احتفالات رأس السنة الأمازيغية الجديدة 2975    الجزائر تنكشف أمام تركيا.. تواطؤ مفضوح مع الأكراد في تآمر على النظام التركي بعد استقبال ممثلين عن الانفصاليين في تندوف    عروض الشهب الاصطناعية تُضيء سماء أكادير احتفالاً برأس السنة الأمازيغية 2975 (الفيديو)    تفشي داء بوحمرون يحيي أجواء كورونا في محاكم طنجة    ليلى بنعلي تؤكد على التزام المغرب بدعم التعاون الاقليمي والدولي في مجال المعادن    إسبانيا تفرض ضرائب قاسية على عقارات المغاربة    حزب "فيدرالية اليسار" ينبه إلى خنق حرية التعبير بالمغرب ويطالب بتصفية الجو السياسي    إيلون ماسك يجري مناقشات لشراء تيك توك    الرجاء الرياضي يعلن رسمياً فسخ عقد أنس الزنيتي    الكاف يتجه إلى تأجيل بطولة الشان    توقعات احوال الطقس لليوم الثلاثاء    "التوحيد والإصلاح" تنتقد تثمين العمل المنزلي وحدّ "التعدد" في تعديل المدونة    الغلوسي: النخبة التي ترعرعت في الريع والفساد غائبة تمامًا عن معاناة منكوبي زلزال الحوز    لقجع : الزيادة في ثمن غاز البوتان غير مطروحة على طاولة الحكومة    قرب الإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة    الوداد الرياضي يستعد لصدارة الميركاتو الشتوي    تنزيل قانون العقوبات البديلة يدخل مراحله النهائية    الحبس النافذ لصاحب صفحة فيسبوكية بفاس    موظفو الجماعات الترابية يطالبون بنظام أساسي "عادل"    الدورة ال49 لجائزة الحسن الثاني وال28 لكأس الأميرة لالة مريم للغولف من 3 إلى 8 فبراير المقبل بالرباط    اتهامات بالتلاعب والتكلفة المبالغ فيها لحجز مواعيد التأشيرات الإسبانية بالناظور    وهبي يعرض تقريره حول مناهضة التعذيب .. خطوات نحو تعزيز حقوق الإنسان    الناصيري يكشف سبب حجب "نايضة"    استوديوهات هوليوود تتبرع بملايين الدولارات لدعم جهود الإغاثة من الحرائق    الدار البيضاء .. أمسية موسيقية احتفاء برأس السنة الأمازيغية الجديدة    سانشيز يقترح ضريبة 100% على شراء العقارات من قبل غير المقيمين    أخنوش يقوم بزيارة لمعرض الصناعة التقليدية لأكادير إداوتنان    ترامب: اتفاق بشأن غزة قد يكتمل بحلول نهاية الأسبوع    ترامب: التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى أصبح قريبا    أنفوغرافيك | حقائق لا تريد إسرائيل أن نسمعها    الإصلاح الضريبي يرفع الموارد الجبائية إلى 299 مليار درهم في 2024    النفط قرب أعلى مستوياته في 4 أشهر مع تقييم تأثير العقوبات على روسيا    ندوة بكلميم تبرز الأبعاد التاريخية والروحية لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال    مدير عام سابق بمؤسسة العمران بالجهة الشرقية و4 آخرون في السجن بتهمة الاختلاس    ريال مدريد يُواجه اتهاماً خطيراً في واقعة إهانة البرازيلي فينيسيوس    الصين: التجارة الخارجية تسجل رقما قياسيا في 2024    المديرية العامة للضرائب تحدد سعر صرف العملات الأجنبية    من هو نواف سلام رئيس محكمة العدل الدولية المكلف بتشكيل الحكومة في لبنان؟    غوارديولا: قائد مانشستر سيتي يقترب من الرحيل    كيوسك القناة | تأجيل مناقشة مقترحات تعديل مدونة الأسرة بالبرلمان    بايدن: إعادة إعمار لوس أنجلوس ستكلف عشرات مليارات الدولارات    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يخوض تجمعا إعداديا بسلا    ملاكمة.. اعتزال بطل العالم السابق في الوزن الثقيل تايسون فيوري    شراكة استراتيجية لتعزيز خدمات الوقاية المدنية بعمالة طنجة أصيلة    محاكمة محمد أبركان: غيابات مثيرة للجدل وشهادات طبية تحت المجهر    قافلة الأكاديمية الدولية للتراث الثقافي اللامادي تحل بالحسيمة    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    الكتاب الأمازيغي: زخم في الإنتاج ومحدودية في الانتشار نسبة النشر بالأمازيغية لا تتعدى 1 %    وزارة الصحة تبدأ في عملية تلقيح البالغين ضد داء بوحمرون    مسؤول يكشف أسباب استهداف وزارة الصحة للبالغين في حملة التلقيح ضد بوحمرون    وزارة ‬الصحة ‬تتدخل ‬بعد ‬تواصل ‬انتشار ‬‮«‬بوحمرون‮»‬.. ‬    راديو الناس.. هل هناك قانون يؤطر أصحاب القنوات على مواقع التواصل الاجتماعي (ج1)؟    أخنوش: ملتزمون بترسيم الأمازيغية    فيتامين K2 يساهم في تقليل تقلصات الساق الليلية لدى كبار السن    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رمضاننا بين الأشواق الروحانية والانزلاقات السلوكية
نشر في هسبريس يوم 09 - 05 - 2021

يمكن الحديث عند إقبال شهر رمضان الفضيل من كل سنة، عن ثورتين: إحداها لفظية صاخبة، طافحة بمعان روحانية وأخلاقية، وثانيهما عملية لا تمت إلى الأولى بأي صلة، إيقاعها يتسم بالكثير من الفوضى والارتباط بكل ما هو مادي استهلاكي، منفلت من كل الضوابط القيمية. الشيء الذي يعري عن هشاشة تعلقنا بالملفوظات الروحية، وضعف سلطانها في توجيه وتأطير ممارساتنا السلوكية.
