على بعد 15 كيلومترًا شرقي مدينة القدس، باتجاه مدينة أريحا في غور الأردن بالضفة الغربية، وبين جبال قاحلة تطل على "البحر الميت" أكثر منطقة انخفاضا في العالم، يقع المقام التاريخي المعروف باسم "مقام النبي موسى". رغم اسمه، إلا أن مؤرخين وعلماء آثار يؤكدون أنه لا علاقة له بالنبي موسى، الذي فقدت آثاره على جبل نبو في الأردن بحسب العهد القديم، وأن القبر الموجود في صحن البناء في المقام بناه صلاح الدين الأيوبي خلال حربه مع الصليبيين في القرن الثاني عشر الميلادي، لسبب غير معلوم. ولا يعرف على وجه الدقة سبب تسمية المقام ب"مقام النبي موسى". واليوم، تحول "مقام النبي موسى" من مكان يعج بالسياح المحليين والأجانب الذين كانوا يوفدون إليه للتبرك به أو لزيارته كمعلم أثري ديني، إلى مقام يكاد لا يزوره سوى بضعة زائرين على مدى الأسبوع بعد أن كانت تقام فيه الفعاليات والمواسم والحفلات الدينية، بحسب العاملين فيه. ويقول خادم المقام أبو نعيم المصري، لمراسل "الأناضول": "لا يزور المقام حاليا سوى بضعة سياح أجانب، انقطع عنه حتى طلبة المدارس والجامعات، وتعود الحياة له نسبيا في موسم النبي موسى السنوي الذي جرت العادة عبر التاريخ على أن يقام منتصف أبريل/نيسان سنويًا، دون تفسير واضح.. أما قلة الاهتمام فتعود إلى الأوضاع السياسية الراهنة، خاصة وأن المقام أصبح محاطًا بعدد من المستوطنات الإسرائيلية". ويعبّر المصري عن امتعاضه من قلة الاهتمام الشعبي بالمقامات التاريخية عبر بزيارتها والاعتناء بها، ويضيف "أعمل خادمًا للمقام منذ 12 عامًا، أشعر بالطمأنينة وراحة النفس هنا، ولن أتركه إلا بنهاية أجلي". ويلفت خادم المقام إلى أن "العائلات الفلسطينية كانت تقيم في المقام عدة أيام وتنظم الولائم والمهرجانات والغناء الصوفي في موسم النبي موسى، وهو ما تلاشى بفعل انتفاضة الأقصى عام 2000، قبل أن يعود الموسم منذ عام 2007، ولكن بصورة أقل زخما". وكانت وزارة الأوقاف الفلسطينية قد أعلنت عن عودة فعاليات موسم النبي موسى في محاولة إلى إعادة الاهتمام الشعبي وجذب السياحة إلى المقام. وفي محيط المقام، توجد مستوطنات إسرائيلية وطريق استيطاني، إضافة إلى منطقة عسكرية أغلقتها إسرائيل منذ احتلالها للضفة الغربية عام 1967، وحولتها إلى معسكرات للجيش. وبحسب المصري، "كانت العائلات الفلسطينية تقيم حفلات ختان الأطفال وتقص شعورهم في المقام كنوع من التبرك". وهو ما تؤكده السيدة المقدسية ردينة عبد الرحمن بقولها، في حديث لمراسل "الأناضول": "أتذكر وأنا في السابعة من عمري كنت أزور المقام مع عائلتي وكان والدي يقيم حفلات الختان لإخوتي فيه.. قصصنا شعر طفلي لمباركته في المقام بينما كان عمره ستة أشهر". وتضيف: "آتي للصلاة في المقام بين الفينة والأخرى لارتباطي به منذ الصغر.. وللأسف لا يوجد اهتمام شعبي بمثل هذه المقامات.. عاد الموسم الجديد بلا طعم ولا تتوفر الأجواء الروحانية التي عشتها سابقا". وفي جزء من مبنى المقام، اتخذت "جمعية الهدى لعلاج مدمني المخدرات" مقرًا لها. ويقول مديرها أحمد حجازي، لمراسل "الأناضول": "أبدينا اهتمامًا كبيرًا بالمقام واستفدنا من الغرفة غير المستخدمة لإنشاء مركز علاجي لمدمني المخدرات بموافقة ورعاية وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية". وفي محيط المقام باعة قطع تراثية ومطرزات فلسطينية. ويقول البائع إبراهيم جعوادة: إن "القليل من السائحين من يأتي إلى هنا.. صرنا نعتمد على البيع أيام الرحلات المدرسية التي تناقصت هي الأخرى". وإضافة إلى القبر والمسجد، يضم المقام 164 غرفة وإسطبلات للخيل ومخبزا قديما. وحول المقام مقبرة دفن فيها كل من توفوا خلال المواسم أو من كانوا بالقرب منه، وعلى بعد كيلو متر من المقام، يوجد بناء يضم قبر حسن أحمد خليل، وهو راع خدم المقام وتوفي قبل نحو 300 عام ويعرف قبره باسم مقام الراعي. وحسب حجازي، الذي يعمل خادما للمقام إلى جانب العمل في المركز العلاجي، فإن "رجال دين يهود ومستوطنين يأتون إلى المقام ويسألون لماذا تطلقون على المقام اسم النبي موسى رغم عدم وجود ما يشير إلى أنه لنبي الله موسى". ويختم بأن "الإسرائيليين لا يوجد لديهم ما يفيد بدخول موسى عليه السلام إلى أرض فلسطين، وإلا لكانوا سيطروا على المقام وحولوه إلى معبد ديني". * وكالة الأناضول