وأخيرا صادق مجلس الأمن، وبالإجماع يومه الخميس 25 أبريل 2013 على القرار الذي طالما انتظره المغاربة، وقد خلت مسودة القرار الذي يحمل الرقم 2099 على مضامين المشروع الأمريكي القاضي بتوسيع صلاحيات مهمة قوات المينورسو لتشمل احترام حقوق الإنسان. لقد ركز القرار الجديد على تشجيع طرفي النزاع على تعزيز وحماية حقوق الإنسان من دون الإشارة إلى ولاية الأممالمتحدة لتولي هذه المهمة، أو لأي مراقبة دولية لحقوق الإنسان في الصحراء المغربية٬ بل اعترف القرار وعمل على الإشادة بالخطوات التي خطاها المغرب من أجل تعزيز المجلس الوطني لحقوق الإنسان والتفاعل الإرادي للمملكة مع الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان. ولم ينس القرار التأكيد على أهمية إحراز تقدم في المفاوضات حول الصحراء الغربية، بهدف "المساهمة في استقرار منطقة الساحل وأمنها". كما شجع مجلس الأمن من خلال هذا القرار على مواصلة الإعداد لجولة خامسة من المفاوضات المباشرة بين الطرفين والتخلي بالواقعية والنوايا الحسنة، مع تمديده مهمة المينورسو حتى 30 أبريل 2014 في ظل اهتمامها بالصلاحيات الموكولة لها أصلا دون توسيعها. إن هذا القرار بصيغته الحالية يعني مصالحة هذه المنظمة مع وظيفتها الحيادية. وبذلك استطاع المغرب أن يحقق نصرا دبلوماسيا كبيرا، مادام القرار الاممي جاء متوافقا مع مطلب مغربي تاريخي مفاده أن الصحراء إقليم تابع للسيادة المغربية، ومن ثمة فمن غير الجائز جعل وضعية حقوق الإنسان من صلاحيات منظمة دولية، مما يشكل انتقاصا من سيادته، خصوصا وان المغرب استطاع في ظل سياسة المصالحة الوطنية التأسيس لسياسة حقوقية أفضل شملت المناطق الجنوبية، وأصبح المغرب بالتالي يتوفر على آليات داخلية لمراقبة حقوق الإنسان مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وترسانة قانونية تجرم انتهاكات حقوق الإنسان وتعرض مرتكبيها لمحاكمات قضائية، بل ولقد تمت الإشادة بالإصلاحات التي تمت في الآونة الأخيرة بشهادة الأممالمتحدة في شخص أمينها العام S/في تقريره الأخير رقم 220-2013 وقد أشاد بان كي مون بتجربة التمثيلية الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان. كما تمت الإشادة أيضا في القرار رقم 1979 بتاريخ 27 أبريل 2011 الصادر عن مجلس الأمن، والذي ضمنه ترحيبه بإنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان. لقد حاولت الولاياتالمتحدة اللعب على وثر حقوق الإنسان من خلال تقديم مسودة مشروع أولي لمجلس الأمن يقضي بشأن توسيع مهام المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، مما أثار حفيظة السلطات المغربية و الأحزاب السياسية، وكذا فعاليات المجتمع المدني(باستثناء تلك التي تغرد خارج السرب)، مما دفعها للتحرك على جميع الأصعدة، وصوب كل عواصم الدول سواء الدائمة العضوية في مجلس الأمن أو تلك لها ارتباط أو تأثير في النزاع كإسبانيا مثلا. وتجدر الإشارة، إلى أن مهمة المينورسو، كما تم تحديدها في قرار مجلس الأمن رقم 690 الصادر في 29 أبريل 1991 خصوصا عقب اتفاق المغرب وجبهة البوليساريو في 30 غشت 1988 على وقف الاقتتال ، قد حددت وبدقة مهام وصلاحيات قوات الأممالمتحدة في مراقبة وقف إطلاق النار، والإشراف على تبادل الأسرى، وتنظيم الاستفتاء بعد تحديد هوية الناخبين المؤهلين وتسجيلهم. وبالتالي، فإن توسيع صلاحيات قوات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في المنطقة، يعتبر ليس فقط انتهاكا صارخا للاتفاقيات الموقعة بين طرفي النزاع (المغرب والبوليساريو)،والتي أفضت إلى إنشائها وتحديد مهمتها بدقة، وإنما تنتهك أيضا مقتضيات القانون الدولي من خلال تحوير محتمل لمجلس الأمن لمضامين اتفاق بين طرفي النزاع السابق ذكره، والذي أفضى بموافقتهما الصريحة على إنشاء قوات أممية لحفظ السلم في المنطقة موضوع النزاع، وبالتالي لا يمكن تغيير بنود الاتفاق إلا بموافقة المغرب وجبهة البوليساريو. كما