الاستعراض الروحاني واقعيا وافتراضيا:
إن رمضان وهو شهر فضيل بلا منازع، فضله رب المكان والزمان، بأن جعله شهر القرآن والبر والإحسان. عرف أحداثا جساما، مكنت للعرب والمسلمين في الأرض بين الأنام. فلكل هذه الفضائل وغيرها، التمس السلف الصالح بركته، واتخذوه مناسبة للتزكية، وتطهير النفس من كل النزعات الترابية، والارتقاء بها في المقامات النورانية. فشدوا المئزر للرهبة ليلا، بعد أن ظلوا النهار فرسانا في خوض غمار الحياة، لاغتنام ليلة فيه هي "خير من ألف شهر". تقربا للخالق وإحسانا للمخلوق. فاقتداء بهذا الرعيل، نحاول أن نجعل منه شهر صحوة للضمير والفكر، وتجديد عقائد الإيمان. كما نؤكد بهذه الصحوة، استحقاقنا للتكريم الذي حظينا به دون سائر المخلوقات، والالتفات إلى مناط هذا التكريم، هو بالضبط الجانب الإنساني والإشادة به، وطمس كل ما من شأنه ان ينحدر به إلى الدرك الأسفل في السلم القيمي والمدني. وخصوصا وقد هيئت ظروف ذلك، بتصفيد الشياطين، وتحفيز المقبلين على الخير بمضاعفة الأجر والثواب، وإبعاد المقبلين على الشر بفضل من الله ومنة.
انسجاما مع هذا، ولتحقيق هذه الغايات، تنشط مظاهر الاستعداد له، بالإقبال على الزي التقليدي كإعلان للتفرغ للعبادة، والإقبال على الطاعات. وتعرض على الطرقات المصاحف والسبحات والكتب الدينية والسجادات و.... كما تعرف المساجد حركة تأهيل وتجديد، لاستقبال ضيوف التراويح، لا حرمنا الله منها في القادم من السنوات. ولقد شكلت مواقع التواصل الاجتماعي مجالا لاستعراض الورع والتقوى، وفرصة للتعبير عن أشواق الروح افتراضيا، بالأدعية العابقة بالخوف والرجاء، تذللا لخالق الأرض والسماء، وتذكر بما يليق من الحزن والحسرة والوقار، من فارقنا إلى دار البقاء. كيف لا يكون الأمر كذلك، وقد وفرت السحابة الإلكترونية المقال الخاشع الحزين، المناسب لمقام الفراق المرير، ومنصة لعزف لحن الأشواق الروحية والتطلعات الإيمانية، يعد المخل بميزانه في خانة الشاذ والمشكوك في ولائه لإرث السلف، ومواضعات الخلف. يزيد هذا الكرنفال الموسمي توقدا، إعلام تتيح منابره الترويج لأخلاقيات الشهر الفضيل، والتكثير من البرامج التي ترسم خارطة الطريق لأيامه ولياليه، المفعمة بالنسائم الروحانية، والقيم الأخلاقية، التي من شأنها أن تحدث ثورة في حياتنا، وتنقلب من حال ينال الشيء الكثير من سخطنا لناسه وقيمه، إلى حال به الكثير مما يجعل الحياة تستحق أن تعاش.
