في الجزء الثاني من الحوار مع أحد مُهندسي العلاقات بين حزب المصباح والمكونات الإسلامية التركية، ينفي ادريس بوانو، أن يكون الحزب يتلقى دعما ماديا من طرف حزب العدالة والتنمية التركية أو أي جماعة إسلامية هناك، معتبرا الأمر "إشاعة مغرضة يريد من خلالها الخصوم زعزعة مصداقية الحزب". وعن قضية اتهام القيادي والوزير في حكومة عبد الاله بنكيران، الحبيب الشوباني، باستغلال زياراته الرسمية لتركيا قصد الإشراف على تواجد الطلبة المغاربة بتركيا وتوجيههم، قال بوانو لهسبريس إن الأمر لا يعدو أن يكون "مغالطة كبيرة"، كاشفا في الوقت ذاته أنه هو من قام بتسجيل ابني الشوباني وابنة أخته للدراسة بتركيا، إضافة إلى أبناء قيادات أخرى من حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح. أعود لسؤال مُهمّ، كيف صرت مهندس العلاقات السياسية بين حزب "المصباح" المغربي والأتراك؟ بدأت علاقتي بتركيا من خلال زيارتي العلمية والتي كانت ابتداء من شتنبر 2000 واستمرت حوالي ثلاثة أشهر، بهدف جمع وتنقيح مواد أطروحة بحثي في الدكتوراه، حيث كنت أتردد كل يوم على أكبر مركز بإسطنبول، وهو مركز البحوث والدراسات الاسلامية، أقضي فيه حوالي 12 ساعة تقريبا ولا استريح إلا يوم السبت، حيث أستغل ذلك للزيارات السياحية وحضور بعض النشاطات الجمعوية.. استمر برنامجي على هذا المنوال حوالي شهرين كاملين، خلال الشهر المتبقي خصصت أكثر أوقاته للاتصال بشكل مباشر بفعاليات حزبية وجمعوية وحركية مكنتنا من توطيد علاقاتي مع قادتها وعدت بعدها لبلدي، وأحطت قيادة الحركة والحزب بما قمت به . خلال سنة 2001 رجعت مرة أخرى وكان الهدف هذه المرة تركيز علاقاتي على بعض المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التركية، وكيفية الاستفادة منها، ورجعت بعدها وأنا أحمل معي موافقة رسمية بقيام بعض قادة حزب الفضيلة التركي، قبل أن ينشق، لزيارة للمغرب، وقد تمت فعلا وشكلت نقطة انطلاق علاقة متبادلة ما تزال مستمرة لحد الآن. وهل زار قادة حزب العدالة والتنمية المغربي تركيا حينها؟ خلال سنة 2002 عدت مرة أخرى لتركيا، لأشتغل على زيارة رسمية يقوم به قادة حزبنا، وهي التي تمت خلال ماي من سنة 2003 بقيادة الدكتور سعد الدين العثماني، الذي كان حينها يشغل نائب الأمين العام لحزب الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمة الله عليه، وأيضا بمشاركة الدكتور رضى بنخلدون والأستاذ عبد الرحيم وطاس الذي غادر سفينة الحزب فيما بعد. وقد صادفت عودتنا يوم 16 ماي 2003، وقوع الأحداث الإرهابية التي لم تثننا على المضي قدما في تطوير علاقاتنا ليس مع حزب العدالة والتنمية التركي فقط بل مع كل التجارب السياسية التي نقدر إمكانية الاستفادة من جوانب تفوقها وتميزها. هل تُوّجت تلك الزيارات بمبادرات عملية؟ في نفس سنة 2003 سيقوم حزبنا بدعوة رسمية لوفد من جمعية "الموسياد"، والذي حل ببلدنا وضم 15 رجل أعمال من كبار مسؤولي الشركات والمصانع المنتمية لهذه الجمعية، وقد حرصت قيادة حزبنا أن ترتب لهم زيارات جد هامة مع مسؤولين بالدولة ومع غرف التجارة والصناعة بكل من الرباط والدار البيضاء. وقد رفع وفد الجمعية التركية بعد عودته لتركيا تقريرا ايجابيا يتضمن مختلف التفاصيل عن الإمكانات التي تسمح بتطوير علاقات بلدينا ، قدموه لرئيس الحكومة السيد طيب أردوغان ، وفي المقابل سعت حكومتنا بقيادة السيد ادريس جطو حينذاك في خطوات بناء علاقة تجارية مع تركيا توجت هذه المساعي بتوقيع على اتفاقية التبادل الحر خلال شهر ابريل من سنة 2004 . هل صحيح أن حزبكم يتلقى دعما ماديا من إسلاميّي تركيا؟ نحن نستغرب من إطلاق هذه الإشاعة والترويج لها في الآونة الأخيرة، من لدن بعض الأطراف التي تحاول أن تصطاد في الماء العكر. نحن كحزب سياسي مغربي ومنذ تأسيسه عهدنا على أنفسنا ألا نرتبط بأي تنظيم كيفما كان نوعه، فضلا عن أن نتلقى دعما من هذه الجهة أو من تلك، سواء من تركيا أو من غير تركيا. فنحن نعتمد على إمكانياتنا المادية وعلى ما يقدمه المنخرطون داخل الحزب على كافة الأصعدة. ثم إن تلقي الدعم من جهات خارجية مخالف لتقاليدنا وأعرافنا، وحتى لما كنا في حركة التوحيد والإصلاح ومازلنا نعتبر أن هذا الأمر خطا أحمر بالنسبة لنا فهذا موقف نتبناه وما يزال يتبناه طيف كبير من قادة الحزب. أختصر لكم القول بأن الإشاعة هي إشاعة مغرضة يريد من خلالها الخصوم زعزعة مصداقية الحزب التي هي من أهم أرصدته التي ما يزال يعتمد عليها في نضاله وفي دفاعه عن الأوراش الإصلاحية الكبرى التي يقوم بها داخل الائتلاف الحكومي. هناك العديد من أبناء قادة حزب العدالة والتنمية المغربي وحركة التوحيد والإصلاح بتركيا، هل الأمر عبارة عن صفقة وتبادل مصالح أم صدفة؟ أصبحت تركيا في الآونة الأخيرة كما تعلمون قبلة مفضلة لعدد كبير من شرائح المجتمع المغربي ومنهم بالطبع شريحة الطلبة المغاربة، الذين أصبحوا يتوقون لمتابعة دراستهم في الجامعات التركية التي أصبحت تحتل تصنيفا مميزا على صعيد الجامعات العالمية. فحدَثَ إقبالٌ على هذه الجامعات من لدن طلبة من مختلف المعمور، ومن هنا جاء اهتمام بعض الطلبة المنتمين للحركة أو الحزب، مثلهم مثل باقي الطلبة المغاربة. فالأمر لا علاقة لا بصفقة أولا بتبادل المصالح، بل هو أمر عادي جدا ساهمت فيه ظروف الازدهار والاستقرار التي تعرفها تركيا خلال العشر سنوات الأخيرة، والتي تولى وما يزال حزب العدالة والتنمية التركي دفة التدبير الحكومي فيها. وجهت للقيادي والوزير في حكومة السيد بنكيران الحبيب الشوباني تهمة استغلال زياراته الرسمية لتركيا قصد الإشراف على تواجد الطلبة المغاربة بتركيا وتوجيههم، هل هذا صحيح؟ قضية اتهام الشوباني فيه مغالطة كبيرة، فللسيد الشوباني ولدان أنا من قمت بتسجيلهما للدراسة بتركيا، إضافة إلى ابنة أخته. وما حصل أن السيد الوزير كلما أتيحت له فرصة القيام بزيارة رسمية لتركيا يغتنمها مناسبة للقاء أبنائه، وقد تشكل فرصة مناسبة للطلبة المغاربة الآخرين للقائه والحديث معه حول همومهم ومشاكلهم، خاصة وأن كثيرا منهم التئموا في إطارات جمعوية تشكل مخاطبا للسلطات التركية كما تفسح المجال لهم لتنظيم أنفسهم بالتنسيق مع المصالح القنصلية المغربية هناك، ومع المسؤولين المغاربة حينما يكونون في مهمات رسمية. وأعتقد أن أي وزير ينبغي أن يدرج ضمن أجندته – حسب ما يسمح به الظرف- لقاء خاصا ضمن مواعيد لقاءاته الرسمية لفائدة الجالية المغربية، ومنها على الخصوص شريحة الطلبة، كما هو الحال في تركيا حيث يشكلون أكبر نسبة من الجالية المغربية هناك. أعتقد أن ما قام به السيد الوزير الحبيب الشوباني هو أمر مفروغ منه بل هو أمر مفروض أن يقوم به أي مسؤول سواء اتجاه أبنائه أو اتجاه الجالية المغربية التي هي جزء من الشعب . تعتبر منسقا لإيفاد الطلبة المغاربة للدراسة بتركيا، كيف تتم الطريقة؟ أحب أن أؤكد لكم بأنه ليست لي أي صفة رسمية أو غير رسمية تخول لي مهمة تنسيق عملية إيفاد الطلبة المغاربة لمتابعة دراستهم في تركيا، فكلما في الأمر هو أن ما أقوم به هو عمل تطوعي ألزمت على نفسي القيام به منذ تمكنت من نسج هذه العلاقات. فمنذ أن توطدت علاقاتي بالتجربة الإسلامية التركية وأنا أحرص على توسيع حجم التعاون والاستفادة منها لتشمل مختلف المناحي التي يكون فيها الخير لأبناء مجتمعي ولمؤسساته.. فكثير من الطلاب يأتونني ويعبرون على رغبتهم في التسجيل في الجامعات التركية، فكنت أقوم بإرشادهم أولا إلى السفارة التركية بالرباط، والتي تقدم لهم المعطيات الكافية. بعدها كانوا يضعون ملفاتهم في وزارة التعليم العالي وبالضبط بمديرية تكوين الأطر مصلحة إرشاد الطالب، التي تقوم بدورها بدراسة الملفات المحالة عليها باختيار الطلبة المغاربة الذي سيحوزون على منحة الدراسة بتركيا. وهذا هو المسار العادي والطبيعي الذي كان معروفا، وقد تحول هذا المسار خلال السنة الماضية وهذه السنة الى أن يسجل كل راغب في متابعة دراسته بإحدى الجامعات التركية نفسه من خلال موقع الكتروني وضعته وزارة التعليم العالي التركية يتم اطلاقه خلال شهر مارس بالنسبة لطلبة الماستر والدكتوراه وخلال شهر ماي بالنسبة لطلبة الباكلوريا. وبعد قبول الطلبة المعنيين يتم اجراء مقابلة مباشرة مع المترشحين داخل السفارة التركية ليتم اختيار القائمة النهائية، والمقبولون تتم مراسلتهم بشكل مباشر ليجهزوا أنفسهم لا من استكمال جمع الوثائق المطلوبة ولا من ناحية جمع الرصيد المالي الذي يناسب ظروفهم هناك. هل هذه هي حدود تدخلاتكم في إيفاد الطلبة المغاربة إلى تركيا؟ مساعدتي المعنوية كانت وما تزال للطلبة الذين لم يحظوا بفرصة التسجيل عبر وزارة التعليم العالي التركية، ولا بفرصة متابعة دراستهم في احدى الجامعات الخاصة، فهؤلاء تكمن مهمتي في ربطهم ببعض معارفي وأصدقائي سواء من جماعة النور أو غيرها من جمعيات المجتمع المدني التركي من حيث أنها تمكنهم من الحصول بداية على سكن ضمن أوقاف خاصة بالطلاب القادمين من الأرياف أو الطلاب الأجانب، فيستفيد منها أيضا الطلبة المغاربة خاصة في السنة الأولى التي تكون غالبا مخصصة لتعلم اللغة التركية، من خلال مركز للغات هناك قبل أن يجتازوا في آخر السنة امتحانات الولوج للجامعات وهو نظام كانت تعمل به الجامعات التركية وعلمت انه بدأ التفكير في تغييره. هل يمكنكم التوضيح أكثر في قضية أوقاف الطلاب؟ للأتراك أوقاف كثيرة بعضها مخصص للطلاب الذين يأتون من مناطق بعيدة داخل تركيا وفي نفس الوقت للطلبة الأجانب.. فتجد بعض المحسنين من التجار أو من غيرهم يوقفون منازل بكاملها لفائدة طلاب العلم، فالطلبة المغاربة كباقي الطلبة الأجانب يستفيدون من هذه الأوقاف المجانية من أجل متابعة دراستهم. ومنهم من يستمر فيها ومنهم من يغادرها لكراء منازل خاصة ومنهم من يتمكن من الحصول على إقامة في حي جامعي خاص او عام وهكذا. وبحكم انتمائي الحركي والحزبي ففعلا تجد عددا كبيرا من أبناء حركة التوحيد والإصلاح وحزب العجالة والتنمية هناك يتابعون دراستهم فقد توفر لآبائهم امكانية التعرف على كثير من المعطيات والمعلومات من خلال اتصالهم بي وبسهولة كانوا يأخذون قرار السماح لأبنائهم بمتابعة دراستهم بالجامعات التركية بعدما يأخذون المعطيات الكافية. وهل يقتصر الأمر فقط على أبناء الحركة والحزب؟ بالعكس، الأمر تعدى ذلك، فقد أصبح يتصل بي أبناء وشباب مغاربة من عامة الشعب ممن حصلوا على رقم هاتفي وكثير منهم لا علاقة لهم لا بالحركة ولا بالحزب، وقد مكنت كثيرا منهم من الاستفادة من سكن جامعي هناك، ومن متابعة دراسته الجامعية . على أن هناك قسطا كبيرا آخر من الطلاب المغاربة تعرفوا على الجامعات التركية من خلال دلائل الجامعات وعبر الانترنيت ووجدوا بهذه الجامعات ضالتهم المعرفية والعلمية وسجلوا انفسهم في أسلاكها بشكل عادي وطبيعي. هل هذا يعني أنه لا يمكن الآن قبول طلبات متابعة الدراسات الجامعية في تركيا خارج تلك المسارات ؟ لا بالنسبة للمسار الأول كما ذكرت لكم فقد انتهى العمل به لصالح المسار الثاني والمتمثل في التسجيل من خلال موقع وضعته وزارة التعليم العالي ومن قبل من الطلبة يتم عقد مقابلة مهم بالسفارة ليتم في الأخير قبول العدد المناسب والمطلوب وفق معايير محددة، فهذان مساران انتهى الأول وبقي الثاني.. على أن هناك مسارا ثالثا هو ما ذكرته لكم آنفا، وهو أن يذهب الطالب ويتسجل بشكل حر في أحد مراكز اللغات لتعلم اللغة التركية وخلال نهاية السنة يجتاز امتحانات الدخول للجامعات التركية ، ومنها ما تقبل برسوم معينة ومنها ما تقبل طلبات التسجيل بدون رسوم ، فاذا قبل في احداها فانه سيتابع دراسته فيها وقد يستطيع الحصول على منحة كما لا يستطيع أن يحصل عليها . هل لديكم إحصائيات لعدد الطلبة المغاربة بتركيا؟ وماذا يدرس غالبهم؟ شخصيا لا أتوفر على إحصائيات رسمية، لكني أقدر أن مجموع الطلبة يتجاوز 300 طالب في تخصصات مختلفة: إدارة الأعمال والهندسة والطب والصيدلة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية وهي تخصصات مناسبة جدا للطالب المغربي، وكثير من الطلبة المغاربة يجدون سلاسة في متابعة دراستهم في البيئة التركية بحكم اقتراب النموذج المجتمعي التركي من النموذج المغربي، وأيضا بحكم التشابه الكبير في بعض العادات والتقاليد.. وأيضا بحكم التراث الحضاري والثقافي المشترك. فالطلبة المغاربة يندمجون في البيئة التركية ولا يجدون صعوبة كبيرة كحال الذين يتابعون دراستهم في بعض الجامعات الغربية. ما مصيرهم بعد التخرج من الجامعات؟ وماذا عن قضية معادلة الشواهد العليا؟ هناك عدد من الطلبة الذين رجعوا إلى المغرب هم قلائل جدا، لأن الذين ذهبوا منهم، هم اليوم في السنوات ما قبل الأخيرة من تخرجهم ، والدفعة الأولى منهم سيعودون بعد سنة أو سنتين ومنهم من فضل الاستمرار في سلك الدكتوراه هناك ومنهم من سافر ليتابع دراسته في الجامعات الأوروبية. ولا أعتقد أن مسألة معادلة الشواهد تطرح مشكلة، لأنه سيتم التعامل مع الأمر وفق المسطرة المعمول بها، بحيث سيتقدم كل طالب معادلة لمصلحة معادلة الشواهد بوزارة التعليم العالي، وبعدها سيتم دراسة الملف ثم يتم الجواب عليه بعد مدة . ولربما هناك مساعي ستبدل في إطار تذليل مختلف الصعوبات التي قد تبطئ مسار الحصول على معادلة الشهادة من الجامعات التركية لفائدة الراغبين فيها من الطلبة المغاربة الذين سيحصلون على هذه الشواهد.