رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    "برلمانيو الأحرار" يترافعون عن الصحراء    فوز صعب ل"الماص" على المحمدية    المنتخب النسوي يفوز وديا على غانا    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    "طلب رشوة" يورط عميد شرطة    حادث سير يصرع شابة في الناظور    "الفوبريل" يدعم حل نزاع الصحراء    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    السلطات المغربية تحدد موقع مدخل نفق لتهريب المخدرات بين سبتة المحتلة والفنيدق    نادي القضاة يصدر بلاغاً ناريا رداً على تصريحات وزير العدل بشأن استقلالية القضاء    المدير السابق للاستخبارات الفرنسية للأمن الخارج: المغرب كان دائما في طليعة مكافحة الإرهاب    طقس السبت .. امطار مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 24,6 في المائة عند متم يناير 2025    أزولاي: البصمة المغربية مرجع دولي لشرعية التنوع واحترام الآخر    اختتام القمة العربية المصغرة في الرياض بشأن غزة من دون إصدار بيان رسمي    صراع مغربي مشتعل على عرش هدافي الدوري الأوروبي    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين تحت شعار: «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع الديمقراطي التنموي»    قرعة دور ال16 لدوري الأبطال .. ريال مدريد في معركة مع "العدو" وباريس يصطدم بليفربول … والبارصا ضد بنفيكا    استقر في المرتبة 50 عالميا.. كيف يبني المغرب "قوة ناعمة" أكثر تأثيرا؟    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    إيفاد أئمة ووعاظ لمواكبة الجالية المغربية بالمهجر في رمضان    الملك محمد السادس يحل بمطار سانية الرمل بتطوان استعدادًا لقضاء شهر رمضان في الشمال    الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تحدد تعريفة استخدام الشبكات الكهربائية للتوزيع ذات الجهد المتوسط    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    مليلية المحتلة تستقبل أول شاحنة محملة بالأسماك المغربية    نتنياهو يزور طولكرم ويهدد بالتصعيد    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    الرجاء يعلن منع تنقل جماهيره إلى مدينة القنيطرة لحضور مباراة "الكلاسيكو"    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    المندوبية السامية للتخطيط تسجل ارتفاعا في كلفة المعيشة في المغرب    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ويحك يا دهر..!
نشر في هسبريس يوم 26 - 04 - 2013

فى هذا البلد الأمين حيث تغيب أو تنام الشمس بعد رحلتها الطويلة من المشرق البعيد..! فى هذا البلد الذي أطلق عليه الرحّالون والمؤرّخون " ذيل الطاووس" قيّض الله لنا أن نرى فيه نورالحياة ، والذي أزاح عنّا فيه أجدادنا الصناديد النّيرالذي كان يثقل كاهلنا، كنّا نستنشق هواءه العليل،ونأكل خيراته، ونعمه وثماره، وحبوبه وقطوفه، وكلّ ما طاب واستطاب ممّا تجود به علينا طبيعته السخيّة المعطاء كنّا نستمتع ببحره وسمائه ، وشمسه وقمره، وجباله وغاباته، وهضابه وآكامه، وسهوبه ومرتفعاته ، وكواكبه ونجومه ، كلّ ما لم تلمسه يد بشرية آثمة دخيلة لم يكن يأتينا منه إلاّ الخيرالعميم، وكلّ ما يرضي النفس، ويسعد القلب، ويفرح الوجدان.
فى هذا الصّقع الرّيفيّ النائيّ البعيد ذي التضاريس الطبيعية الوعرة ، والأخاديد الجبلية الصّعبة، عشنا على الفطرة ، ترعرناعلى البداوة والبساطة، وعشق الحياة الحرّة الكريمة . فى ربوعنا، وأحيائنا، وأرباضنا، ومرابضنا، وقرانا، ومداشرنا، وضيعنا كنّا ندقّ أبواب الحريّة الحمراء دقّا عنيفا حتي نتسربل بألوانها الزّاهية القانية ولا نرضى أبدا بها أو لها بديلا . حسن الجوار كان دأبنا ، والذّود عن وطننا، وحوضنا، وجيراننا كان ديدننا، وعدم الرضى بالظّلم والضّيم، والجّفوة والجفاء كانت غاياتنا ومرامينا، كانت شيمنا هممنا العالية، وسجايانا مبادؤنا الأصيلة ، وعاداتنا العريقة، وتقاليدنا الحميدة التي تربّينا فى كنفها وترعرعنا على منوالها، منذ نعمومة أظفارنا، وغضاضة إهابنا، وطراوة أعوادنا. كانت كلّ تصرّفاتنا تلقائية عفوية طبيعية بسيطة خالية من التصنّع والمراء والمحاباة والمداهنة .
