بداية، أشير إلى أني أستاذ للغة العربية و الثقافة المغربية ببلجيكا منذ 9 سنوات, مساهمتي هذه تأتي لتوضيح واقع هذه المهمة النبيلة التي يقوم بها مئات الأساتذة المغاربة في أوربا. قبل الخوض في الموضوع، أريد أن أعطي صورة عامة عن هذا التعليم في أوربا: بداية تعليم اللغة العربية و الثقافة المغربية في أوربا يتم بناء على اتفاقات بين المغرب و البلدان الأوربية المعنية. تعليم اللغة العربية و الثقافة المغربية موجه لجميع الراغبين فيه: مغاربة و غير مغاربة، لكن تبقى غالبية المستفيدين هم من أبناء الجالية المغربية المقيمة في أوربا. تعليم اللغة العربية و الثقافة المغربية يتم إما بعد انتهاء الحصص الرسمية في المدارس، مثلا في بلجيكا، بعد الثالثة و النصف مساء أيام الاثنين، الثلاثاء، الخميس و الجمعة، وبعد الثانية عشر و النصف يوم الأربعاء ويسمى هذا التعليم بالتعليم المؤجل. ثم هنا المثاقفة:L'INTERCULTUREL والذي يقدم خلال الحصص الرسمية في التعليم المدرسي حيث يقوم أستاذ الثقافة بتقديم ظاهرة ثقافية مغربية مع أستاذ آخر بلجيكي أو غير بلجيكي و تكون الحصص عبارة عن مشروع تربوي يمتد على امتداد سنة دراسية كاملة ويسمى هدا التعليم بالتعليم المندمج، حصص أخرى تعطى بمقرات الجمعيات خارج التوقيت المدرسي أيام الأربعاء بعد الزوال و طيلة يومي السبت و الأحد و أحيانا بعد الخامسة مساء أيام الاثنين إلى الجمعة. أكثر الأساتذة العاملين في بلجيكا اندمجوا داخل المجتمع البلجيكي، و قطع أولادهم أشواطا طويلة في المنظومة التعليمية، بل هناك من الأساتذة من اندمج أولاده في سوق الشغل بل و تزوجوا و أنجبوا أولادا، منهم من ما زالت لديه بطاقة البروتوكول، آخرون حصلوا على بطائق إقامة دائمة و آخرون حصلوا على الجنسية البلجيكة، بعض من زوجات الأساتذة يعملن في قطاعات مختلفة في بلجيكا. بعد هذه التوطئة، أشير إلى القرار الذي صدر مؤخرا عن الجهات المسؤولة في المغرب و القاضي بإنهاء مهام عدد من الأساتذة قصد عودتهم للعمل في المغرب، فالأكيد أن جميع الأساتذة غيورون على وطنهم، مستعدون للتضحية من أجله، وهذا يدخل في صميم مجهوداتهم هنا و التي من ضمنها تلقين أبناء الجالية المغربية المقيمة بأوربا خريطة المغرب غير مجزوءة و تصحيح فكرة أن حدود المغرب في الشمال هي إسبانيا لكون التعليم الأوربي يلقنهم ذلك (سبتة و مليلية)، و مشاركاتهم العديدة في الوقفات الاحتجاجية لتحرير الأسرى المحتجزين سابقا في مخيمات تندوف، و للدفاع عن مغربية الصحراء و لإفشال مناورات أعداء الوحدة الترابية و آخرها كانت المشاركة المتميزة في المسيرة التي جابت شوارع بروكسبل و التي فاق فيها عدد المشاركين 2000 شخص... هذا ليس منا و إنما واجب على كل مغربي غيور على وطنه. لا أحد يختلف في أن حب الوطن كل لا يتجزأ، فحبي لوطني لا ينفصل عن حبي لأسرتي و مصلحة الوطن فو ق كل اعتبار و كذلك مستقبل فلذات أكبادي فوق كل اعتبار، فالوطن لن يضحي بالمئات من فلذات أكباده من أجل حفنة من الدراهم. أدعو العقلاء من أصحاب القرارات إلى مراجعة قراراتهم المتخذة في حق عدد من الأساتذة في بلجيكا، فرنسا و إسبانيا، ليس حفاظا على وضعيتهم الادارية و المالية، ولكن حفاظا على مستقبل أولادهم، يجب التفكير في الوسائل الكمينة بضمان مصالح المنهاة مهامهم، وتجديد الهيئة التربوية بأوربا. ما سيلي مجرد مقترحات لا تعبر سوى عن رأيي الشخصي: 1. ربط الاتصال بالأساتذة المنهاة مهامهم قصد استقصاء مطالبهم الشخصية، لأن الحالات تختلف، فهناك الأستاذ الذي وفد إلى أوربا دون أسرته، وهناك الأستاذ الذي لا تفصله عن التقاعد سوى سنوات قليلة، أي تسوية تقاعده النسبي، وهناك من قد يرغب في المغادرة الطوعية: قرار استثنائي... 2. تمكين الأبناء من متابعة تعليمهم في البعثات الأوربية مجانا. 3. مجازاة الأساتذة الراغبين في العودة بمهام محترمة كالتكليف بالتفتيش أو الادارة التربوية أو التدريس في أوساط حضرية تراعي سنهم: معظم الأساتذة تجاوزوا 45 سنة من العمر. إن هذه المقترحات قد تحل المشكل جزئيا و مؤقتا، لذا أدعو الجهات المختصة إلى تنظيم مناظرة أو ندوة وطنية لتنظيم هذا المجال حتى لا تتكرر هذه المآسي الاجتماعية، فالمغرب في غنى عن التشويش، خاصة في الظرفية الدولية الحالية. مجرد آراء. * أستاذ اللغة العربية و الثقافة المغربية في بلجيكا