جاءت جيسي لتشارك في موازين ، فأطربت ليلية السبت كما كان منتظرا الآلاف من الشباب الذين حضروا أمام منصة السويسي لمشاهدتها عن قرب والتمتع بأغانيها .ودون شك ألهبت جيسي المنصة بصوتها وهي " بالكيلوط" وبرأس أصلع . جيسي أبانت عن حرفية عالية مزجت فيها بين الطرب والمرح . جيسي إذن كانت نجمة سهرة السبت عند البعض ،لكنها كانت فتنة بالنسب للبعض الآخر. ومما لا شك فيه أن جيسي أدت دورها كاملا في الغناء والاستعراض بالكيلوط، وحتما أنها توصلت بالمبلغ الذي تعاقدت به مع إدارة موازين ، ويقينا أنها خلفت وراءها جدلا جديدا يضاف إلى الجدل الذي كان قائما بين مكونات الحكومة ، كما خلقت تساؤلات حول إسلامية الدولة بعد ظهورها في مكان عمومي بالكيلوط وبرأسها الأصلع كالغلام. لقد تحدث البعض بنبرة تهكمية عن معاناة المسلمين لما كانت جيسي تصول وتجول فوق المنصة ،وعن كبث بعض المغاربة وهم يتتبعون بأعين فاحصة مؤخرة جيسي ، وعن مأزق المسلم ، وعن إبطال وضوئه بالتمتع مع استنكاره للفاحشة ، وكأننا أصبحنا منقسمين إلى مسلمين يغارون على دينهم ويستنكرون، ومسلمين يستنكرون لكنهم يقبلون بالواقع، وملحدين منغمسين في الملذات اختاروا طواعية الصراع مع المسلمين ، وتتبع عوراتهم ، والعمل على استفزازهم ب جيسي وأمثال جيسي . والمثير فعلا ليس هو صعود جيسي بالكيلوط فوق المنصة ، لأن الناس قبلوا بمشاهدة جيسي بالكيلوط ، ولأن مثيلاتها على الشواطئ والمسابح، ولكن المثير هو التضخيم الذي يحاول البعض الاستفادة منه ليظهر المغاربة على أنهم مكبوتين أو أنهم ينبذون الرذيلة ويقدمون عليها . فالمغاربة إذن – ليسوا أغبياء- وكما يحاول البعض تصويرهم ولكنهم أذكياء يميزون بين ما هو عادي وبين ما هو ليس عاديا . فظهور جيسي بالكيلوط هو أمر عادي لأن جيسي ليست مسلمة ،والذي ليس عاديا هو ظهورها بكيلوطها في مكان عمومي . فهي لم تكن على الشاطئ أوالمسبح . لكن المهم من هذا كله ، أن الناس كانت تتمتع بصوت جيسي وليس بمؤخرتها. والسؤال هل أخطأت جيسي ؟ إن جيسكا ألين كورنيش (جيسي) 25 سنة فقط، وكما سبق الذكر لم تخطئ لأن لباسها من صميم ثقافتها الغربية ، وهي اختارت طريقة الظهور شبه عارية على المنصة كي تتميز بذلك عن غيرها من الفنانين ,وكي تضيف إلى جانب المؤثرات الصوتية والضوئية مؤثر التعري . وهي يقينا لا تؤمن بأن ذلك حرام وإنما حق يعطيها مساحة كي تنعم بحريتها ولو فوق المنصة. كما أن المشرفين على موازين لم يخطئوا لأنهم يحترمون شعار مهرجان موازين " مغرب الثقافات" الذي قبلت به السلطات المركزية. فظهور جيسي شبه عارية هو سلوك طبيعي في مغرب ثقافاته متعددة شئنا أم أبينا ،فالواقع أصبح يفرض نفسه بقوة. والمعلوم أن هؤلاء الشباب الذين تابعوا رقصات جيسي على المنصة هم أبناؤنا ، وهم ليسوا غرباء على هذا الوطن ، قد أتوا من إقليم آخر . هم مغاربة مسلمون يفهمون الإسلام اتباعا للتربية التي تلقونها من داخل أسرهم ومن داخل المؤسسات التعليمية التي تشرف عليها الدولة .