موقف المغرب الصارم اتجاه ألمانيا، بقطع كل أشكال الاتصال مع السفارة والمؤسسات الألمانية، لا يمكن أن تتخذه إلا البلدان المحترمة التي تؤمن بقضاياها الوطنية، وهو موقف يحسب للدبلوماسية المغربية. وبغض النظر عن تحديد الأسباب الكامنة وراء الخطوة التي قامت بها خارجية مملكة محمد السادس، إلا أن وحدها الصيغة والطريقة، تجعلان من التعبير عن الغضب المغربي، إجراءً وعملا دبلوماسيا لا يمكن أن يقوم به سوى البلد الذي لا يخشى المواجهة الند للند، حتى ولو تعلق الأمر ببلد قوي من طينة ألمانيا، وعد قبل أيام فقط، بأنه سيضخ أزيد من مليار أَورو في شرايين الاقتصاد المغربي لمواجهة تداعيات كورونا! هذا الإجراء الدبلوماسي الغاضب من الرباط، يعيد إلى الأذهان خطابا قويا صدر عن الجالس على العرش، قبل سنوات، عندما اتهم بعض القوى العظمى، وكان المقصود في الغالب فرنسا وأمريكا، بما يشبه أسلوب التعالي، الذي تتعامل به هذه القوى مع المملكة المغربية. وهو ما رد عليه الملك فعليا وعمليا، بأن أمّ وجهه جهة الشرق، وقام بزيارات تاريخية إلى كل من الصين وروسيا، أثمرت اتفاقيات استراتيجية، لاسيما في المجال الاقتصادي، الذي لا يخفى على أحد أنه القاطرة التي تجر مقطورات باقي القطاعات.. كما لا يخفى على أحد ماذا يعني أن يكون المغرب حليفا لهذه القوة الدولية أو تلك وقد صار المغرب معادلة إفريقية يصعب تجاوزها أو تجاهلها، ويكفي أن يكون أول أسباب ذلك أنه المستثمر الإفريقي الأول في إفريقيا، وما يعني ذلك عند الدول الإفريقية! ولعل أهمية ما بات يحتله المغرب من مكانة إقليمية، وإعلانه القدرة على البحث عن حلفاء جدد غير الكلاسيكيين المعروفين، هو ما جعل هؤلاء الأخيرين يفهمون إشارات الرباط بسرعة ويلتقطونها، كما فعلت فرنسا التي نوهت بصراحة في أكثر من مناسبة بالشراكة التاريخية والاستراتيجية مع الرباط، التي لا يمكن بأي حال من الأحوال المس بمكانتها.. وكذلك فعلت واشنطن، ولعل اعترافها التاريخي بمغربية الصحراء، يدخل في هذا الإطار، خاصة عندما وعد الساسة الأمريكيون بأنهم سيجعلون من الأقاليم الجنوبية الصحراوية للمملكة نقطة انطلاق المشاريع التنموية لدول إفريقيا.. باختصار شديد، هذه القوى، سواء منهم الغربيون أو الشرقيون، لا يحترمون الدول والأنظمة التي لا تحترم نفسها ومواطنيها، وتقف عند أعتابهم لدعم شرعية مفقودة محليا، ولكنهم يحترمون الأنظمة التي تحترم بلادها وشعبها.. وانظروا كيف سارعت ألمانيا إلى محاولة تطويق غضب الرباط، بأن أكدت أنها لا تريد لعلاقتها "الطيبة" مع المغرب أن تمسها شائبة! بيد أن بيت القصيد في الحكاية كلها، هو البيت الداخلي، حيث لا يمكن أن تقوى الدول إلا بتقوية الجبهة الوطنية، وهذا لن يتأتى إلا بالدفع بمسار الديمقراطية، وتجاوز حالة الانحسار والتردد، واحترام حقوق الإنسان، دون تجزيء أو مساس..