حذر الدكتور أحمد الريسوني، عالم مقاصد الشريعة، من المساس بحقوق الخدم والعمال الضعفاء خاصة في المجتمعات الخليجية، لافتا إلى أنه "من المفارقات المدهشة والمؤلمة في الوقت ذاته كون هذه المجتمعات هي الأكثر تدينا، والأكثر محافظة على مظاهر الدين وشعائره، ولكنها هي الأسوأ في معاملة الخدم والعمال الضعفاء، والأكثر دوسا لحقوقهم وكرامتهم". وعزا الريسوني، الذي كان يتحدث في ندوة حول العمالة الوافدة بمداخلة موسومة بعنوان "حقوق العمال، رؤية إسلامية" في جامعة حمد بن خليفة بالعاصمة القطرية الدوحة، هذا التناقض إلى "فهم قاصر مختل لطبيعة الدين ورسالته"؛ ومن ذلك أن كثيرا من المتدينين يظنون أنهم ما قصروا في طاعة الله والإحسانِ إلى عباده، بفضل صلوات ينقرونها وصدقات ينثرونها بين الحين والحين، وبحَجَّةٍ وعُمرة كل سنة أو سنتين... وتابع الريسوني موضحا "يظنون أن أعمالهم تلك كافِيَتُهُم ومانِعَتُهُم من الحساب العسير حول سوء معاملة المستضعفين وظلمهم، وإهدار كرامتهم وحقوقهم"، مشيرا إلى حديث صحيح مفاده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون مَنِ المفلس؟ قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا.. فيقعد فيقتص هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه من الخطايا، أُخذ من خطاياهم فطُرح عليه ثم طرح في النار". وتساءل المحاضر بأنه "إذا كانت بعض المظالم المعدودة قد تجعل صاحبها يوم القيامة مفلسا يُلْقَى به في النار، مع أنه صاحب صلاة وصيام وحج وزكاة...، فكيف بمن يدوسون كرامة الناس ولا يقيمون لها وزنا، بل يمحقونها ويُحِلون محلَّها الامتهان والاحتقار؟".. وتحدث الريسوني عن حقوق العمال والخدم بين العدل والفضل، فكلها عبارات جاء بها الشرع الحنيف ويستعملها العلماء للتعبير عن صنفين ودرجتين من الحقوق التي للعباد بعضِهم على بعض، فمنها ما هو واجب وفرض، وهو العدل الذي ليس دونه إلا درجة الظلم، ومنها ما هو من باب الفضل والبر والإحسان. وأفرد عالم المقاصد حيزا في مداخلته لمسألة وضع حقوق العمال بين الوازع السلطاني والوازع الديني، مبينا أن هناك من قد يطرح سؤالا مضمونه " أن حقوق العمال اليوم أصبح لها قوانينها الخاصة ومحاكمها الخاصة، ونقاباتها ومنظماتها الخاصة، الوطنية والدولية، فما حاجتها إلى المبادئ الدينية والمواعظ الأخلاقية؟". ويرد الريسوني على هذا السؤال بالقول إن المبادئ الدينية والأخلاقية هي أول ناصر للمستضعفين، وأول منبع لأفكار القانونيين، وهي أقدم مُلهم للمناضلين والمصلحين، موضحا بأنه في جميع مجالات الحياة والعلاقات البشرية، هناك مناطق لا تدخلها القوانين، وهناك وقائع لا يستطيع القضاء إثباتها، لكن العقيدة والأخلاق تتقدمان وتنفعان حيث تتوقف التدابير القانونية، وحيث تعجز الأحكام القضائية". وزاد المحاضر بأن "معظم المستضعفين لا يستطيعون الوصول إلى القضاء ومتابعة إجراءات التقاضي، ولا يستطيعون الوصول إلى المنظمات النقابية والحقوقية، فهل نترك هؤلاء بين مطرقة ظالميهم وسندان عجزهم؟ أم نسعفهم بتقوية الوازع الديني والحافز الخلقي، وبنشر ثقافة العدل والإحسان بين الناس؟" يتساءل الريسوني. وخلص إلى أن الشريعة ليست مجرد عقيدة وضمير، وليست مجرد نصائح ومواعظ، بل هي نفسها أتت ومعها سلطانها وقوتها التنفيذية الملزمة، ولذلك قال العلماء: إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فمن لم يستجب لداعي الإيمان والقرآن بإعطاء الناسِ حقوقَهم، جاءه السلطان فانتزعها منه وسلمها لأصحابها.