مع بداية الأزمة المالية أواخر 2007، زاد الحديث والنقاش حول منظومة الصيرفة الإسلامية التي أكدت صمودها في وجه أزمة مالية عصفت باقتصادات ومؤسسات مالية عالمية. هذه المنظومة التي أسالت الكثير من مداد أقلام الخبراء الماليين والاقتصاديين العالميين من مختلف الجنسيات، فظهرت ابحاث ودراسات من مؤسسات مالية عالمية حول هذا النمو السريع الذي تشهده الصيرفية الإسلامية في العالم، وخاصة غزوها لأسواق مالية كانت في القريب العاجل حصنا محتكرا من طرف الأسواق المالية الرأسمالية في أوربا، فيبقى السؤال كيف وصلت هذه الصناعة المالية إلى بلدان لا تجمعها بالإسلام سوى النقاشات والإصطدامات الفكرية ؟، وما هي حقيقة دخولها وآليات عملها في الدول الأوربية، وهل فعلا توجد بنوك إسلامية في أوربا؟ منذ ظهور اول بنك إسلامي مرخص له من طرف السلطات سنة ،1975 وهو بنك دبي الاسلامي (كان قد تاسس قبله بنك ميرت غانم في مصر سنة 1963، لكن فشلت هذه التجربة نضرا للضروف السياسية التي كانت تسود مصر خلال هذه الفترة)، انتشرت البنوك الإسلامية لتصل إلى يومنا هذا إلى أزيد من 500 بنك و مؤسسة مالية إسلامية في العالم، بموجودات تقدر ب 1,6 تريليون دولار حسب اخر التقارير (مقابلة الدكتور عمر زاهر، الكاتب العام للمؤسسات و البنوك الاسلاميه خلال برنامج بلا حدود حلقة الجزيرة10/04/2013 )، وكذلك تقرير مؤسسة UKIFS المتخصصة، أي بما يقارب 1% من الموجودات المالية المتواجدة في العالم، حيث يعتبر البنك الالماني Deutsch Bank أكبر بنك عالمي بموجودات تقدر ب 2,8تريليون دولار، من 72 تريليون دولار لاحسن 53 بنك في العالم (المقارنة بين موجودات البنوك الإسلامية والتقليدية لا مجال للمقارنة بينهم، حيث إن تاريخ البنوك التقليدية يزيد عن 400 سنة، بينما البنوك الاسلاميه فتاريخها هو 38 سنة فقط)، كما تشير الدراسات إلى أن نمو موجودات البنوك الإسلاميه ستصل الى ازيد من 6 تريليون دولار سنة 2020 اي بمعدل نمو يفوق 15% سنويا. التجربة البريطانية بريطانيا، ذلك البلد الأوربي المنفتح على الثقافات العالمية، كان له الفضل في احتضان والترخيص لأول بنك إسلامي بمعايير تحترم الشريعة الإسلامية ومبادئ الصيرفية الإسلامية، وإعطاء التراخيص لبنوك تقليدية لفتح نوافذ للمنتوجات الاسلاميه (عقود المرابحة، المضاربة، المشاركة، الاستصناع، الإيجار…. حيث يبلغ عدد البنوك آلتي تقدم منتوجات تتوافق مع الشريعة الاسلاميه الى 22 بنك، منها 5 بنوك اسلامية و 17 بنك تقليدي له نوافذ يقدم من خلالها منتوجات البنوك الاسلامية. ظهرت الصيرفية الإسلامية في بريطانيا اواخر السبعينات وبداية الثمانينات،(1978ء1979) حيث سمحت الحكومة البريطانية لبعض الشركات الاستثمارية الاسلامية في العمل في لندن وكان اولها: شركة الاستثمار الاسلامية القابضة (Islamic Banking International Holding) 1978، وبدعدها شركة بيت التمويل (Islamic Finance House)، وفي سنة 1987 دخلت مجموعة مصرف البركة العالمية التي استمرت في العمل الى غاية 1993، حيث تطورت ودائعها من 28 مليون جنيه سنة 1983 إلى 154 جنيه سنة 1991، وفتحت فرعين في لندن و وفرع آخر في برمينغهام. لكن نتيجة للأزمة المالية التي عصفت بالسوق المالي اللندني أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، اضطرت