السياسة والمصالح هي الجزء الظاهر من جيل الثلج،أما النبش في الخفايا فيقتضي الاستبصار في التاريخ، والقيام بعملية استقراء شاملة تربط الخيوط بين الأحداث المتفرقة للخروج بأحكام كلية تكون أقرب إلى الحقيقة وأبعد عن التخمين والرجم بالغيب،فبعد أن قدمت "جبهة النصرة" هدية استراتيجية لخصوم الثورة السورية بإعلانها البيعة لتنظيم "القاعدة"،ورفعت عنهم الحرج الأخلاقي المُستشعر أمام فظاعة المجازر والجرائم التي يرتكبها نظام قطع مع كل معاني النبل والإنسانية،هاهي "إسرائيل" تقدم هدية أخرى :قصف مواقع في سوريا ليبدو المشهد هكذا: ثوار مسنودون بتدخل إسرائيلي على الأرض،عملية خلط أوراق خطيرة،وعلى درجة كبيرة من المكر،تأتي في سياق التغطية على مذبحة "بانياس" وصرف أنظار الضمير العالمي عنها،وإشغال الرأي العام بتحليل الغارة الإسرائيلية. والحقيقة الماثلة للعيان هو تضافر الأدلة على أن الغرب وجل دول العشائر في الخليج ليست جادة في نصرة الثورة السورية تبعا للموقف الأمريكي الذي يريحه الموقف الروسي والإيراني،والمطلوب ليس هو التدخل الأمريكي ولا العربي وإنما المطلوب هو ترك الثوار يصنعون مصيرهم بأيديهم ومنحهم فرصة التكافؤ مع عُدَّة النظام السوري،وإن نظاما نَجْديا يُحَنِّط الإسلام ويستعبد الناس ويحتكر الثروة ويبيع البلد للأمريكان لا يمكن أن يأتي على يديه خير للسوريين، وإن تعقد الحل في سوريا يوازي استحكام العقدة المذهبية في ذلك البلد،وهي عقدة قُرونية ليس من السهل حلها ،ويتعين حلها للعودة إلى الإسلام المحمدي الأصيل الذي هو فوق المذاهب والطوائف،فلست أرضى بتاتا لإيران أن تحكمها أقلية سنية ضدا على رغبة الأغلبية الشيعية،وليس من المعقول أيضا أن تحكم أقلية علوية في سوريا أكثرية "سنية"،والذين يغمضون أعينهم عن هذا التوصيف بدعوى النأي عن اللغة الطائفية فإنما يديرون ظهورهم للواقع الذي لا يرتفع،ولحقائق التاريخ والجغرافيا،نعم حبذا لو دبر الجميع اختلافاتهم بالاعتراف بها أولا،وتصحيح المنحرف منها ثانيا،وترك امر الحسم فيها إلى رب العالمين ثالثا،ليتفرغ الجميع إلى مهام بناء الدولة،وإقرار العدل،وإشاعة ثقافة التسامح والقبول بالآخر كما هو،يحول دون هذا الرغبة الشديدة في التسلط على رقاب العباد،واحتواش الأموال واحتكار الامتيازات،حدث هذا في تونس وليبيا ومصر واليمن،فنظام كنظام مبارك البائد مهما تسربل باسم أهل السنة فإنه يدعي النسبة زورا وهو الذي مارس أفتك حصار على إخوان العقيدة والمذهب،كما لا يستحق شرف الانتساب إلى أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظام أتى حاكموه إلى أرض السواد(العراق) على ظهر الدبابة الأمريكية. الثورات "قضاء وقطر" هكذا يريد هواة الاصطياد في الماء العكر تيئيس الناس من كل فعل تغييري،نظرا لتطبُّع الناس على الاستعجال، وانتظار تحقق "المصلحة"على أيدي الآخرين دون الحديث عن "قسمة التضحيات" وهي الفلسفة الغائبة عن التنظير للثورة، أكيد أن قطر تخدم مصالحها ،ونظامها السياسي الوراثي ليس مثالا يقتدى أويفتدى، وبقدرة قادر جعلت منه الكثير من النخب نظاما على مستوى عال من التخطيط،والخبرة باختراق نسيج المجتمعات العربية،وصنع الرأي العام،ويوم تعهد إبان العدوان الصهيون على لبنان في 2006 بإعادة إعمار الضاحية الحنوبية واستقبل أميرها من طرف كوادر "حزب الله" استقبال الأبطال لم ينبر أحد حينها ليقول لنا: مؤامرة قطرية. إننا أمام نظام سوري يحسن خلط الأوراق: أولا: خلط الأوراق على الساحة الفلسطينية واستغلال اختلافات الفصائل،بل والتدخل في تدبير تلك الاختلافات ثانيا:خلط الأوراق على الساحة اللبنانية عبر التدخل المباشر،وتصدير أزماته الداخلية وهو الشيء الذي أثبته اكتشاف التخطيط الذي كان يرمي إلى افتعال حرب أهلية وقام به الوزير السابق ميشال سماحة حليف النظام السوري وحليف "حزب الله" ثالثا:خلط الأوراق على مستوى الشعارات المرفوعة: المقاومة والممانعة رابعا:خلط الأوراق على مستوى جغرافية المذاهب في المنطقة،بشكل لا يدري معه المرء هل التحالف مع إيران وحزب الله مثلا ينبني على أساس طائفي أم سياسي خامسا:خلط الأوراق على مستوى مرجعية الدولة:القانون أم القرابة والطائفة. إن المنطقة تعرف مخاضا عسيرا وكذلك تكون كل الولادات،والأرض تتغير من حول "إسرائيل" وإن خُيل إليها أنها تستفيد من المراحل الانتقالية المتسمة بالاضطراب والقلاقل،فجراحات مكة ضمدتها فتوحات المدينة،ورغم الدماء والدموع والآلام الشعب السوري منتصر ولا خوف على سوريا.