إنهم لم يكونوا في الخارج حتى نقول بأن الغرب " غسل أدمغتهم" وملأها بما يريد . فمنذ الاستقلال وأطفال المغرب يتلقون تربية " عشوائية " لا هي شرقية ولا هي غربية . تراهم مذبذبين يصلون تارة وتراهم يتمتعون بلبوب تارة أخرى. وهو الأمر الذي يجعل المغرب يسير على الطريق الوسط عوض طريق اليمين المتطرف أو طريق اليسارالمتطرف. وهو كذلك ما يفسر الائتلاف الحكومي . إذ لم يسبق في أي وقت من الأوقات أن فاز حزب واحد على الأغلبية المطلقة وحده . والسبب هو أن المغرب متنوع في تركيبته الاجتماعية والأيديولوجية . ليس هناك إسلاميون مسيطرون ولا يساريون مسيطرون . فالإسلاميون الذين يعتقدون بأن المغرب مقتنع بمبادئهم خاطئون . لأن هناك من يرفض تلك المبادئ ، ليس من داخل الأحزاب اليسارية فحسب وإنما من طرف مغاربة عانقوا الحرية وشربوا من ثقافات غربية ، ولن يستطيع أي أحد إقناعهم بالرجوع إلى زمن الخلفاء الراشدين على الأقل في هذه المرحلة التاريخية. أما اليساريون الذين يعملون ليل نهار من أجل تقويض المد الإسلامي بين الشباب فهم كذلك لن ينجحوا أبدا وإن استعملوا كل إمكاناتهم السياسية والثقافية والفنية . فهم لن يفلحوا وإن طالبوا بالحريات واعتمدوا على المهرجانات، وقربوا المواخر والحانات والساحرات مثل جيسي من الشباب، لأنهم كذلك سيواجهون مقاومة من طرف شباب مؤمن بأصوله وبامتداداته الإسلامية. إذن، الإسلاميون لن يسيطروا بالكامل على الحياة الاجتماعية لأن التربية تغيرت ، والفكر تغير، والمصالح تغيرت، ومتطلبات العيش تغيرت ، و العلاقات والقوانين تغيرت وأصبحت كونية . كما أن اليسار الذي يدعي بأن لديه الوصفة السحرية التي ستمكن المغاربة من العيش الكريم وستمكن المغرب من الالتحاق بالأمم المتقدمة ،على أساس إبعاد الدين عن الساحة السياسية حالمون، لأنهم لا يفهمون كيف يفكر المغربي . وادعاؤهم بأن العولمة هي الحل ادعاء مشكوك فيه لأن المغاربة متشبثون بأصالتهم .ويبدو أن الحل في طريق ثالث مدعوم بمبادئ إسلامية وأخرى تقدمية في نفس الوقت ، بحيث تتم صناعة الإنسان المغربي (بالتربية طبعا) المؤمن بالله قولا وفعلا والمتشبع بالثقافات الكونية. وعلى السياسيين أن يكفوا من استغلال الأخلاق والدين والديمقراطية لصالحهم والتفكير في مشاريع حقيقية لتنمية البلاد وإشاعة العدل بين المواطنين. وللأسف شاعت ادعاءات مفادها أن موازين تقض مضاجع بعد الإسلاميين . والسؤال، كيف؟ ولماذ؟ مادام " الجمهور هو الذي يرغب في الاستماع والنظر إلى جيسي وهي شبه عارية ، فهو الذي لم يحترم نفسه ولا دينه . إذ لوكان الجمهور مقتنعا- انطلاقا من تربيته ومن إيمانه- بأن " جيسي" لم تحترمه كمسلم في بلد إسلامي ، لغادر وترك ميسي وحدها ترقص على المنصة ، ولأبلغها بذلك رسالة قوية مفادها " يجب احترام قواعد البلد المضيف " . ولكن ما حدث هو عكس ذلك بحيث استقبل الشباب " جيسي عارية بالصياح