يمكن لهذا التغيير، أن يهدد استقرار المنطقة برمتها، وهي التي توجد فوق صفيح ساخن في ظل التوترات في منطقة الساحل، وتواجد مجموعات مسلحة تتحين الفرصة للعبث باستقرار المنطقة الهش، والآثار الأمنية التي يمكن أن تترتب عن ذلك، والتي قد تطال أبعادها ليس فقط منطقة الساحل والصحراء بل وحتى المنطقة المتوسطية برمتها . وهو ما سجله كريستوفر روس في تقريره الأخير حول الصحراء عندما دعا إلى عدم الاستهانة بنزاع الصحراء لضمان الأمن الإقليمي في منطقة الساحل والصحراء. أسس الموقف الأمريكي وتداعياته قد يتساءل البعض حول المستجدات والدوافع التي كانت وراء المطلب الأمريكي من خلال مشروع قرارها السابق،ولماذا الآن بالضبط، ولماذا المغرب بالذات الذي كان يعتبر نفسه حتى أيام قليلة الحليف الاستراتيجي الذي لا يأتيه الفزع من فوقه ولا من تحته، مادامت الولاياتالمتحدة "راضية عنه"، وهو الذي شكل الاستثناء في الربيع العربي وحافظ على استقرار نظامه السياسي، حتى أصبح الجميع يتكلم عن "الاستثناء المغربي". لقد كانت الإشادة أمريكية فيما يتعلق بالمسلسل الديمقراطي بالمغرب، بل وبالاقتراح المغربي حول منح المناطق الصحراوية حكما ذاتيا موسعا، والذي اعتبر بناء من قبل الساسة الأمريكيين، فما الذي حدث بالضبط؟ هل للأمر علاقة بما يجري بمنطقة الساحل من توترات؟ أم الأمر يتعلق بتغيير الولاياتالمتحدة لدفة التحالفات تجاه الجزائر عفوا تجاه براميلها النفطية؟ أم الأمر له علاقة بظهور فاعل جديد في السياسة الخارجية الأمريكية وهو جون كيري الوزير الجديد للخارجية الأمريكية، والذي لم يخف قط عدائه للوحدة الترابية المغربية؟ أم الأمر كله عبارة عن تراكم للأخطاء في إدارة الملف من قبل المغرب؟ أولا لابد من التذكير بمعطيين أساسيين في السياسة الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية: المعطى الأول، وهو المصلحة، إذ لم تعر الولاياتالمتحدة قط اهتماما في سياستها الخارجية للعوامل الوجدانية كالعلاقات التاريخية التي ما فتئ المغرب يتشدق بها، فما يهمها هو المصلحة، وهذا ليس عيبا في العلاقات الدولية، لأنها أصلا علاقات نفعية- براغماتية، لا عدو دائم ولا صديق دائم وإنما مصالح دائمة. المعطى الثاني، مرتبط بتعامل الولاياتالمتحدة مع ملف الصحراء. فتاريخيا أثبتت هذه الأخيرة أنها وإن ساندت المغرب بقوة سياسيا وعسكريا في عهد رونالد ريغان وجورج بوش الأب وكذا بيل كلينتون،ودعمت بعض مبادرات المغرب لحلحة النزاع مثل مبادرة الحكم الذاتي، فإنها لم تؤيد قط سيادة المغرب على صحرائه والاعتراف بمغربية الصحراء كما فعل جيمي كارتر، الذي شدد على تقرير المصير في الصحراء، ونفس الشئ بالنسبة لجورج بوش الابن سنة 2003 عندما حاول من خلال مجلس الأمن فرض مشروع الحل المقدم من قبل الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة آنذاك جيمس بيكر، والقاضي بتطبيق الحكم الذاتي لأربع أو خمس سنوات ثم الانتقال إلى تنظيم استفتاء تقرير المصير، بل حتى اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية تستثني ضمنيا المناطق الصحراوية من مقتضيات الاتفاقية. ومع مجيء إدارة أوباما، بات جليا أن مسألة حقوق الإنسان ستشكل حجر الزاوية في مطالب الإدارة الأمريكية خصوصا مع تداعيات رفض المغرب استمرار المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس في مهامه، ثم قبوله مجبرا لعودته، وكذا مع توالي الأحداث في المنطقة من قضية اميناتو حيدر وتداعيات مخيم كديم ازيك ومحاكمة المتورطين في مقتل الجنود المغاربة في الحادث. إلا أن المعطى الأساسي يبقى هو تعويض هيلاري كلينتون بجون كيري على رأس الدبلوماسية الأمريكية، الذي يعتبر من السياسيين الأمريكيين الأكثر تأييدا للبوليساريو، وضغط رفقة أعضاء من مجلس الشيوخ في الماضي لكي تؤيد واشنطن بشكل صريح تقرير المصير، وكذا الدور الذي لعبته منظمة (روبرت كينيدي) التي كان ينتمي إليها جون كيري في