أكد محمد يتيم عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية وعضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح وأحد منظري العمل الإسلامي بالمغرب، أن ما جاء في المقال الأخير حول المرجعية الإسلامية في خطاب الإسلاميين للدكتور أحمد الريسوني إذا أُخذ على إطلاقه ولم يفهم القصد منه قد يؤول على أساس أنه سعي لممارسة الوصاية أو الرقابة الفقهية بمعناها الضيق على العمل السياسي. وأوضح صاحب "أوراق في منهج التغيير الحضاري"، في حوار مع هسبريس أن السياسي الذي ينطلق في ممارسته السياسية من المرجعية الاسلامية لا ينبغي أن يجد حرجا في الاعتزاز بمرجعيته الاسلامية وأن يستند إليها وأن يأخذها البرلماني وغيره بعين الاعتبار وهو يمارس عمله التشريعي لأن الدستور المغربي يؤكد أن الدين الإسلامي يتبوأ مكان الصدارة من بين غيره من مكونات الهوية المغربية. فيما يلي النص الكامل للحوار: بدون شك اطلعتم على المقالة الأخيرة للدكتور أحمد الريسوني حول المرجعية الإسلامية في خطاب الإسلاميين. ما هو رأيكم في الموضوع، وكيف ترون كواحد من منظري العمل السياسي الإسلامي حضور المرجعية الإسلامية؟ لا أختلف من حيث الجوهر مع ما ذهب إليه الدكتور الريسوني أي أن السياسي الذي ينطلق في ممارسته السياسية من المرجعية الاسلامية التي هي بالمناسبة مرجعية الدولة المغربية لا ينبغي أن يجد حرجا في الاعتزاز بمرجعيته الاسلامية وأن يستند إليها وأن يأخذها البرلماني بعين الاعتبار وهو يمارس عمله التشريعي فالدستور المغربي يؤكد أن الدين الإسلامي يتبوأ مكان الصدارة من بين غيره من مكونات الهوية المغربية الدستور كما يؤكد أيضا أن الأمة تستند في حياتها العامة على ثوابت جامعة، ركز في مقدمتها على الدين الإسلامي السمح، إضافة إلى الوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي. فالإحالة إذن على المرجعية والاستشهاد بمصادرها من قرآن وسنة وخاصة تلك التي تتضمن أحكاما صريحة وقطعية أو حتى إذا كانت أحكاما ظنية استنبط منها عن طريق الاجتهاد المستوعب لمقاصد الاسلام الكبرى في العدل والحرية والمساواة والكرامة الانسانية الى غير ذلك من القيم النبيلة لا ضير فيه. وفي العالم كله تستند أحزاب سياسية في دفاعها عن قوانين على أحكام وقيم دينية كما تفعل مثلا الاحزاب المسيحية الديمقراطية التي ترفض مثلا زواج المثليين والإجهاض كل ذلك انطلاقا من اعتبارات دينية. ولكن السؤال الذي يطرح هل من اللازم دوما حين ندافع عن قانون أو تشريع أو إجراء أن يتم من خلال لغة فقهية ويتحول الخطاب السياسي الحزبي أو خطاب النائب البرلماني إلى خطبة منبرية؟ كلام الريسوني إذا اخذ على إطلاقه ولم يفهم القصد منه قد يؤول على اساس انه سعي لممارسة الوصاية او الرقابة الفقهية بمعناها الضيق على العمل السياسي او التشريعي وأنا متأكد أن الدكتور الريسوني لا يقصد ذلك بل احسب أنه يقصد نوعا من الهزيمة النفسية أو الفكرية التي قد تصيب البعض في الاستناد على المرجعية الاسلامية والتحرج من ذكر الاعتبار الديني كاحد الاعتبارات التي يتعين مراعاتها عند التشريع لمجتمع مسلم تعتبر مسالة الحلال والحرام مسالة أساسية بالنسبة له. بناء على هذا التحليل هل يمكن في نظركم إسقاط مفاهيم الدين من قبيل الحلال والحرام على السياسة؟ وجب التأكيد انه ينبغي التمييز بين اعتبار الحلال والحرام عند المشرع اي ان على المشرع ان يأخذ بعين الاعتبار انه يشرع لمجتمع مسلم منطق الحلال والحرام جزء لا يتجزأ من ثقافته وبنائه الفكري والنفسي وهذا ما له وجه صريح في الدستور حين يؤكد ان الحياة العامة تستند على ثوابت جامعة في مقدمتها الدين الاسلامي ، ينبغي التمييز إذن بين ذلك اي بين العمل البرلماني الرقابي والتشريعي وبين الخطاب الوعظي الذي مجاله الطبيعي هو العمل الدعوي ، والخطاب الفقهي الذي يبين للناس الأحكام المستنبطة من أدلتها التفصيلية