الأيّام الحالكات
الأمورلم تعد اليوم كما كانت عليه بالأمس القريب ، فقد أصاب صرح الصّدق، والنبل، والوفاء،والشرف، والكرامة شرخ عميق. هؤلاء الغرباء الأبعدون، ذوو السّحن الغريبة ، والشعورالناعمة المنسدلة ، كانوا يقومون بغارات على أراضينا وشطآننا، ودورنا وممتلكاتنا، ومزارعنا وغلاّتنا ،لم نكن نتوانى أو نتردّد قيد أنملة فى دحرهم ، وصدّهم ، وردّهم على أعقابهم من حيث أتوا مخذولين منكفئين يجرّون أذيال الخيبة والمهانة والهزيمة والمذلّة ، من أينما جاءوا أو قدموا، من داخل البرّ القريبّ، أو من وراء البّحرالبعيد . لقد أصبحوا اليوم يفتون ( بضمّ التاء والواو) ولا يفتون(بفتح التاء وسكون الواو) ، وأضحى التنائي بينهم وبيننا بديلا عن تدانينا ، وناب عن طيب لقيانا بهم تجافينا..الألم يعصرنا، والمعاناة تهدّنا، والحنق يخنقنا، والمرارة تعتصرنا، نتنفّس الصّعداء، وننظر إلى السّماء، ونجيل بأبصرارنا فى فضاءاتها الواسعة المترامية الأطراف، ونحدّق فى سديمها السّرمدي الأبدي، وبقدر مشعل على شفاهنا نرجوها أمرا فى أنفسنا، ونستعطفها بلسما شافيا لجرح غائر لا يندمل فى أعماقنا ، ولا من مجيب..!
نعاتب الأيّام الحالكات، ونلوم الليالي المدلهمّات التي لا تؤمن بوائقها ، عسى هذا اليأس يتلوه الرجاء، و لعلّ الله يأتي بعد كرب وغمّ بفرج قريب، نشكو الدّهر القاهر، ونناغي الزّمن الغادر فى هذا الوطن الصغير، وداخل الوطن الكبير....ولسان حالنا جهارا يقول:
يا دهر ويحك ماذا الغلط... وضيع علا ورفيع هبط ..!
عجلة القيصر
إنّها عجلة عربة خصوم " يوليوس قيصر"عندما وقع فى الأسر ...لم يكن نظره يحيد عنها وهي تعلو وتنزل خلال دورانها فى ذبذبة وتوتّر، ثم لا تلبث أن تعيد الكرّة تلو الأخرى من أعلى إلى أسفل ، ومن أسفل إلى أعلى، وعندما سأله سجّانوه أن لماذا لم يحد نظره قطّ عنها طوال الطريق..؟ قال إنّها تذكّره بحال الدّنيا، تارة فوق، وطورا تحت ، وأردف قائلا: أنظروا إلى حالي أين كنت بالأمس، وأين أصبحت اليوم.. !
لا من رقيب ، ولا من حسيب،ولا من مجيب ، لقدغدت الممتلكات تقايض (بفتح الياء) مقابل فتات من العيش رخيص لا يسدّ رمقا، لا يسمن ولا يغني من جوع ، ذووها خانعون، قانعون، راضون ، مستسلمون ، كلّ آمالهم أن تمطر السماء يوما ليعمّ الخير والصّبا والرذاذ....
المال يا صاح يستر كلّ عيب فى الفتى....والمال يا صاح يرفع كلّ نذل ساقط ،المال يا صاح أضحى فى أيامنا اللعينة زينة الدّنيا وعزّ النفوس..... يبهي وجوها ليس هي باهيا... فها كلّ من هو كثير الفلوس ... ولّوه الكلام والرّتبة العاليا. والدراهم كثيرة وافرة هي فى الأماكن كلّها، تكسو الناس والرّجال والنساء مهابة وجمالا ... وقد أضحت لسانا طليقا صريحا صدّيحا لمن أراد فصاحة... كما أصبحت سمّا ناقعا ، وعلقما مرّا، وسلاحا فاتكا لمن أراد مواجهة أو رام قتالا ...
