من توفيق الله تعالى للعلماء والدعاة والمصلحين والمحتسبين تعاملهم مع هذه الهجمة العلمانية الشرسة بنفس طويل، وصبر جميل رغم الاستفزازات المتكررة. والاحتساب عليهم قدر المستطاع بالطرق السلمية، وقد يعد البعض هذا تخاذلا أو ضعفا، لكنه على المدى البعيد يتبين أنه الأنجع أسلوبا؛ وذلك أن العلمانيين انكشفوا لعامة الناس، وظهر أنهم مفسدون، وما عادت تنطلي حيلهم الإعلامية وخرجاتهم المفاجئة، قصدالتميز والشهرة الزائفتين، وكذبهم المتكرر على أبسط الناس. وكانت أُمنية العلمانيين ولازالت ضرب التيار الديني بالسلطة؛ ليقطفوا هم ومن على مذهبهم الثمرة، ولكن الله تعالى خيب وسيخيب مساعيهم، وأبطل كيدهم،كما كان حال سلفهم و من المتفق عليه أن العلمانية المغربية تقوم على أشخاص وبعض المغرر بهم ، وليس على الأغلبية كما يخيل لهم، فمنهم من مضى إلى قبره -عامله الله تعالى بعدله- ومنهم من لا يزال يصارع مجتمعا كاملا، يريد فرض رؤيته الضيقة عليه، قبل أن يُطوح به في مزبلة التاريخ كما طوح بمن كانوا قبله. وأنا أجزم وهذه رؤيتي وليس لأحد الحق في مصادر تهامني، أن المقصود من هذه الحملة القذرة استفزاز المجتمع في أقدس شيء يؤمن به بعدالله، وهو رسول الله صلى الله وسلم نبي الرحمة، ومحاولة تحطيم المقدس في قلوب الناس. وهو الهدف الأكبر لأكثر هذه الحماقات العلمانية، ولمن يحركون هؤلاء من وراء الستار، ويدفعون لهم أموالا على هذه الحماقات. والأصل أن العلمانية في فكرتها تقف من الدين والمتدينين موقفا محايدا؛ لأن الدين في الفكر العلماني يدخل ضمن حرية الفكر والرأي، والحرية هي عماد العلمانية، وهو ما تنص عليه المادتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. والعلماني الغربي يطبق هذا المبدأ في الجملة؛ فالملحد الغربي ليس له خصومة مع صاحب الكنيسة مع أن صاحب الكنيسة يكفره ويصمه بالهرطقة -أي الخروج عن التعاليم الكنسية- ويحكم عليه بالنار، ويعلن ذلك على رؤوس الملأ لا يخشى شيئًا؛ لأنه يرى أنه من حقه أن يبدي رأيه فيما يشاء ويدين بما يشاء. لكن العلماني العربي عامة -والمغربي خاصة- يعيش أزمة حادة، وانفصاما فكريا أدى إلى انفصام في الشخصية؛ فهو يعيش بجسده في بيئة لها موروث ديني وثقافي وتكوين اجتماعي يباين الغرب، بينما فكره وعقله تسيطر عليه أفكار الغرب؛ وفي حين أن العلماني الغربي لا يهمه أن يوصم بالهرطقة فإن العلماني المغربي يغضب إن وصف بالكفر أو النفاق أو الردة أو حتى الفسق، ويدوس بقدميه ما يؤمن به من حرية الفكر والرأي التي تمنح الشخص المقابل أن يعتقد فيه ما يشاء، ويبدي اعتقاده دون خوف ولا تحفظ. حينئذ ينقلب العلماني إلى سلفي متشدد، وواعظ متشنج، يستدعي نصوص التكفير، ويسوقها ضد من وصم قوله بالكفر أو الردة أو النفاق، فهو يريد أن يكفر ولا يوصم بالكفر، ويريد أن يرتد ولا يوصف بالمرتد، ويريد أن يلحد ولا يطلق عليه ملحد.. يا للتناقض. وأعظم من ذلك تجد أن كثيرا من العلمانيين الغربيين أرقى في تعاملهم وتناولهم لقضايا ما سمي بالإرهاب، وأكثر شفافية ومصداقية من العلمانيين المغاربة الذي تقطر أحرفهم أحقادا زرقا يتمنون أن يحتلبوا بها دماء من لم يوافقهم. ودائما ما يحرج العلماني من يحمونه ويمكنون له في الإعلام باستفزازاته المتكررة، ويقصد أي شيء ينفس فيه عما في قلبه تجاه الدين وأهله، سواء في حوارات فضائية أو برامج مخصوصة أو مسلسلات هازلة، هذا غير الكم الهائل من المقالات الصحفية التي تتندر بالإسلام وأهله، وأجزم أن ما يكتب في بعض المنابر الإعلامية من الاستعداء على الإسلام وأهله، ومسخ شريعته، والطعن في حملتها أكثر كثافة، وأشد حدة مما يكتب في الصحافة الغربية. وإذا كان العلماني الغربي يعيش حالة توافق في الجملة مع الديني المتعصب للكنيسة ومبادئها فإن العلماني المغربي يعيش حالة من العداء الهستيري للدين وأهله تجعله مكيافليا أكثر من مكيافلي نفسه في اعتقاد أن الوسيلة تسوغ الغاية، وتطبيق ذلك حرفيا بكل التزام، وليس بين عينيه إلا الطعن في الدين وأهله، والاعتداء على كل مقدس عند المسلمين بالشتيمة، والحط عليه، والسخرية منه، والافتراء على حملته وترويج الأكاذيب المكشوفة التي تجاوز المجتمع تصديقها. فلماذا لم يأخذ العلماني المغربي من العلماني الغربي قبول الديني ولو طعن فيه، وأجرى عليه حكم دينه الذي يعتقده؟! بمعنى: لماذا يعيش العلماني المغربي حالة عداء مع الدين وأهله، بينما العلماني الغربي لا يعيش هذه الحالة الهستيرية التي يعيشها العلماني المغربي؟؟؟ ؟ وختاما..ما كنت أظن أن عاقلا يقف من مقالاتنا موقف الساب الشاتم الشامت، فأين الرد العلمي الهادف البناء؟ أم أن فاقد الشيء لا يعطيه؟