الدفاع عن الخيارات الانفصالية للبوليساريو. إلا انه تجدر الإشارة، أن البعض يربط هذا التغيير في تعامل الإدارة الأمريكية مع قضية وحدتنا الترابية، بالتطورات التي تعرفها منطقة الساحل والصحراء، والتهديدات الصادرة عن الجماعات المسلحة، وعن تورط عناصر من البوليساريو في الأحداث تحت ذريعة الإحساس باليأس من الوضع القائم وانتشار البطالة والفقر، وفي ظل غياب أي حل محتمل للوضع القائم مع تشدد طرفي النزاع في مواقفهما، وهو ما أكد عليه بان كي مون في تقريره الأخير على لسان مبعوثه روس حين زيارته لمنطقة تندوف " ووجد مبعوثي الشخصي في اجتماعات مع جماعات شبابية وطلابية ونسائية أن الجيلين الثاني والثالث يشعران بالإحباط، ليس فقط بسبب انعدام إحراز تقدم في المفاوضات، ولكن أيضا بفعل غياب فرص العمل..". كما يمكن الحديث عن محاولات أمريكية لمغازلة الجزائر، وان تغيير الطرح الأمريكي وقوده النفط الجزائري، وأن ارتفاع أسعار النفط من جهة، رجحت كفة الجزائر في ميزان المصالح الأمريكية، حتى وإن أمكن التضحية بحليف تقليدي كالمغرب، وكذلك من جهة أخرى، بسبب ارتباطاتهما الثنائية في ظل التنسيق الأمني في قضايا الإرهاب، مع الإشارة إلى وجود قاعدة عسكرية أمريكية متنقلة سرية في جنوبالجزائر. الدبلوماسية المغربية، تاريخ حافل بالأخطاء في إدارة ملف الصحراء ما من شك أن النزاع في الصحراء دام أكثر من اللازم، وأن استنزف قدرات الإطراف المتنازعة خاصة المغرب والجزائر،فحسب مجموعة الأزمات الدولية ببلجيكا ، فإن تكلفة النزاع تبقى عالية جدا بشرية وسياسية واقتصادية سواء بالنسبة للدول المعنية مباشرة بالنزاع وبالنسبة للمنطقة ككل وبالنسبة للمجتمع الدولي على المستوى الأوسع، أكثر من ذلك فقد عمل النزاع على عرقلة قيام تطور في المنطقة المغاربية، بحيث عمل على استحداث تأجيل وتأخير من ناحية الاندماج والتكامل الاقتصادي، وعلى انخفاض في الاستثمارات الأجنبية وعلى معدلات نمو أكثر بطئا، بل إن المنطقة أصبحت منطقة تهريب للمخدرات والأفراد وعدد من السلع المحظورة في ظل تقصير تنسيق وتعاون امني. كما من شك أن المغرب ارتكب أخطاء كثيرة في إدارة الملف تتمثل في النقط التالية: - عدم القدرة على استثمار المنجزات المحققة في المنطقة للتدليل على الجهد المبذول من قبله في تأهيل المنطقة بشكل جعل منها أحيانا تتفوق على مناطق مغربية أخرى من حيث معدلات التمدرس والتطبيب والتشغيل والولوج للخدمات الأساسية ومحاربة الفقر والهشاشة الاجتماعية. - طغيان الهاجس الأمني في معالجة الملف دون تغليب المنهجية الديمقراطية من خلال الانفتاح على مطالب الشباب، بدل دعم القيادات والزعامات القبلية التي تكدس وفق لنظرية الريع الاقتصادي ثروات خيالية من رخص صيد، ومقالع ورخص نقل لكنها ما تفتأ تلعب على الحبلين في تعاطيها مع الأحداث في المنطقة. وقد بينت أحداث كديم ايزيك هذه الحقيقة. - عدم الاستغلال الإعلامي والسياسي لتدهور الوضع الإنساني في مخيمات تندوف حيث آلاف الأشخاص يحتجزون في ظروف غير إنسانية ضدا على الاتفاقيات الدولية المعنية, - تعثر مسلسل الإصلاحات السياسية والاقتصادية في المغرب، وإصرار بعض الأطراف السياسية على إدخال المغرب في مرحلة تيه سياسي قد يصيب بالإحباط جميع مكونات المجتمع المغربي. - غياب الاحترافية في تسويق الاستثناء المغربي والإصلاحات المغربية في مجال حقوق الإنسان، فمغرب قوي بصحرائه ووحدته الترابية يشكل صمام أمان للجميع, أما الإصرار على معاداة هذه الوحدة فمن شأنه إغراق المنطقة برمتها في فوضى عارمة. - العمل على فتح ملف الحدود الموروثة عن الاستعمار مع الجارة الجزائر، والعمل على إعادة ترسيمها بشتى الوسائل حتى تعي جيدا حقيقة مبدأ تصفية الاستعمار. - أن تكون الدبلوماسية المغربية قوية بكفاءاتها وقدرتها على خدمة المصالح العليا للوطن، لا مجالا للولاءات السياسية الضيقة. *أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بمراكش .