عمل الإفتاء الذي له اهل الاختصاص فيه أفرادا ومؤسسات. العمل التشريعي هو صياغة للقانون ، والقانون عمل بشري وضعي ولو استند الى مرجعية او استند الى قيم دينية او أحكام شرعية .. في العمل التشريعي لا نكون في دائرة الحلال او الحرام وانما نكون في دائرة الواجب قانونا او الممنوع قانونا. وينبغي أن نفترض أنه في ظل مجتمع يوجد فيه أكثر من حزب يحمل مرجعية إسلامية إمكانية أن يصوت حزب بالإيجاب على قانون معين بينما يمكن ان يصوت حزب آخر ضده لاعتبارات اخرى قد ترتبط باعتبار المصلحة أو باعتبار المال أي تخقيق المصلحة المعتبرة على أرض الواقع فعلا ، ومن الخطأ عدم اعتبار التمييز بين المجالين ، ولا ينبغي إعطاء الانطباع أننا نسعى الى إقامة دولة الفقهاء بدل دولة تشتغل بالمؤسسات ووفق قواعد العمل المؤسساتي وأنا متأكد أن الريسوني لا يمكن أن يكون قد قصد ذلك ، وأن كلامه سيؤول من قبل المغرضين ويحمل ما لا يحتمله. هل تعتقد أن الاستشهاد بآيات القرآن وحديث النبي صلبى الله عليه وسلم تبعا لذلك غير ضروري في تبرير المواقف السياسية والقانونية في خطاب وزراء ونواب العدالة والتنمية على وجه الخصوص؟ الاستشهاد بآيات القران والأحاديث في الممارسة ليس حكرا على حزب العدالة والتنمية فقد رأينا خلال السنوات الماضية وخلال هذه الولاية عددا من النواب في الغرفتين اغلبية ومعارضة يستشهدون بالآيات والأحاديث ، فلا شيء يمنع ذلك أو يلزم به فالاستشهاد بها يمكن أن يكون على عكس أحكامها ومقاصدها كما أن عدم الاستشهاد لا يعني بالضرورة عدم اعتبار حاجيات ومطالب المجتمع المغربي المسلم وحساسيته الى قضايا الحلال والحرام. وفي كثير من المرافعات القضائية أو لدى القضاء يتم اللجوء إلى الاستشهاد بايات وأحاديث وأحكام شرعية وبمقاصد الشريعة وليس فقط في الترافع من أجل التشريع. ما أريد أن أؤكد عليه هو الحاجة الى التمييز بين المجال الفقهي والمجال الدعوي والتربوي من جهة وبين المجال السياسي والمجال التشريعي، فاذا كان المجال الأول يتسع لمصطلحات الحلال والحرام والواجب والمنذوب والمكروه وهلم جرا ، فإن مجال السياسية ومجال التشريع هو التشريع والتقنيين والتدبير الذي تعتبر فيه من جهة أحكام الدين ومقاصده لأن التشريع فيه تشريع لمجتمع مسلم ، والمعتبر فيه أصلا هو المصالح ، كما أن الحصيلة فيه حصيلة وضعية بشرية متغيرة ، ولا مشاحة في أن يركز السياسي أو البرلماني على بيان ما يجنيه الفرد والجماعة من فوائد أو ما يجره عكسه على المجتمع من مفاسد وليس من الضروري أن يركز أو أن يبرز أنه انما يصوت على قانون لأنه هو شرع الله أو دينه فشرع الله ودينه إنما جاء معتبرا للمصلحة وحيث ما كانت المصلحة فثمة شرع الله كما يقول ابن القيم. ولا أظن أن الدكتور الريسوني يخالف في هذا المعنى خاصة أن الحركة التي ينتمي اليها قد تبنت من خلال مجلس شوراها مبدأ التمييز بين العمل السياسي الحزبي والعمل الدعوي واعتبرت أن هذا التمييز ينبغي أن يتم على عدة مستويات. ما هي هذه المستويات؟ أول مستوى هو مجالات العمل أي التمييز بين العمل السياسي والعمل الحزبي ولهذا لم تندمج الحركة في الحزب كما أن الحزب حافظ على استقلاله وعلى استقلال قرارته ومؤسساته عن الحركة والتمييز على مستوى الخطاب اي التمييز بين الخطاب الدعوي والخطاب الديني إذ لكل من الخطابين مفرادته وبناء عليه لا يعاب على برلمانيي العدالة والتنمية ان استخدموا لغة الارقام والمفاسد والمصالح والمآلات في الدفاع عن نص قانوني وليس لغة الحلال والحرام ، ثم التمييز على مستوى الرموز وهو التمييز الذي بناء عليه اتخذت الحركة عددا من القرارات ومن بينها منع مسؤوليها مركزيا ومجاليا من الترشيح للانتخابات وشغل مسؤوليات متقدمة في الحزب وإقرار مبدأ التنافي بالنسبة لكثير من هذه الحالات ونفس الشيء بالنسبة لأعضائها ممن يشغلون وظائف الوعظ والإرشاء في المساجد أو خطبة الجمعة.