في الثامن من مارس من كل عام ميلادي يحتفي العالم بعيد المرأة الأممي في كل بقاع العالم، وهي مناسبة تقف فيها الدول والحكومات والمجتمعات مع واقع جنس الأنثى وما تحقق لها فيه من مكتسبات اقتصادية واجتماعية وسياسية... وترصد في ذات الوقت بعض الإخفاقات التي صاحبت هذه الإنجازات، وتضع خططا واستراتيجيات لتجاوز الإكراهات ومواجهة التحديات التي تحول دون بلوغ الأهداف المنشودة أو المسطرة...إلا أن النظرة الموضوعية تقتضي ضرورة الوقوف عند هذا الاحتفاء الأممي بالمرأة، سواء من حيث مضامينه أو رموزه ودلالاته، هل فعلا يرفع من قيمة "المرأة" ويحقق كرامتها الإنسانية؟ وهل يستهدف جنس "المرأة" كيفما كانت وأنّى كانت؟ أليس في تخصيص المرأة بيوم عالمي سنوي انتقاصا منها وتمييزا ضدها وتكريسا لدونيتها من حيث يدري المنتظم الدولي بذلك أو لا يدري؟ إن الملاحظ بخصوص هذه الاحتفالات في كل بقاع العالم أنها أصبحت تتسم بعدة مظاهرة تهين جنس المرأة من حيث أرادت أن تكرمها أو ترفع من شأنها، ويظهر ذلك فيما يلي: لقد تم تحويل المناسبة إلى مجرد فولكلور سنوي وبيزنيس اقتصادي يستفيد منه أصحاب محلات بيع الورود بالدرجة الأولى، حيث يرتفع سعر الورد في هذه المناسبة ارتفاعا ملحوظا يصل أحيانا إلى أزيد من ثلاث مرات من سعره المعهود في بقية الأيام، وذلك نظرا لاقتناء كميات كبيرة من هذه المادة بهذه المناسبة من طرف إدارات الدولة والشركات الخاصة والمحلات التجارية الكبرى وبعض الأشخاص الذاتيين... قصد تقديمها للمنتسبات لهذه المؤسسات بمناسبة يومهن العالمي.. كرمز تكريمي لهن !! وكأن التكريم لا يمكن أن يتم إلا من خلال ورود سرعان ما تذبل ويذبل معها الإحساس الحقيقي بالمرأة وتضحياتها الجسام في كل مجالات الحياة، ولذا ومن باب الاستهزاء بهذه العادة التكريمية خرج من رحم النكت المغربية هذا العام نكتة تقول: "بمناسبة 8 مارس، قالوا ليكم النساء راه عياو من الورد، بغاو بقع أرضية يزرعو فيها الورد !!". أصبحت هذه المناسبة ذكرى سنوية يتيمة لتأثيث فضاءات الإعلام والمؤسسات العامة والخاصة بوجوه نسائية، حيث تلتئم النساء في مقرات الهيئات السياسية والجمعيات المدنية والنقابات العمالية، وتعقد تجمعات خطابية وندوات فكرية واحتفالات فنية.. تتحدث فيها المرأة وحدها، وتُذكر فيها المرأة وحدها، وتُخاطَب فيها المرأة وحدها، وتتم الإشادة فيها بالمرأة وحدها... وكأن المرأة لم يكن لها وجود ولا حضور وليس لها لسان إلا هذا اليوم!! التركيز في هذه المناسبة على نساء الواجهة السياسية والبرلمان ونساء الصالونات الثقافية وإبراز "إنجازاتهن" في نضالاتهن الناعمة والوتيرة! وفي المقابل يتم التغاضي -بقصد أو دون قصد- عن نساء الهامش في البوادي والجبال وفي قلب المدن و عن ربات البيوت والعاملات الزراعيات والمستخدمات في الشركات وعاملات النظافة وبائعات القزبور والنعناع وطيّابات الحمام وغيرهن من النساء المكافحات اللائي يعشن وضعية هشاشة اقتصادية واجتماعية وإنسانية بئيسة لا تليق بكرامة "الجنس الخشن" فما بالك ب"الجنس اللطيف"، ومع ذلك يناضلن من أجل لقمة العيش القاسحة، ويساهمن بسخاء من أجل بناء الإنسان وتنمية الوطن وفي صمت بعيدا عن أضواء بلاتوهات القنوات التلفزية والإذاعية، ولكن تحت "أضواء" أخرى قاسية عبارة عن لهيب شمس حارقة أو ألسنة قادحة أو ابتزازات فاضحة !! استدامة خطاب مظلومية النساء وإشاعة ثقافة الصراع بين جنس الذكور والإناث؛ ذلك أنه –وعلى الرغم-من ولوج المرأة لكل المجالات الحياتية التي تتناسب ووضعيتهن الأنثوية وحتى تلك التي لا تتناسب لما تتطلب من مجهود بدني استثنائي كأعمال النظافة في الشارع العام أو أوراش البناء أو ميكانيكا السيارات أو سياقة الشاحنات الضخمة... فعلى الرغم من هذا كله ما زلنا نسمع في كل مناسبة من مناسبات 8 مارس أن المرأة "مهمشة" و"مظلومة" و"تعاني من التضييق" و"تعاني من عدم التمكين في كثير من الميادين"... وهلمّ جرا من الشعارات التي تظهر المرأة دائما على أنها كائن مغبون في حقوقه ومغّيب في المجتمع، مع أن الإحصائيات الرسمية لبلادنا تكذب هذه المظلومية المزعومة، وتؤكد أن المرأة المغربية تتواجد بكل المرافق العمومية وبنسب مهمة حيث تمثل 59 في المائة في قطاع التربية الوطنية، كما تشكل النساء 45,6 في المائة من الأطباء و41 في المائة من الصيادلة و 31,6 في المائة من مستخدمي الصحة، أما في قطاع العدل فتصل إلى 49,1 في المائة في الأطر الإدارية، وتمثل 34 في المائة في سلك القضاء و20 في المائة في سلك المحاماة، كما تمثل المرأة المغربية من مجموع الأطر العليا، نسبة 70 في المائة !! إن هذه الاختلالات المصاحبة لهذه المناسبة العالمية، تظهر أن الإنسان المعاصر (الذكر والأنثى) يكرس بهذا السلوك المناسباتي نمطا استهلاكيا لجنس المرأة: إنه "المرأة الصورة" أو "المرأة الجسد"، ويهمل بشكل من الأشكال: "المرأة الفكر" و"المرأة الإبداع"، و"المرأة السمو والحنان" و"المرأة الأمومة"، وبعبارة واحدة "المرأة الإنسان" بكل كينونتها الظاهرة والعميقة.. التي تستحق التكريم كل يوم وليس "التأثيث" و"التأنيث" في مجرد يوم !!