أجل.. ما أكثرهم..هؤلاء الأقربون، لقد ولّوهم الكلام ، والرّتبة العاليا، ، من ذوي القربى والأصهار والأنصار،ليسوا من سلالة أنصار يثرب ، بل إنّهم أنصار العصر،أنصار صناديق الإقتراع والمحاباة ، والمداهنة والمصانعة ، فى زمننا هذا العربي الحزين المثقل بالهموم والرزايا ، والدم ، وليس للمعوزين،الكادحين المحرومين، العسفاء ، هؤلاء الأقصون الأبعدون الذين يعضّون على الحديد أوعلى الحجر الصّلد عضّا مؤلما حنقا، وغيضا، وكربا، وكبرياء، وكآبة، وضيما.
سجّلها ذات يوم "روم لاندو" فى تاريخه عند مروره بحيّهم ومرابضهم ، قال :" لقد لاحظت الأنفة والكبرياء، وعزّة النفس فى مشيتهم الثابتة.. همّتهم عالية منتصبة، وخطواتهم واثقة راسخة شامخة ، يمشون صببا فى إعتزاز وإعتداد، النّاؤون يرومون إقصاءهم، وتقويسهم وتقويضهم، وإضعافهم، وثنيهم.. ولكن هيهات..
الأماجد قدّموا أرواحهم دفاعا عن حوزة الوطن، أعطوا النّفس والنّفيس ذودا عن عزّته، وصونا لكرامته ، روت دماؤهم الزكية كلّ ركن من أركانه ، إنهم يسامون اليوم سوء الصنيع، ويعانون البعاد والتباعد، والإقصاء والتنابذ، والتهميش والجحود، والنكران والنّسيان.
إبن آجرّوم وابن عاشر
الحاضرة العامرة ما إنفكّت فى حفل بهيج، أقيمت المواكب والكواعب ، ونثرت الأزهاروالورود، والياسمين والرّياحين، ورشقت ثمرات الكرزالرّطبة والمحمرّة كالعنّاب، صدحت الموسيقى ، البياض الناصع يملأ الأجواء والأرجاء ، فالخطب ليس بالهيّن اليسير، إنّه إيذان ببزوغ وإنبثاق إشعاع حضارة متطوّرة، وإنتشار بريق مدنية متقدّمة، و"التبشير" بمبادئ الحريّة، المساواة، والإخاء ، بلغة عريقة راقية لثغاء، لقد أوعزوا حتّى للعلماء وللفقهاء الأجلاّء فى منابرمعاهدهم، ومصاطب كتّابهم، وفى مدرّجات جامعاتهم، بأن ينظموا على شاكلة الآجرومية أو منظومة بن عاشرقصائد عصماء لتسريع وتسهيل وتيسير تعليم هذه اللغة ونشرها وتعميمها على أوسع نطاق، هذه اللغة السّاحرة الآسرة الرّخيمة التي يخرّ لها الجلمود ، ويسجد الصّخر لرقّتها ونعومتها...! فقال قائلهم ساردا ومعلّما وملقّنا بتلك النغمة الموسيقية الفقهية الموزونة المتوارثة المألوفة والمعروفة :
beaucoup........وفى التعبير عن كثير قل cou ، والعنق nezوالأنف ،tête الرّأس
Les fêtes ......... وفى المواسم والأعياد قلle prophète الإله ، والرّسول Dieu
إلى آخر القصيدة الطويلة التي تنتفخ لقراءتها أو لسماعها الأوداج ضحكا وقهقهة...!
الأعمدة الرّاسيات ، والسّواري الرّاسخات ذات الأسماء الرنّانة ، والجرس الموسيقي المميّزما فتئت تعمل على تمرير الإرث الساطع ، والتراث الناصع،حكما وعلما، وأدبا وشعرا، وفقها ولغة، وتاريخا وفلسفة، وحسابا وفلكا، وصرفا ونحوا،وغناء وطربا،وطبخا ونفخا، وسياسة وكياسة، وذكاء ودهاء،وفخّارا ودثارا،وصناعة وإبداعا، وعطرا وزهرا،وبناء وعمرانا،ووضعا وتأليفا،وقزّا وحريرا، وطرزا ونسجا ،وذهبا وفضّة ،ولجينا وعسجدا، وزمرّدا وديباجا...!
