شكل قرار الانسحاب من الحكومة والمعلن عنه من طرف حزب الاستقلال بتاريخ 11 ماي حدثا سياسيا بامتياز أسال لعاب المحللين و الصحافيين و كل المهتمين بدراسة المشهد السياسي المغربي ورغم الكلفة السياسية الباهضة للقرار المتخذ وتبعات ذلك على الحزب و الحياة السياسية عموما، لازال البعض يعتقد أن القرار المتخذ قد يشكل بداية أزمة سياسية تعيد ترتيب الأوراق من جديد وتعطي نفسا جديدا و تضخ مزيدا من الدماء في شرايين شبكة المفسدين ومن والاهم و لعل الخطوة الجريئة التي إتخذتها أحزاب المعارضة ومقاطعتها للجلسة الشهرية المخصصة لتقييم السياسيات العمومية بحضور السيد رئيس الحكومة تنبئنا بأن هناك مخطط عنوانه الانسحاب و عدم القبول بخوض غمار المنافسة على أساس قواعد الدستور الجديد و البرنامج الحكومي المتعاقد حوله بين الحكومة و الشعب المغربي. إن قرار الانسحاب المعلن عنه من طرف حليف داخل الحكومة أو المعارضة برمتها يدفعنا إلى طرح مجموعة من الآسئلة المشروعة داخل الحقل السياسي المغربي و لعل أبرزها : لمصلحة من تعارض هذه الأحزاب؟ و كيف حصل توافق في المواقف السياسية بين من كان يحكم و من يعارض ؟ هل حصل ذلك بمجرد الصدفة أم أن الأمر كان مخططا له من قبل ؟ و ما علاقة ذلك بما تعيشه بلادنا اليوم في ظل تداعيات الآزمة الاقتصادية ورهانات إصلاح صناديق التقاعد والمقاصة؟ إن طرحنا لهذه الأسئلة وغيرها يهدف إلى محاولة تعميق الفهم بخصوص ما يجري و ما تنتجه أحزاب بعينها من مواقف سياسية في ظاهرها تبدو منسجمة و في ثناياها تختبئ العديد من التناقضات، فباسم الديموقراطية أصبحت أحزاب المعارضة ذات المقاعد المحدودة تلعب دور الحزب الحاكم كما هو الشأن بالنسبة لأنظمة دكتاتورية عرفت نهايتها مع ثورات الربيع العربي الديموقراطي، وهنا يحق لنا أن نطرح سؤالا جوهريا متى ستملك الاحزاب السياسية، المعنية بقرار الانسحاب، حريتها لتعبر عن مواقف سياسية نابعة من إطارها المرجعي أولا وملتزمة ببنود التعاقد المنصوص عليه دستوريا أو المتضمن داخل فقرات البرنامج الحكومي أو النظام الداخلي لمجلس النواب؟ إن المدافعة السياسية تقتضي الخضوع لقواعد رضي بها الجميع حكومة و معارضة أحزابا ونقابات و تحت سقف ذلك تجري المنافسة السياسية الشريفة، إن التحديات المطروحة اليوم و التي تجابهنا كأمة أقوى من أن نتصدى لبعضنا البعض عبر تراشق الكلمات أو الألفاظ، فنحن اليوم مطالبون باقتراح حلول و بدائل للرفع من وثيرة الاقتصاد الوطني و تحقيق أعلى نسبة من معدلات التنمية الاجتماعية والثقافية و الصحية و لن يتحقق ذلك إلا بتظافر كل الجهود و تعبئة الطاقات الاجتماعية المحلية و الوطنية، فمادامت الحكومة تملك برنامجا سياسيا يشكل إلتزام متعاقد حوله، فالأجدر و الأولى أن تقوم المعارضة بتتبع و تقييم و قبل ذلك بتحليل كل القرارات السياسية المعبرعنها كآليات لتنفيذ السياسات العامة و من هنا يمكنها أن تنتقد بشكل موضوعي كل ما من شأنه أن يشكل خللا في تدبير الشأن العام. و على سبيل الختام يمكن القول أن قرار الانسحاب لن يخدم في المرحلة الراهنة سوى من أراد أن يسبح ضد تيار إرادة الاصلاح المعبر عنها منذ 09 مارس 2011 موهما نفسه بأن العجلة يمكن أن تتوقف عن الدوران ليقدم نفسه كبديل يملك مشروع سياسي بعد أن قضى سنوات طوال يصدر القرار و يدبر الشأن العام دون أن يكلف نفسه و رفاقه عناء مراجعة و نقد ذاتي لمنتوجهم السياسي. نائبة برلمانية عن فريق العدالة والتنمية