن هذا الانتقال تمخضت "المشروعية" و التي يعبَّر عنها بمبدأ سيادة القانون، فكان لزاما على الجميع أن ينشد التغيير في إطار هذا المبدأ، لاسيما و أن الدستور المصادق عليه من طرف ثلثي المصوتين المصريين، يتضمن آليات قانونية من شأنها أن تصحح و تراقب أخطاء السلطة التنفيذية. لقد كان بإمكان المعارضة اللجوء إلى الانتخابات النيابية خصوصا و أنها تقول أن غالبية الشعب المصري يساندها... و فوزها في هذه الانتخابات سيعني تمكنها من سلطة التشريع، و قدرتها على إقرار السياسة العامة للدولة، و مراقبة أعمال الإدارة، و سحب الثقة من رئيس الوزراء عند الاقتضاء، أو اختياره وفقا لمضمون المادة 139 من الدستور. هذا، فضلا عن إمكانيات أخرى يوفرها النص الدستوري و يساعد على تفعيلها تمتع المؤسسات القضائية بالاستقلالية و وجود باقي الهيئات المستقلة و الأجهزة الرقابية التي يمكن العمل من خلالها بأسلوب تدريجي تقتضيه طبيعة المرحلة للوصول إلى غاية الغايات ألا وهي بناء دولة مصر الديمقراطية الحديثة. و تزداد قناعتي انسجاما مع هذا الموقف، عندما يبدي الرئيس محمد مرسي استعداده الكامل للتحاور و تعديل بنود الدستور المختلف عليها، و يعترف بأخطائه، و هو سلوك يحسب له و ليس عليه. و فوق ذلك كله، فالسيد محمد مرسي رئيس منتخب لمدة معينة يحاسبه الشعب من خلال صناديق الانتخاب، و يعفى من مهامه و يحاكم إذا ما تم اتهامه بالخروج عن الشرعية أو بارتكاب جناية أو خيانة عظمى طبقا لمقتضيات المادة 152 من الدستور... فالسلطة التنفيذية في مصر ما بعد الثورة لم تعد محصنة أمام رقابة المؤسسات القانونية و منظمات المجتمع المدني. إن منطق المقارعة بالحشود غير مناسب للعمل السياسي، و قد سقطت فعاليته عندما خرجت حشود مضادة لحركة "تمرد"، ما أدخل قيادات المؤسسة العسكرية في مأزق شاق يصعب الخروج منه. كما أنه منطق يؤدي إلى ترسيخ سابقة سلبية و بدعة سيئة في العمل السياسي من شأنها أن تجعل الفوضى تحل مكان القانون و المؤسسات. و لهذا أرى، أنه لا بديل عن عودة الشرعية، وفق صياغة لا يسودها أسلوب المنتصر أو المنهزم، يعترف من خلالها الجميع بما ارتكبه في حق مصر من أخطاء: السلطة، المعارضة، الجيش و الإعلام... فإذا كان عمر رضي الله عنه اعترف بغلطته و هو من هو، فلماذا لا يعترف الآخرون بغلطتهم في سبيل نجاة الدولة مصرية ...