إنّها ما زالت تدني وتقصي ، ما فتئت تنهال وتنثال بالجحود المجحف، ، بينها وبين الآخرين برزخ واسع، و يمّ شاسع، وبحر عميق لا قعر ولا قرارله ، إنّها ما برحت تؤجّج الموقد،فالصّقيع زمهرير، وتلقي الحطب فى أتون الكنّ والكانون، من حيث تدري ولا تدري..! .
أحمق من هبنّقة..!
القويّ السّمين يزداد قوّة وسمنة، والضعيف الهزيل يزداد ضعفا وهزالا ،مثلما كان عليه الحال فى الماضي السحيق فى "جاهلية" التاريخ مع المسمّى "هبنّقة " الذي كان يضرب به المثل فى الحمق والخبل والجنون فيقال"أحمق من هبنّقة "،الذي قيل فى حقّه إنّه من حمقه أنه عندما كان يعمل راعيا للبقر عند أحد الميسورين من بني يعرب ، كان يأخذ البقر السّمان إلى المراعي الخصبة حيث وفرة الأعشاب وكثرة الكلأ لترعى ، ويأخذ البقر الهزال إلى الأراضي القاحلة الجرداء من الأرض الكلام ( بضمّ الكاف) ويسرحها هناك، وعندما يأتي صاحب البقر لمعاتبته وتأنيبه فيسأله أن لماذا يفعل ذلك...؟ كان يجيب : أتريدني أن أصلح ما أفسده الله، أوأن أفسد ما أصلحه الله، فالبقر السّمان تستطيع أن تأكل وهي ذات شهيّة طيّبة، لهذا أذهب بها حيث وفرة المراعي والكلأ ، وأمّا البقر الهزال فلا شهيّة لها وليس فى مقدورها أن تأكل لضعفها ووهنها، ولهذا أذهب بها إلى القفار القاحلة، والأرض الصلبة التي لا زرع ولا ذرع ولا كلأ فيها... وما إنفكّت هذه الحكمة سائرة قائمة مأثورة إلى اليوم، السّمين يزداد سمنة، والضعيف يزداد ضعفا... !.
كان هبنّقة من حمقه كثيرا ما ينسى نفسه ، وللتغلّب على هذه الآفة توصّل إلى حلّ ناجع على طريقته حتى يتعرّف على نفسه بسهولة ويسر ولا ينسى نفسه مرّة أخرى، فوضع خيطا سميكا من قنّب على عنقه علّق فيه عظمة صغيرة كان قد وجدها فى أحد المهامه والقفار والمفاوز، وكان كلما إستيقظ من النّوم يبحث عن العظمة المعلقة فى عنقه ويمسكها بيده وبها يدرك ويتأكّد أنّه هو، وحدث ذات يوم أن نام عند أخيه ، فقام أخوه فى جنح الليل ونزع عنه العظمة وعلّقها حول عنقه، وفى الصّباح عندما إستيقظ هبنّقة ولم يجد العظمة معلّقة عليه ذهب عند أخيه ليسأله، فلمّا رأى العظمة معلقة حول عنق أخيه أمسك بها وقال له مشدوها : يا أخي... أنت أنا فمن أنا...؟ !.
بين الثريّا والثّرى
هكذا حال الدّنيا يا صاح ، أيام تمرّ، وليال تنقضي، إنّهم ما فتئوا ينظرون من الأعالي شزرا إلى أسفل، إلى هؤلاء الذين سحقهم القدر، وهدّهم العوز، وأنهكتهم الخصاصة، يمشون عاصبي البطون مرملين من فرط حرقة الطّوى، الآخرون يناطحون عنان السّماء، يعانقون هيادب السّحاب ،يلامسون الثريّا،(إن كنت فى شرف مروم...فلا تقنع بما دون النجوم) ،و(إن كنت فى عدد العبيد فهمّتي ...فوق الثريّا والسّماك الأعزل) ، وبنو طينتهم، وأبناء جلدتهم ملتصقون بأمّهم الأرض الثّرى ،(حسب الخليلين نأي الأرض بينهما... هذا عليها وذاك تحتها بالي) ،لاخوف عليهم ولا هم يحزنون،سقطتهم بلا رضوض ، وسقطة "الأعلون" مؤلمة كاسرة قاصمة للظّهر، إنكم لن تخرقوا الأرض ولن تبلغوا الجبال طولا، فى القمم الشامخات ، فى العلوّ الشاهق تشتدّ هبوب الريّاح،إنها هناك أكثرعتوّا وقوّة ، الزّوابع والتوابع بها لا تني ولا تنتهي، العواصف الهوجاء لا تتوقّف، فاخفضوا جناح الذلّ ، وطأطئوا الرؤوس، ولا تشرئبّوا بالأعناق... فما أظن أديم الأرض إلاّ من هذه الأجساد ، سيروا إن إسطعتم فى الهواء رويدا... لا إختيالا على رفات العباد، فربّ لحد قد صار لحدا مرارا ، ضاحك لتزاحم الأضداد..... وكلّ بيت للهدم ما تبتني الورقاء والسيّد الرّفيع العماد... !
