لأسباب مبهمة وأحيانا غير مبررة، تظل بعض المواضيع التربوية الهامة، خارج اهتمامات الكثير من الأسر المغربية مما يؤثر سلبا على مستقبل أبنائها الدراسي، خلافا لما هو عليه الحال في بلدان أخرى. ونجد من بينها موضوع التوجيه المدرسي أو التربوي، الذي يعد فعلا تربويا بالغ الأهمية في حياة المتعلمين. ولم يكن اعتماده يسيرا كإحدى الدعامات الأساسية في أسلاك التعليم والتكوين المهني، لولا ما بذل من جهود مضنية. والتوجيه المدرسي يرتكز على مجموعة من العناصر المتفاعلة والمتداخلة، إن على مستوى القدرات والميولات والطموحات الفردية أو متطلبات الحياة الدراسية وتبعاتها، والذي لا يمكن للمستشار في التوجيه المدرسي والمهني القيام به على الوجه الأكمل في اتجاه الكشف عن المواهب والقدرات، والسهر على صقلها وتنميتها، ما لم يساعده في ذلك المتعلم نفسه، من خلال اختيار المسالك الدراسية التي تتوافق مع استعداداته ومؤهلاته المعرفية ورغباته الشخصية، دون أي ضغوطات أسرية أو تأثيرات أخرى، ليتمكن من تحقيق مطامحه والنجاح في مساره الدراسي. ومن دواعي إثارتنا لموضوع التوجيه المدرسي في فترة الامتحانات الإشهادية، ليس فقط ما بتنا نلاحظه من استخفاف الأسر بأهميته وتدخلها في رسم مسار أبنائها الدراسي دون أدنى مراعاة لميولاتهم ومؤهلاتهم الذاتية، ولا تلك النتائج السلبية والتعثرات الدراسية، بل هو اعتراف وزير التربية الوطنية والتكوين المهني سعيد أمزازي نفسه، بفشل نظام التوجيه المدرسي والمهني والجامعي المعتمد حاليا، معتبرا أنه نظام ارتجالي فاشل، محملا إياه مسؤولية ارتفاع نسبة الهدر في صفوف طلبة الجامعات، الذين يضطرون إلى مغادرتها بعد إدراكهم المتأخر لعدم تلاؤم اختياراتهم مع مؤهلاتهم، وذلك إبان كلمة ألقاها يوم 25 ماي 2021 في المنتدى الافتراضي للإعلام والتوجيه، الذي تم تنظيمه بشراكة بين جامعة محمد الخامس والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط- سلا- القنيطرة، مشددا على أن الأبواب المفتوحة للتوجيه التي كانت تنظم سابقا لم تؤت أكلها، ومشيرا إلى أن وزارته بصدد التهييء لمنصة رقمية للتوجيه، ستعطى انطلاقتها قريبا. والتوجيه المدرسي أو التربوي من بين الركائز الحديثة في المجتمعات المتقدمة، التي تقدم خدمات نفسية وتربوية ومهنية، يمكن أن تكون فردية أو جماعية، تهدف إلى الحفاظ على كيان الفرد والمجتمع، عبر صيانة الذات وفهم شخصية المتعلم واندماجه في الوسط الدراسي والمهني، في حين يتجه إلى الجماعة بطرح المعلومات المتعلقة بالدراسات الموجودة. والمساهمة في اكتشاف القدرات والميولات الدراسية والمهنية، التي تحتاج في ظل التطور العلمي والتقدم التكنولوجي إلى تعليم ذي جاذبية... وتتحدد مراميه الكبرى في الإعداد الجيد للمستقبل، من خلال السهر على مواكبة السير الدراسي للتلاميذ ومساعدتهم على تنمية طاقاتهم واستعداداتهم وصقل مواهبهم ومهاراتهم. وهو ما يجعل التوجيه المدرسي أو التربوي يكتسي أهمية كبيرة في حياة المتعلم ومتطلبات المجتمع، وتزداد أهميته كلما تم الحرص على محاولة إشباع فضول التلميذ في مستوى ما قبل البكالوريا وحسن توجيهه، لما يتناسب وقدراته وميوله. إذ سعيا من القائمين على الشأن التربوي على إنجاح هذه العملية في بعدها التربوي، تم إحداث إطار "المستشار في التوجيه المدرسي والمهني"، الذي تتمحور مهامه حول برنامج مسطر من لدن مديرية التقويم والتوجيه والاتصال، التي تعتبر من بين أهم هياكل وزارة التربية الوطنية... وفضلا عما سبقت الإشارة إليه، فإن المستشار في التوجيه المدرسي والمهني يعتبر من المسؤولين القادرين على جمع كافة المعلومات المرتبطة بالتلاميذ المستهدفين، بالاعتماد على مبادئ وتقنيات علم النفس، وقد تم إلحاقه بأعضاء الفرق التربوية للمؤسسات التعليم الثانوي بمقتضى المنشور الوزاري رقم:219 /91/1241 المؤرخ في 18 دجنبر 1991. إلا أنه لا يمكن له تحقيق الأهداف والارتقاء بأدائه دون تواجده الدائم وليس فقط عند قرب الامتحانات وتوفر الشروط اللازمة، وفي مقدمتها مكتب يحتل موقعا استراتيجيا داخل المؤسسة، ومجهز بكافة الوسائل الديداكتيكية واللوجيستية، لتيسير عملية التواصل المستمر مع التلاميذ والأساتذة. وهو مدعو إلى استباط برنامج عمله من البرنامج السنوي للوزارة وبرنامج مركز التوثيق والتوجيه المدرسي والمهني، وتقديمه إلى رئيس المؤسسة في بداية الموسم الدراسي، يعمل في مقاطعات جغرافية تتكون من عدة مؤسسات التعليم والتكوين، ويحرص على إعداد تقارير دورية حول مختلف أنشطته الثقافية والتربوية والاجتماعية. ويتوقف نجاحه في التوجيه والإرشاد على حسن تتبع وتقييم المسار الدراسي للتلاميذ عبر ملفاتهم المدرسية، وضرورة الاستعانة بالإعلام المدرسي الذي يعتبر بدوره عملية تربوية متواصلة، تساهم في تزويد المتعلم بكل ما يحتاجه من معارف ومعلومات في بناء مشروعه المدرسي، والتعرف على أهم المنطلقات والمنافذ المدرسية والمهنية، ومستلزمات كل مسلك في التعليم الثانوي وفروعه وتخصصاته في التعليم العالي، ويوفر له الأجوبة الملحة على تساؤلاته... إن ما يحز في النفس هو أن تستمر عمليات الإصلاح المتكررة في استنزاف الجهد والمال، دون القدرة على تغيير الواقع التعليمي المتردي وتحقيق التنمية البشرية. من هنا وبالنظر إلى ما يلعبه التوجيه المدرسي من دور فعال في حياة المتعلمين وتحديد معالم الطريق أمامهم بلا تعثر أو هدر ممكنين، وفي إطار ما خص به النموذج التنموي الجديد منظومة التربية والتكوين من اهتمام واسع، ندعو القائمين على الشأن التربوي إلى إعادة النظر في عملية التوجيه المدرسي والمهني، والعمل على تعزيز البنية التحتية، الرفع من عدد المستشارين في التوجيه وتوفير الظروف المناسبة والداعمة لمهامهم.