مرة أخرى تجدّد الفنانة المقتدرة فاطمة وشاي موعدها مع الجمهور، عندما حلت ضيفة على المعهد العالي للصحافة والإعلام بالدار البيضاء يوم الأربعاء الماضي، وكانت في الموعد حينما أكدت تصريحاتها السابقة بخصوص "الفن" المبتذل الذي أصبح يسود السينما المغربية، قائلة بأن بعض السينمائيين بدعوى الجرأة "يمارسون شذوذهم بالسينما بواسطة أموال دافعي الضرائب"، مشيرة إلى أن ما تعيشه السينما في السنوات الأخيرة "يندى له الجبين"، متسائلة "هل الجرأة هي أن تتعرى فتاة"، وأن الكثير ممن "يتشدَّقون" بالحداثة هم في الحقيقة مُقلِّدون ويَستنسِخون تجارب الآخر شكلا ومضمونا أحيانا، موضحة "ألا حاجة لنا بسينما لا تحترم خصوصيتنا". بصراحة، فإن الجرأة النادرة التي عبرت بها هذه الفنانة المقتدرة يجعلنا نتفاءل بأن الوسط الفني المغربي لا يزال بخير، لأنه يحتضن أصواتا حرة قادرة على التعبير عن رفضها "للمسخ" الذي يعرض على الجمهور باسم حرية الإبداع والفن. عندما نسمع مثل هذا الكلام من سيدة لها تاريخ مشرف في المجال الفني، فإن ذلك يؤكد ما سبقنا وقلناه من كونه الفن في المغرب حوّله بعض المحسوبين عليه من مخرجين وممثلين إلى "عفن" (إفساد)، بسبب الأعمال السينمائية والمسرحية الرديئة والهابطة التي تُقدم للجمهور المغربي، دون مراعاة لقيمه ودينه، والتي تكرّس نمطية مقيتة، أفسدت الأذواق وبلّدت الإحساس، لأنها أعمال أصبحت تركز فقط على مشاهد الإثارة الفاضحة وتستعمل لغة مبتذلة وساقطة. كم نحن في حاجة لدعم وتشجيع مثل هذه الأصوات الحرة، التي تمتلك حسا فنيا راقيا، لكي نعيد الاعتبار للفن الجميل الذي كانت الأسرة المغربية تستمتع بمتابعته ولا تخجل من مشاهده، لأنه كان فنّا أصيلا يعبر عن ذاتنا وثقافتنا وقيمنا المغربية الحضارية. دائما ما كان دعاة ومروجي "الفن" الهابط يصادرون حق المجتمع في انتقادهم، ويردّون على الانتقادات الموجهة لهم من خارج الوسط الفني، بأنها انتقادات "أخلاقية" وغير مهنية، أو أنها صادرة من أشخاص لا يفهمون في نوعية "الفن" الذي يقدمونه، أو يواجهون منتقديهم بحجة أوهن من بيت العنكبوت، وهي أنهم لم يشاهدوا العمل حتى يحكموا عليه، مع العلم أنه لتقييم أي عمل فني لا يحتاج بالضرورة مشاهدته، بل يكفي أن نحكم عليه من خلال رواية مَن شاهده، خاصة إذا كان من نوعية الأعمال التي يستحي المرء من مشاهدتها. هم بذلك يتهربون من مواجهة الحقيقة، لأن المطلوب هو أن يناقشوا منتقديهم بما أدلوا به من ملاحظات ومآخذ هل هي مبنية على معلومات صحيحة متضمنة في العمل من مشاهد ساقطة ولغة مبتذلة أم لا، مما يتعارض مع دين وأخلاق المجتمع، أما الجانب التقني الصِّرف، فهذا مجال خاص بالمهنيين من نقاد سينمائيين وفنانين ومخرجين.. لذلك، فإن ما عبرت عنه الفنانة المقتدرة فاطمة وشاي، هو حالة صحية داخل الوسط الفني، تدل على أن هناك فنانين ومبدعين غير راضين عن مستوى الأعمال الرديئة التي تعرض سواء في السينما أو المسرح باسم حرية الإبداع. ولا يسعني في الختام إلا أن أوجه تحية تقدير وامتنان للفنانة المبدعة فاطمة وشاي، على صراحتها وجرأتها وغيرتها على قيم هذا المجتمع.