الحكومه البريطانيه إلى تشديد المراقبة والزيادة في الضرائب على المؤسسات المالية الاجنبية (قانون المصارف لسنة1987 ). وفي سنة 1997 فتح المصرف المتحد الأهلي الكويتي فرعا له في لندن عرف بمشروع المنزل لتقديم تمويلات للجاليه المسلمة عبر عقود المرابحة والايجارة. أكتوبر 2004 سنة ميلاد أول بنك إسلامي بكل مواصفات الصيرفية الاسلامية، البنك الإسلامي البريطاني (IBB) بعد مجهودات من الحكومة البريطانية لتعزيز دور الصيرفية الإسلاميه في السوق المالي اللندني، إيمانا منهم بمبدأ المنافسة والدراسات السابقة للباحثين الذين شددوا على مستقبل الصيرفية الاسلامية في السوق اللندنية، ولعل ابرز هذه الوجوه رودني ويلسون Rodney Wilsonالاقتصادي الذي يعتبر احد ابرز الوجوه التي تنبأت وكتبت على الصيرفية الاسلامية في بريطانيا. بعدها فتحت بنوك تقليدية نوافذ للمنتوجات الإسلاميه، وكان أبرزها بنك HSBC Amanah, ABC International .Bank, Deutsh Bank, Citi Group…حسب اخر الإحصائيات وصل حجم الأصول المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في السوق الماليه البريطانيا إلى 27 مليار دولار سنة 2010 بنمو تراوح بين 7،3% إلى 23،7%، حيث تحتل لندن الرتبة الثامنة عالميا في استقطاب الاموال والاستثمارات الاسلامية. لائحة البنوك الإسلامية المتوافقة مع الشريعة في بريطانيا التجربة الفرنسية فرنسا، ذات الجالية المسلمة التي تزيد عن 6 ملايين مسلم، المتفوقه على بريطانيا (2,5مليون مسلم ) من حيث عدد الجالية المسلمة التي ينتمي اغلبها إلى دول شمال افريقيا (المغرب، الجزائر، تونس ودول جنوب الصحراء) التي لم تضهر فيها الصيرفية الاسلامية الا في السنوات القليله الماضية وبعضها لا يزال ينتضر الضوء الاخضر من صناع القرار في بلادهم (المغرب)، بدءت في التنافس مع بريطانيا ذات التاريخ الطويل القصير في الصيرفيه الإسلاميه لتصبح باريس عاصمة التمويل الاسلامي خارج الدول الاسلاميه، لكنها تواجه تحديات كبيرة عكس بريطانيا، خاصة ثقافة الجاليه المسلمه في فرنسا، والتي اغلبها لا تتوفر على معرفة أو مفاهيمها محدوده فيما يخص التميل الاسلامي التي افتقدوها في بلادهم الاصلي، عكس الجاليه المسلمه في بريطانيا التي تنتمي إلى مهد التمويل الإسلامي, الشرق الاوسط والخليج ودول جنوب شرق اسيا. فرنسا، في أواخر أبريل 2011 اصدرت اول صكوك في السوق الماليه الفرنسيه يتماشى مع الشريعة الاسلاميه، وبعدها دخلت مجموعة البنك الشعبي و بنك فرنسا في فتح نوافذ للمنتوجات الإسلامية (المرابحة والإيجار...) التي تساير متطلبات سوق العقار الفرنسي . وضهرت بعدها المؤسسة الفرنسية المالية الاسلاميه IFFI التي يترأسها وزير الخارجيه الاسبق ورئيس غرفة التجارة الفرنسية العربيه لتعزيز التمويل الاسلامي في فرنسا Herve de Charette في عهد حكومة ساركوزي التي كانت قد اعطت اشارات واضحة في إستقطاب الراسمال الاسلامية، فقامت بعدها عدة بنوك اسلاميه في زيارات الى فرنسا لمعرفة الفرص التي تتيحها فرنسا للتمويلات الاسلاميه، حيث تشير تقارير فرنسيه إلى قرب افتتاح اول بنك سلامي في فرنسا والمرجح حسب نفس التقارير إلى البنك الاسلامي الدولي القطري. البنوك الإسلامية في باقي الدول الأوربية بريطانيا (22)، فرنسا (3)، سويسرا (4)، المانيا (2)، لوكسومبورغ (1)، روسيا (1)، ايرلندا (1). بينما تبقى باقي الدول الاوربي ذات الجالية المسلمة من اصول مغاربية (هولندا، اسبانيا، بلجيكا، ايطاليا،الدنمارك، السويد، النرويج...) بعيدة كل البعد على ثقافة البنوك الاسلاميه، نضرا للبعد الثقافي المبني على ثقافة البلد الاصل، لكن اسبانيا التي بدأت مؤخرا في الدخول في ميدان الصيرفيه الاسلامية حيث تم يوم 15 مارس 2013 تأسيس اول مركز للدراسات و الابحاث في الإقتصاد و المالية الإسلامية الدي يضم نخبة من الاكاديميين والباحثين في ميدان الصيرفية الاسلامية)نحن عضو مؤسس للمركز ( ينتمون إلى دول، المغرب، إسبانيا، البيرو و المكسيسك من اجل التعريف بماهية الصيرفية الإسلاميه في المجتمع الاسلامي و المجتمع الاسباني بصفة عامة , وفتح قنوات التواصل مع مختلف المهتمين، المستثمرين، الباحثين، المؤسسات وكذلك الدولة الاسبانية للشروع في التفكير لفتح الباب امام هذه البنوك للإستثمار في اسبانيا. الصيرفية الاسلاميه في النضام التعليمي الاوربي حسب آخر الأبحاث و الدراسات (أحمد بلوافي 2011 و اخرون)، تشير الى أن بريطانيا تستحوذ على 28% من تدريس الماليه الاسلاميه في العالم في مختلف جامعاتها ومدارسها، تليها فرنسا ب 5%، إيطاليا 1%، بلجيكا 1%، سويسرا 1% و المانيا 1%، كما تشير نفس الدراسات الى ان تدريس الماليه الاسلاميه على الصعيد العالمي يتم باللغة الانجليزيه (75%)، العربية 20%، الفرنسية 5%. حيث تعتبر جامعات بريطانيا الرائدة عالميا في تدريس الصيرفية الاسلاميه حيث يبلغ عددها 55 جامعة، معهد ومؤسسة (Aston University, Durham University, Newcastel University, London School of Busniss and Finance, Glamorgon University…) - في فرنسا : 15 جامعة، معهد ومؤسسة تدرس الصيرفية الاسلامية Universite Duphain-Paris), University Sorbonne, Reims Management School, Strasburg Managmente School….) - المانيا Hochschol Bremen University. - سويسرا Universite Leuven رغم هذا النمو، فإن الصيرفية الإسلامية تواجهها عدة تحديات خاصة في اروبا، لعل أبرزها هي فقدان الهوية، حيث إن العديد من البنوك التقليدية التي تقدم نوافذ في المنتوجات الاسلاميه لا تحترم مبادئ الشريعة الإسلامية في تعاملاتها مع الزبناء، مما يجعلها تقدم نظرة خاطئة حول منظومة الصيرفية الإسلامية، بالإضافة إلى الشروط التي تضعها بعض البنوك المركزية على البنوك الإسلامية خاصة فيما يتعلق بتحديد الفائدة على البنوك الاسلاميه أو النوافذ الإسلامية، كما يشكل ضعف الوعي وثقافة الجالية المسلمة في الغرب فيما يخص مفاهيم التمويل الإسلامي وآليات اشتغالها أحد أكبر التحديات مع ضعف التسويق الاعلامي وغياب قنوات خاصة لنشر ثقافة التمويل الإسلامي، وكذلك قلة وانعدام الكوادر المؤهلة والمعاهد المتخصصة في الصيرفية الإسلامية. ملاحظة: كل المعطيات، الأرقام، الاحصائيات و المؤشرات هي مأخوذة من تقارير ودراسات لمؤسسات مالية عالمية، وكذلك آخر الدراسات والأبحاث الأكاديمية في الصيرفية الإسلامية، التي تطلبت منا أزيد من سنة ونيف للوصول إلى هذه المعطيات، وتقديمها للقارئ الكريم، ولأي مهتم بالبنوك الإسلامية في العالم لتوسيع الفائدة. *باحث في نمو وتوسع البنوك الاسلامية في أوربا مدريد