كلام يتناثر في الهواء ، تماما كما تناثر في القديم كلام من شيّدوا في أخيلتهم مدنا فاضلة ، وأقاموا فيها صروحا وقصورا، وظلّت العدالة فيها طائرا كسير الحناحين، يحلق بالكاد حولها، لا يشمّ (بضمّ الياء) فيها سوى رائحة الظلم والعنت في كلّ مكان، اليوم لم يعد ثمة أناس من هذا النّوع، لقد أصبحوا في عرف الآخرين شبيهين بالمجّانين الذين يفنون أعمارهم في الأوهام والخيالات، والآهات،والترّهات التي لا طائل تحتها.هؤلاء هم الذين يعانون أكثر من غيرهم من مختلف ضروب البؤس واليأس والعنت والتعاسة والنكد والبغض والحرمان ،لقد كسدت أسواق الفكر الخلاّق، ونشطت حركات التقاليع الرخيصة في دنيا الفنون والجنون والمجون من كل ضرب.
البشرية غزا الشيب مفرقها ، وأضاعت عمرها في ويلات الحروب والتقاتل،والتطاحن، والتشاكس، والتنابذ، والمواجهة، والعداوة، والبغضاء. نأسى ونتأسّى، ونلتاع حزنا وضنكا.أيّها الباذخون المتخمون ، ثوبوا إلى رشدكم ، إرجعوا إلى أنفسكم، فقد بلغ السّيل الزّبى ، وفاض الكأس، وطفح الكيل، وربّ عظيمة دافعت عنهم... وقد بلغت نفوسهم التراقي... !
وفى الختام ،ولا ختام، ونحن فى ذيل المقال ، نعود لصدره لنتدبّر ونتأمّل فيما ورد من سبب فى إطلاق إسم " ذيل الطاووس" على هذا الصّقع النائي البعيد ، إذ يحكى أنّ رحّالة من أهله زار ذات مرّة بغداد التي كانت تسمّى إبّانئذ مدينة السلام ..! فى زمن لم تكن فيه القارة الأمريكية قد إكتشفت بعد ، وكان الناس يعتقدون فى ذلك الأوان أنّ العالم ينتهي عند هذا السّاحل الأقصى، وفى إسبانيا بمنطقة جليقة أو غاليسيا مكان يسمّى (فينيشتيرّي) ومعناه حيث تنتهي الأرض، ويقال إنّ الفاتح عقبة بن نافع دخل بحصانه فى مياه المحيط الأطلسي على الشواطئ المغربية حتى غطّتت مياه البحر قوائمه ، وإستلّ سيفه ورفعه إلى أعلى فى الهواء مخاطبا المحيط الهادر قائلا له : "والله لو كنت أعلم أنّ وراءك أرضا لفتحتها بسيفي هذا "...! المهمّ أنّ رحّالتنا عندما كان ببغداد رمقته عيون الخليفة الذي ما أن أبلغوه بوجوده بالمدينة حتّى أمرجنده بإحضاره إليه ، فلمّا مثل بين يديّ الخليفة قال له متهكّما : يا مغربي قيل لي إنك قدمت من بلد بعيد ، وقيل لي كذلك أنّ الدّنيا على شكل طائر كبير، ذيله المغرب الأقصى (مستهزئا ومتهكّما). فأجابه الرحّالة على الفور: أجل يا أمير المؤمنين هذا صحيح، ولكنّ الذين أخبروكم بذلك نسوا أن يقولوا لكم أنّ هذا الطائر هو الطاووس، وأنّ أجمل ما فى الطاووس ذيله...!
*كاتب من المغرب يعيش فى إسبانيا (غرناطة)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.