يوجد يوسف هذه الأيام في حالة نفسية وروحية متردية للغاية ؛ الشاب الذي يطل على عامه التاسع والعشرين ، وقع قبل أيام ضحية لوسواس الشيطان ، وسقط في لحظة ضعف وسط حفرة عميقة ومظلمة لم يكن يتصور في يوم من الأيام أنه سيسقط فيها : لقد ارتكب فاحشة الزنا! "" يوسف نموذج للشاب الصالح الذي لا يزيغ عن الطريق ، إيمانه الكبير بالله جعله يتحكم في نفسه إلى حد بعيد . الصلوات الخمس لا يؤجلها لوقتها المضبوط ، ولا يكاد يمر يوم دون أن يقرأ ما تيسر له من القرآن الكريم . الحاصول أنه مؤمن من الدرجة الممتازة . حتى أن أصدقاءه يصفونه بالمعقد لكونه يعارض كثيرا من أفكارهم التي لا تنسجم مع مبادئه هو . صحيح أنه ليس شابا متزمتا ، لكن حرصه الشديد على التحكم في نفسه ونهيها عن الهوى ، وحرصه على عدم الخروج عن الطريق ، جعل أصدقاءه لا يترددون في وصفه بالانسان الذي يعيش خارج العصر .
وبما أن المهمة الكبرى للشيطان هي السعي إلى إخراج أمثال يوسف من حصن العفاف والزج بهم في متاهات الماضي ، فقد كان يوسف يخوض حربا شرسة ضد الشيطان ، وكاد في عدة مرات أن يستسلم ، لكنه ينجو في آخر لحظة ، إلى أن جاء ذلك اليوم المشؤوم . كان رفقة أصدقائه يتناقشون فيما بينهم كالعادة ، وكان موضوع النقاش هو الزواج ، وتحديدا العلاقة الحميمية التي تجمع بين الزوج وزوجته ، أحد الأصدقاء الذي تزوج حديثا ، تحدث عن الصعوبة التي لاقاها في أول لقاء حميمي مع عروسه ليلة الدلخة ، رغم أن لديه "تجارب" جنسية سابقة ، وكانت هذه هي بداية الخيط الذي سيؤدي إلى جعل يوسف موضوع النقاش ، حيث اتفق الأصدقاء على أن يوسف الذي يفتخر بعفته وطهارته سيفشل فشلا ذريعا في حياته الحميمية مع زوجته إذا قدر له أن يتزوج ، فإذا كان صديقهم صاحب التجربة قد عانى كثيرا في أول لقاء "رسمي" ، فإن يوسف لن يفشل فقط في ليلة الدخلة ، بل سيلازمه الفشل طيلة حياته الزوجية !
الدراري شدو القشابة فيوسف ، وهو كالعادة يدافع عن نفسه بأنه لا يخشى الفشل ، لأنه وإن كان لم يسبق له أن نام في حضن امرأة طيلة حياته التي امتدت لثمانية وعشرين عاما ، إلا أنه يعرف جيدا كيف يجب أن تكون العلاقة الحميمية بين المرأة والرجل ، بسبب مطالتعه المستمرة لجديد الدرسات العلمية التي تتناول موضوع العلاقة بين الجنسين.
هنا اغتنم الشيطان الفرصة وتدخل على لسان أحد الأصدقاء ، هذا الأخير قال ليوسف بأنه يعرف السبب الذي يجعله لا يمارس الجنس مثلهم ، ولا يقوم حتى بمعاكسة الفتيات كما يفعل كل الشباب . "أنت خجول جدا وتخاف من البنات ، هذا هو السبب الذي يجعلك لا تفعل ما نفعل نحن " يقول الصديق بصوت ساخر في وجه يوسف .
كلام الصديق ظل صداه يتردد في ذهن يوسف بلا توقف ، وكان السؤال الذي يجب عليه أن يبحث له عن جواب هو : هل فعلا يمتنع عن ممارسة الجنس لأنه يخشى الله ، أم أنه "يخاف من النساء" ، وهو الذي يتميز بحيائه وخجله الشديد . لتشتعل المعركة مرة أخرى بين يوسف والشيطان .
ولكي يثبت لنفسه وللشيطان أنه فعلا يتجنب الوقوع في الزنا لخوفه من الله وليس لشيء آخر ، تبادرت إلى ذهنه فكرة جهنمية لا يعرف من أين جاءت ، وقرر أن يذهب عند العاهرات في ماخور بالمدينة ، لكن بدون أن تكون لديه النية في معاشرة إحداهن ، المهم هو أن يبرهن لنفسه وللشيطان أنه قادر على فعل أي شيء . وكذلك كان .
يحكي يوسف أنه دخل إلى هناك بقلب يضرب بعنف ، وبقي للحظات ثم غادر بعد أن ادعى للعاهرة أنه نسي النقود ، وكاد يحسم هذه المعركة الغريبة لصالحه ضد الشيطان .
مرت أيام شعر فيها يوسف بنشوة الانتصار على عدو المؤمنين ، اللي هو إبليس ، لكن هذا ألأخير عاد ليوقد شعلة المعركة من جديد ، هذه المرة وسوس ليوسف بأنه لم يقترف فاحشة الزنا عندما دخل إلى الماخور ليس لأنه يتحكم في نفسه ويمنعها من السقوط في الهوى ، بل لأنه ماشي "راجل" ، ولكي يبرهن يوسف لنفسه أنه "راجل" ، وقاد يدير أي حاجة ، ذهب مرة أخرى إلى وكر العاهرات ، ولكن الشيطان هو اللي دارها بيه هاد المرة ! لم يشعر يوسف متى وقع ما وقع ، لتبدأ معاناة من نوع خاص ، حيث الضمير يؤنب بلا توقف ، والقلب يعاني في صمت ، والعيون تدمع في حزن.
يوسف يعلم أن الله غفور رحيم ، لكن ضميره يؤنبه بقسوة شديدة ، يقول يا ليتني لم أفعل ما فعلت ، ولكن بعد أن فات الأوان ، ويقول بأنه يشعر الآن بالضياع ، رغم أن إيمانه بالله تعالى لم يتزعزع.
الآن صار يخجل من نفسه عندما يبسط السجادة على الأرض ويقف أمام الله ليصلي ، يقول بأنه أصبح الآن نجسا وقذرا كالخنزير ، وأن لسانه لا يستحق أن يلهج بذكر الله ، ويذهب به الأمر إلى القول بأن ما يشعر به من ندم قد يكون مشابها للندم الذي شعر به آدم عندما عصى الله وأكل من تلك الشجرة المحرمة رفقة حواء في الجنة ، لينزلهما الله إلى الأرض رفقة الشيطان .
ولكي يعطي صورة أكثر وضوحا عن معاناته يشبه نفسه بكأس زجاجي مكسور ، حتى لو تم تركيبه مرة أخرى فلن يعود كما كان قبل أن ينكسر . ونصيحته التي يريد أن يوصلها إلى كل الشباب هي ألا يسايروا الشيطان في أهوائه ، لأنه مهما كانت قوة إيمان المؤمن صلبة فالشيطان لا يعدم الحيل التي يمكنها أن يوقعه بها في شباكه في أي لحظة ، فهذه هي المهمة التي خلق من أجلها في نهاية المطاف . [email protected]