واقع الحال يكذب مزاعم المقال:
كل هذا جميل، لولا تلك الخدوش بل الخدود التي تحدثها تلك الوصلات وما أكثرها، التي تغذي النزعة الاستهلاكية وتجعلها أكثر توهجا، وتعلي من شأن التبضع واختيار ما لذ وطاب، وما يليق بالشهر من أطباق. شهوات أبدع الطهاة في إعدادها بل نحتها، وكأنها معدة لمقاومة عوادي الدهر وتقلبات الأيام. يتحسر أمام إغرائها المعوزون، فيتولد الحرمان وينمو الحقد ضد الميسورين، الشيء الذي يهدد وينسف تماسك المجتمع المنشود، من صيام يحس فيه الغني بمسغبة الفقير. كما يستغل هذه النزعة الاستهلاكية، طبقة المحتكرين الذين يترصدون بجيوب المواطنين الدوائر، والأنكى منهم، أولئك المفسدون الذين يضخون في الأسواق ما فسد من الغذاء، فيعم الداء والبلاء، ونحن نتحدث عن الحمية والدواء، المرجوة من الصيام. فتغدو الأسواق ميادين للتدافع بالمناكب والأقدام، لاقتناء المعروض فيها من الطعام، مدعين أن ذلك يقتضيه الصيام. كما يقتضي تعكر المزاج، فيكثر الخصام واللجاج، والشتم والسباب، وقد يصل الأمر إلى إراقة الدماء. ناهيك عما يعرفه السير والجولان من حوادث وأحزان، كل يدعي أنه مجهد من تأثير رمضان، ينبغي إفساح الطريق له قبل الأنام، وإلا انتفاخ الأوداج، واستظهار قاموس السباب واللعان، يذهب بوقار الإنسان، الصائم القائم، ومع ذلك ندعي أن لنا بهما وصال. ولعل ما ينقض كل مفاهيم الصيام، ما نشاهده من اتجاه البعض إلى تبرير ضعف النشاط، وقلة العطاء في ميادين العمل والاشتغال. فهناك من يقضم من ساعات العمل مبتدأ ومنتهى، مع ما يتخللها من استرخاء والتماطل في الواجب وتقديم الخدمات، إن لم يكن الغياب سيد القرار، في غفلة المسؤول عن الشأن العام. فيجتمع في هذا الشهر، ما لم يجتمع في غيره بما كسبت أيدينا وسوء عاداتنا. فالضجيج في كل الطرقات، والجيوب مفلسة بالنفقات، وربات البيوت مرهقة بإعداد الشهوات.
رمضان بين الجد الهزيل والهزل الجاد:
نحن الآن أمام مشهدين على طرفي نقيض، الأول يعرف غزوة ناعمة، عابقة بالنسمات الروحانية، تحمل المرء بكل رفق للالتحاق بالركب الملائكي. والثاني غزوته هادرة بالعواصف العنيفة، هبت رياحها على الأولى، فاقتلعت نعومة الإنسان: تسامحه وتراحمه وتضامنه المعنوي قبل المادي... وغيرها من الترسانة القيمية، ورمت بها بعيدا عن دائرة المعيش اليومي، والتفاعل الاجتماعي. في زمن رمضاني فائض منسوبه القيمي، وتزرع في قلبه الكثير من الأورام تهدد سلامته التعبدية والأخلاقية. وبينهما تحضر النكتة لتميط اللثام وتكشف ما تستره العبارات الدامعة خشوعا وتبتلا، والشعارات الرقراقة بفيض روحاني، غثاؤه غطى زبده، بتعبيرها الساخر، تكشف عن الذي لم نستطع التعبير عنه بالواضح والفاضح من التعابير. فالنكتة تثير "الضحك على نحو قصدي، من خلال إحداث التفاوت بين تصورات الناس والواقع المدرك" (شوبنهور). فالحديث في المنتديات ومجالس الوعظ والإرشاد والمؤدبات وبطاقات المجاملات و... عن الفرحة والبهجة بمقدم الشهر الكريم، وإظهار الهمة العالية للاقتباس من مشكاة أنواره، وتمثل أخلاقه. في حين تتحدث النكتة كما الواقع، عن "الترمضينة"، التي تحمل كل أنواع الانزعاج والتذمر، والانفلات الغرائزي. هي قنبلة قد تنفجر في وجه كل من حاول قض مضجعها، الذي تحتمي به جراء تعطيل العادات، وتأجيل الملذات. وبتوقفهما تتوقف الكثير من المهمات. ناهيك عن تعليق كل الأخطاء والتعثرات، بمشجب شهر العبادات. وهكذا نلصق برمضان تندرا وتفكها، ما ينسخ ما هو أهل له جدا وحقيقة. ولا غرو في ذلك، ما دمنا ثمرة من دوحة ثقافية، تجعل من النكتة ديوانا لهمومها وأفراحها، وتعبيرا عن اتجاهات العامة. "قل لي نكت شعبك، أقول لك همومه". ولن نتركها كما قال الجاحظ: "في الدنيا وإن أدخلتني النار في الآخرة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.