على بعد ثلاثة أيام من مثول زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي أمام القضاء الإسباني للتحقيق معه حول الجرائم التي تلاحقه، تصاعد التوتر بين الرباطومدريد، هذه المرة حول موقف إسبانيا من نزاع الصحراء المغربية. ولأول مرة، وجه المغرب تحذيراً رسمياً إلى إسبانيا بخصوص مواقفها المعادية لملف الصحراء، وهي المواقف التي أعلنتها مدريد بشكل علني بعد اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بمغربية الصحراء. واعتبرت كريمة بنيعيش، سفيرة المغرب في مدريد، أن الأزمة الحالية كشفت "الدوافع الخفية ومخططات بعض الأوساط الإسبانية، التي مازالت تلح على الرغبة في الإضرار بالمصالح العليا للمملكة منذ استرجاع الصحراء المغربية سنة 1975". وتساءلت الدبلوماسية المغربية، في تصريح صحافي، عما إذا كانت التصريحات الأخيرة لوزيرة الخارجية الإسبانية "خطأ شخصيا"، أو أنها تعكس "النوايا الحقيقية لبعض الأوساط الإسبانية المعادية للوحدة الترابية للمملكة، القضية المقدسة للشعب المغربي ولكل القوى الحية للأمة". وخلال الاجتماع الذي ترأسه رئيس الحكومة، وقدم خلاله وزير الخارجية عرضاً حول تطورات الأزمة المغربية الإسبانية، نبه قادة الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان إلى مواقف مدريد التي تستهدف النيل من "قضيتنا الوطنية التي تحظى بالأولوية والإجماع الوطني لدى المغاربة". وسجل قادة الأحزاب السياسية، بعد اطلاعهم على معطيات رسمية، أنه "في وقت تشهد قضية وحدتنا الترابية زخما إيجابيا من الدعم السياسي على المستوى الدولي، رغبت إسبانيا في افتعال المشاكل ومعاكسة جهود المغرب في ترسيخ وحدته الترابية، ومحاولة الضغط عليه، في تصرف نشاز من دولة بين الدول الصديقة التي تربطها بالمغرب شراكات إستراتيجية واقتصادية مهمة". ونبه موقف الرباط، بشكل غير مباشر، إلى أنه منذ اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء تم تسجيل تحركات إسبانية رسمية تروم التشويش على الزخم الدولي الذي شهده ملف الصحراء، ووصل إلى حد إعلان وزيرة الخارجية الإسبانية أنها ستراسل إدارة الرئيس بايدن للضغط عليه قصد التراجع عن قرار الرئيس السابق ترامب. ولم تقف مناورات إسبانيا عند هذا الحد، بل دعت أطراف سياسية في مدريد إلى تحرك جماعي كتكتل أوروبي من أجل بلورة دور فعال في نزاع الصحراء إذا لم تتراجع الإدارة الأمريكية عن اعترافها بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية. ورفضت إسبانيا أي تغيير في موقف الاتحاد الأوروبي من نزاع الصحراء، وذلك بعدما دعا المغرب أوروبا إلى الانخراط في الدينامية الإيجابية التي شهدها النزاع بعد اعتراف أقوى دولة في العالم بسيادة المغرب على صحرائه. وذكرت مصادر قبل أيام أن "إعادة العلاقات كما كان سابقا أمر صعب؛ لأن مدريد لن تغير موقفها من نزاع الصحراء، كما تريد الرباط اليوم"؛ مشيرة إلى أن مدريد ترفض "الضغط المغربي من أجل إجراء تحول في موقف الاتحاد الأوروبي من نزاع الصحراء، بعد اعتراف الولاياتالمتحدة بالسيادة المغربية على هذا الإقليم المتنازع عليه". وكان أحد أسباب تأجيل القمة المشتركة رفيعة المستوى بين الرباطومدريد، قبل اندلاع "أزمة إبراهيم غالي"، يتعلق أساساً بتنسيق وزراء إسبان، وخصوصا المنتمين إلى حزب "بوديموس"، بعناصر من جبهة البوليساريو الانفصالية، إضافة إلى مواقف الحزب المعادية المعروفة ضد مصالح المغرب. ويمثل الثلاثاء المقبل زعيم جبهة البوليساريو أمام المحكمة العليا الإسبانية في جلسة عن بعد، حيث سيتم التحقيق معه من المستشفى الذي يرقد فيه. وهدد المغرب بالتصعيد ضد إسبانيا في حالة عدم امتثال إبراهيم غالي للسلطات القضائية. وقال ناصر بوريطة في الصدد ذاته: "إذا كانت إسبانيا تعتقد أنه يمكن حل الأزمة عن طريق إخراج هذا الشخص (إبراهيم غالي) بنفس الإجراءات فذلك يعني أنها تبحث عن تسميم الأجواء وعن تفاقم الأزمة أو حتى القطيعة".