والورود. لكن من جهة أخرى، فهي رسالة قوية للإسلاميين تندرهم بأن عملهم ولو من داخل السلطة لن يكون سهلا . فالشباب الذي يؤثث المؤتمرات الحزبية والشبابية ليس هو شباب لبوب الذي أصبحت له قناعات وعادات وتقاليد جديدة تتحكم في اتجاهاته و تجعله أقرب للغرب من الشرق. وإذا علق آخرون بنشوة المنتصر على ردود أفعال بعض المغاربة الذين أحسوا بالامتعاض لما كانت جيسي تُراقِص جمهورها على المنصة . فمن وراء تلك التعليقات يمكن ملامسة الصراع الدائر بين جناح اليساريين وجناح الإسلاميين . إذ كل منهما يحاول حقن جسد الشعب بما يريد. فاليساريون يظنون بأن موازين وغيره من الفعاليات تدفع بالمغاربة للابتعاد عن الإسلاميين. والإسلاميون يعتقدون بأن اليساريين يضيقون على الإسلام لاستعادة نفوذهم . وفي هذا خطر على المغرب على المدى المتوسط والطويل . ولذلك من الحكمة أن تركز الأحزاب على البرامج وعلى كيفية صرف المال العام (رأسمال المغاربة) وفيما يتم استثماره وكيفية تسيير وتدبير الشأن العام عوض قضاء ما يربو عن ستة وخمسين سنة في الكلام على سياسة الديمقراطية التي تهم النخب فقط. ونحن لا ندري بالضبط أنخبنا عاجزة أن هي تتظاهر بالعجز كي تحافظ على مصالحها داخل السلطة. فهي عالمة بإمكانات المغرب الاقتصادية وعالمة كيف تصرف الميزانيات ورغم ذلك لا تعارض ولا تزكي أفعال الحكومة رغم أنها تضم في صفوفها اقتصاديين . فهل هؤلاء الاقتصاديون لا يستطيعون إعطاء المغاربة توضيحات عن حالة اقتصاد المغرب ، و وتوضيحات عن سبب الأزمة الاقتصادية رغم أنهم كانوا بالأمس مسئولين في حكومات سابقة؟ فالمواطن يشعر بأن هناك تناقضات بين ما تدعيه الحكومة وما تطالب به الأحزاب في المعارضة ، ويريد بأن يطلع كل طرف بدوره وأن يوضح للناخب صدق نواياه في حفظ مصالح المغرب وحفظ حقوق الناس. أما عن جيسي الفريدة المتفردة بلباسها على منصة السويسي ، فقد خلَّفت وراءها أمرين سلبيين وأمرين إجابيين:أما الأمران السلبيان فهما مساهمتها في زيادة الضغط على الخزينة بصرف الدولار، وفتح سجال بين المغاربة يعلم الله متى وكيف سينتهي حول مسألة التعري في مكان عمومي .أما الأمران الآخران فهما خلو المغرب من الإرهابيين والمتشددين جدا وهذا أمر إيجابي، وكذلك التسليم بأن المغرب بلد منفتح وشبابه متتبع لما يجري حوله . لكنه مؤشر على أن مغرب المستقبل الذي لن يكون هو مغرب اليوم في حالة استمرار ترك الأمور تجري بلا محددات ولا مبادئ . فجيسي فنانة لا ينكر أحد ذلك ولكنها مصنوعة لأمة غير أمة المسلمين " وخصها بويا عمر" كما علقت جدتي.إذ في انجلترا يمكنها تقديم فنها بطريقتها ولكن في بلد مسلم كالمغرب كان عليها – بتوصية من إدارة المهرجان- احترام شرائح المسلمين وشعورهم. صحيح أن المؤمنين لم يطلعوا على عورتها ،لأن الطيور على أشكالها تقع، ولكنهم مهتمون بشباب المغرب الذي يَدْفع به البعض دفعا نحو الإلحاد والتفسخ لأغراض سياسوية واقتصادية.