حينما تعبر عن وطنيتك بمناسبة وغير مناسبة وهي شعور فطري زرعه الله عز وجل في قلب ووجدان كل إنسان ، فانك لست بالضرورة في معسكر المستغلين أو ناهبي أموال الأمة أو الظالمين والفاسدين ، بل يمكن أن تأتيك وتصدقك شواهد الامتحان لتوضح بالملموس أن الوطنيين الحقيقيين هم البسطاء والكادحون وشرائح الطبقات الوسطى، فيما الناهبون والمستفيدون من الأوضاع هم من يتآمرون على الوطن ويضحون به من أجل مصالحهم الخاصة والضيقة لا غير ...يستغرب الكثيرون من أن مناضلين شرفاء أدوا ما أدوا من ثمن غال في سبيل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ومع ذلك تجدهم أحرص الناس على الوحدة الترابية للمملكة رغم ما فعله الحاكمون بهم... حل الإشكال ليس صعبا بالطبع فحين يتربص بك العدو الخارجي ويتآمر عليك الجارقبل الدار لأنه يلهط هو الأخر على مصالحه ومواقعه الجيوسياسية والهيمنية وحساباته الضيقة ويصدر لك أزمته المركبة لا يبق لك أي اختيار آخر، ونذكر هنا أن المقبورالهواري بومدين لا رحمه الله تآمر بخساسة لا نظير لها ضد المعارضة المغربية والآن يناورنظام الجنرالات ويتآمر من أجل تقويض أمنك واستقرار بلدك أو يسعى بكل الطرق حتى المنحطة منها إلى تمزيق وطنك ، فلا تملك إلا أن تجزم " أنا وأخي وابن عمي على عدوي " وحتى " عدو عدوي صديقي " ولنا في رموز وطنية وتاريخية وحزبية أفضل النماذج التي بلورت هذه التركيبة المغربية المتميزة بين ما هو وطني فوق كل اعتباروما هو نضالي ذي طابع سياسي اجتماعي يروم الدفاع عن المظلومين والمهمشين والكادحين في إطار دولة الحق والقانون ومن ثمة تحقيق مكاسب لصالح الشعب البسيط ،الوضع في بلادنا يحكمه نموذج التراكم التدريجي للمكتسبات وليس شيئا آخر بدليل أن بلدان الربيع العربي لم تفرز لحد الآن بديلا مقنعا يكافئ الناس على تضحياتها ضد القمع والتسلط والفساد بل إن من هذه البلاد من عاد عقودا إلى الوراء في جميع المجالات ، علاش أسيدي ؟؟؟ بأي حق ؟؟ لماذا تدفع الشعوب الثمن مقابل لاشيء ؟؟ لم تكن الوطنية في يوم من الأيام تعصبا ولا شوفينية ضيقة وفي الحالة المغربية تتولد هذه من تلك ...صلب كل المسألة إقرار الحقوق والحريات وتوفير أسباب العيش الكريم وتكافؤ الفرص ومن ثمة إقرار دولة الحق والقانون ....وفي الأساس ضرورة التدبير الديمقراطي لمسألة الوحدة الترابية حتى في قلب اللحظة العصيبة لا يمكن باسم معركة ما مصادرة الحقوق والحريات ، لقد سبق للزعيم البريطاني تشرشل أن أحيط علما في خضم القصف الألماني للندن بمدى الخراب الذي لحق عاصمة الضباب عقب الهجوم الهتلري المدمر فلم يملك سوى أن سأل من أتاه بالحصيلة : قل لي هل القضاء بخير ؟ فكان الجواب بالإيجاب " الآن تيقنت من النصر " القضاء بخير ؟ إذن ليست هناك هزيمة ، بخير هذه لا تعني سوى أن القضاء مستقل وأن المواطنين جميعا متساوون أمام القانون وأن كل صاحب حق يأخذ حقه بسلام وهدوء .... لا يمكن العودة إلى الوراء ، نتحدى الأعداء بالديمقراطية بجبهتنا الداخلية المتماسكة بتكريم مواطنينا لا بالريع والإفساد والارتشاء وشراء الذمم لأن الوطنية لا تباع ولا تشترى من رضي بمغربه أهلا وسهلا ومن ارتضى غيره فأرض الله واسعة ، هي فرصة أخرى لإعادة الأمور إلى نصابها وترتيب الأولويات .... الدفاع المستميت عن الوطن في سبيل مغرب أفضل هي المعادلة القوية والسليمة عبر الديمقراطية والديمقراطية وحدها ، وما دام المستغلون والمستفيدون من الأوضاع يعيثون فيه فسادا واستبدادا فلايمكن الحديث عن أي تحصين للوحدة الترابية نحن مع دولة قوية بمؤسساتها السياسية والأمنية التي تتصدى بكل بسالة للمرتزقة وأذنابهم في وطنية ونكران ذات عز نظيرهما في هذه اللحظة التاريخية ، لكننا أيضا مع دولة قوية بديمقراطيتها وعدالتها تشعر الإنسان بالانتماء وقيمته والإحساس بالهم الجماعي ثم رمزية التلاقي على مجال واحد غني بتعدد مكونات هويته العربية الإسلامية الأمازيغية الحسانية وروافدها الإفريقية اليهودية والاورومتوسطية ، هذا هو المغرب الذي خلفه لنا الآباء والأجداد والأسلاف الأخياروالزعماء الأبرار...أمانة في عنقنا علينا أن نصونها من كل العابثين بمغرب ديمقراطي قوي ترعاه عين المولى ولن ينال منه الأعداء إلا ما نالت دابة الشاطر حسن من فوائد العلطبيس .... الديبلوماسية المغربية استفاقت أخيرا على وقع الصدمة ومن الذي أوصل الملف إلى مجلس الأمن أصلا ؟ نعرف أن الوطن في محنة ولا داعي للوم والتقريع لأن اللحظة صراعية بامتياز ضد عدو شرس لا يرعى قيما ولا جيرة ولا أخوة ولا إحسانا بالمعروف وبحسبان أن الوطن محتاج أكثر من أي وقت مضى إلى وحدة الصف وجمع الكلمة والاعتصام بحبل الله المتين والثوابت الوطنية الراسخة التي لا تأتي من عولمة عابرة للقارات ولا من شاشة مريحة تنتقل فيها من وطن افتراضي إلى اخرأو من وهم إلى شبيهه انه وطن الإحساس والواقع والانتماء الفعلي والعمل الدائب والأمل والألم جميعا وطن نلمسه ونشمه يوميا ونتذوقه كل لحظة ،عند الحلاق ، لدى الخضار البسيط ،عند بائع الدجاج ، ببهو مطعم شعبي نكتفي فيه بالبيصارة ، في الحديقة في العمارة بين الجيران في الملعب البلدي أو المركب الرياضي في محطات القطار والحافلات في شواطئ المغرب وعلى قممه الشماء وفي سهوله وهضابه ورباه وأهازيجه وعيوطه وطقطوقته وأحيدوسه ورايه وملحونه وأندلسيه ومديحه وسماعه مغاربة أحرارببساطة لا فرق بين ريفي أو أطلسي أو سوسي أو حاحي أو برنوسي أو صحراوي أو تسولي ....هذا هو الوطن الذي أعرفه وتربيت عليه ... الوطنية إحساس جماعي وفردي نبيل لكن من الصعب على المظلوم في وطنه أن يحس بعمق الانتماء إليه ، انه يخاطب نفسه عبر تجاذب مرير " وأنا مالي ؟؟ لهلا يخلي فاس على هراوة ... لهلا يقلب " انه أخطر ما يمكن أن يقع فيه أي مواطن في أخطر قضية مصيرية قد تغرق السفينة وما فوقها وحولها لا قدر الله طبعا... مع اختلاف ردود الفعل بين هذا وذاك والتي قد تكون ناتجة عن عقدة نفسية أو إخفاق ما أو ظلم فعلي أو حتى جهل بكثير من ثوابت ومتغيرات الوضع القائم لذا فان دولة الحق والقانون لابد أن تتأسس على كلمة واحدة خفيفة في النطق ثقيلة في الميزان : العدل.... تمكين الشعب من تكافؤ الفرص في التنمية والعيش الكريم، أما أصحابنا غفر الله لهم ممن ينمقون ويزوقون ويخلطون بين الجد والهزل (وبعضهم يتقنعون وهم خونة صرحاء ) في قضية مصيرية فنذكرهم بأن أمريكا دفعت 600000 قتيل في حرب أهلية ضروس سموها وجرت في التاريخ باسم " حرب الانفصال " ولسنا في حاجة إلى التذكير بحق الشعوب في استكمال وحدتها الترابية. لقد حققت ايطاليا وحدتها المجالية على يد غاريبالدي قبل أن تفكر في الديمقراطية وتوزيع الثروة، ويمكنك أن تجادل الفرنسي في كل شيء ولكن حين تذكر له شيئا يسمى شعب الكورس ( يعني كورسيكا ) يصعد الدم إلى وجهه ويتركك فورا هذا إذا لم تتلق منه صفعة أو لكمة مباشرة لو زغبك الله وحاورت أحد أتباع المتطرف لوبين ونفس الشيء يمكن أن يقع لك مع اسباني تثير له شيئا يسمى الباسك أو كتالانيا أما اذا أثرت موضوع القوقاز أمام روسي كيفما كان أو التبت أمام صيني فانتظر الصراخ وإفلات الزمام في أحسن الأحوال وأنا لا أبرر استبدادا أو فسادا ما ، بل يشهد الله أني عانيت من الظلم البشع في وطني حيث كاد القوم أن يجوعوا أبنائي ظلما وعدوانا لمجرد أني كتبت عن ظلم آخر ، أنت تصارع النظام حول الوطن وهو خطاب لبعض الجاحدين بين ظهرانينا.... طيب جميل ولكن ثق أنك لن تجد هذا الوطن الذي ادعيت أنك صارعت من اجله … بعد هذا الصراع المفترض أنه لصالحك ...أقول كل هذه الأشياء وأنا كغيري من المغاربة لا أعرف ما ستؤول إليه الأحداث الحالية المفتوحة على أكثر من احتمال نأمل أن يحمل كل الخير لبلدنا العزيز . أعترف للقراء الكرام أني لا أفهم كثيرا في ألاعيب ومقالب وقوالب السياسة فقد سبقني الشاعر العراقي معروف الرصافي حين قال: إن السياسة سرها....... لو تعلمون مطلسم دليل التباس الفهم لدي أني دخلتها وخرجت صفر اليدين ولله الحمد حين جعلها الكثيرون مطية ناعمة وسهلة للريع والموقع المريح والمنصب السهل وما يتبعه من نضال مؤدى عنه ، وتسلق على ظهور الآخرين ....بيت القصيد أن هناك مصيرا مشتركا يلم الجميع في سفينة واحدة والمفترض أن حدا أدنى من القيم يجب أن يؤطر السياسة والسياسيين حتى يتصالح معها المواطنون المغاربة كل المواطنين المغاربة إلا من وضع نفسه خارجهم وهو موجود بيننا في كل الأحوال وكفى من العمل المسرحي الذي جمع ويجمع كل التقليعات والمدارس من حلقة واحتفالية ومسرح شعبي وعبث ومسرح جيب ولا معقول ....حد أدنى يعيد لها - أي السياسة - الاعتبار بعد أن أفسدها المفسدون ويجهل أو يتجاهل الكثيرون أن وحدة الوطن من كرامة المواطن المعتز به ومن مشاركته في تدبير شأنه ..... شيئا من المعقول ياقوم يرحمكم الله ...فالبلاد في محنة .... *كاتب / فاعل جمعوي