بلغ عدد الحضور في الأيام التسعة التي دامتها فعاليات مهرجان موازين مليونين وخمسمائة ألف شخص يمثلون مختلف الفئات العمرية حسب بيان صادر عن إدارة المهرجان، هو رقم لكن ليس كأي رقم؛ فمليوني شخص رقم يعكس الكثير الكثير، إنه يعكس التخلف و الفراغ الفكري و الروحي الذي نعيشه، يعكس نجاعة الخطط في إيهام الجماهير و التلاعب بعقولها، يعكس مدى "التَشْراع" و ليس الانفتاح الذي أضحينا نعيشه نحن المغاربة، يعكس مدى استهتارنا بوقتنا ومالنا العام وبمشاعر الفقراء و المحتاجين من أبناء هذا الوطن، كما يعكس حجم الفراغ و الكبت والوهم الذي يعشش في دواخلنا؛ والذي نغذيه ونسقيه بمتابعة الحفلات و المهرجانات والمسلسلات حتى صارت البطولة و النجومية في مخيلتهم مقتصرة على مغامرات الحب وقصص العشق و الغرام و على الغناء والطرب و "التبان"، وأصبح الترويح عن النفس والاستجمام مقرونا بالغناء الصاخب والرقص الساقط والحفلات والمهرجانات الماجنة. رقم يعكس الانفصام الذي صار سمة الشخصية المغربية، يعكس مدى الضياع و" بوتَفْتاف" الذي يترنح على إيقاعه شبابنا الذي شاهدناهم على المباشر يبكون على غير كلمة لا اله إلا الله،ويفقدون الوعي على وقع المعازف والألحان ويستمتعون بالرقص مع الشيطان، فأين هو العمق الإسلامي والعربي للمغرب في هكذا مهرجانات؟؟ هل يتجلى في تدنيس العلم المغربي من طرف الشواذ و الساقطات ومن هب ودب يلتحفه؟؟ أم في "تَكْشيطَة" أحلام المرصعة بالماس؟ وعن أي إسلام و إمارة نتحدث وأجيالنا لا نعرف من إسلامها إلا الأسماء! وشبابنا يسجد عند أقدام المطربين والمطربات ويعبد السهرات والحفلات!. فهل لهؤلاء أن يطلبوا حقا أو ينصروا قضية أو يمنعوا دياثة أو يحفظوا شرفا و كرامة ؟!. لا والله، بل إنهم لموازين مباركون، وعلى درب الدياثة سائرون وفي ثقافة العري والمجون راغبون. و الله أحار بأي عقل يفكر هؤلاء، وبأي منطق يتعاملون وبأي دين يدينون؟ فالمشلكة والمعضلة الكبرى هو أنه أمام هذا الصخب وأجواء النشاط والتكرار أصبح الأمر طبيعيا ومعتادا؛ ولا يجد المغلوب على أمرهم فرصة للتدبر والتحليل؛ فيتابعون في صمت ونشوة. وحتى وإن وجد من في قلبهم ذرة إيمان فرصة للتساؤل ؛ فإنهم يتحولون إلى أقلية تفكر عكس التيار وتخالف العوام ويبدون مغفلين لا يفهمون، وقد يضطرون -وهذا ما يحدث غالبا- إلى إخفاء تساؤلاتهم وقناعاتهم، ويتظاهرون بأنهم مثل كل الناس حتى لا يتهموا بالرجعية والتخلف. نعم لا نزال ننصت للأغاني الإنسانية و الهادفة وحتى الرومانسية منها، ومعجبون ببعض الفنانين و المطربين، لكن ليس إلى درجة الإغماء و الصراخ والعويل و اتخاذهم أصناما للعبادة و التبرك بالتقاط الصور لهم و بجانبهم أو الحرص على مشاهدتهم عن قرب، أو أن ندفع ثمن تذكرة دخول أو نحضر لنساهم في نجاح مهرجان يلقب "بمهرجان العار" و نرقص على أنين الفقراء والأزمة التي تعيشها البلاد، و نغني على جراح الأيتام و الثكالى. لست إقصائيا ولا رجعيا ولا ضد فنانيكم و أذواقكم وفنكم، لكني أقول لكم قول الشافعي رحمة الله عليه: أحب الصالحين ولست منهم *** لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي *** ولو كنا سواء في البضاعة