في بلد مثل اليابان، حيث ضرب الزلزال والتسونامي، بكل قوته، وقف المواطنون بشجاعة، وتضامنوا مع السلطات لكي تقف بلادهم من جديد، وهم مستعدون لتكرار ذلك، مع تكرار كل جائحة. ويمكن الرجوع للصور الموثقة لأخذ فكرة عن شجاعة وحكمة هذا النوع من الشعوب التي تصطف في طوابير منظمة، منتظرة دورها بانتظام لتلقي الإسعافات الأولية، والمساعدات الإنسانية في حالة حصول الكوارث. أما في البلدان المتخلفة، حيث تسود الفوضى في حافلات النقل العمومي وسيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة، وحيث لا يتم الاعتراف بحق الأسبقية، أو بحق الأفضلية، وحيث ينتشر النهب بجميع أنواعه، من القرصنة إلى الفساد المالي وصولا إلى الجرائم الصغيرة لإرهاب المواطنين؛ فدائما يكون هناك تهافت على كل ما هو مجاني، الأمر الذي يفرغ كل حملات التضامن من نجاعتها. ولا مجال للحديث عن "عزة النفس" أو "الكرامة" إلا في بعض الحالات. يحق للمغاربة اليوم أن يفخروا ببلدهم، لكن ذلك لا يمنع من الاعتراف بوجود من يفسد اللحظة بين ظهرانينا، ونحن نتابع أخبار التزوير والتلاعب في الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس كورونا.. هل كان من اللازم تدخل السلطات العمومية لضبط عملية استفادة مواطن بمراكش من عملية التلقيح ضد كوفيد 19، على الرغم من كونه خارج الفئات المستهدفة حاليا بحملة التلقيح الوطنية، بعدما قامت زوجته الصيدلانية بحشره في اللوائح عنوة؟ والأدهى من ذلك أنه نشر صورة توثق عملية سرقته للتلقيح على حائطه "الفيسبوكي" وكأنه حقق إنجازا عظيما. هل كان من الضروري أن نقرأ، ونحن في الأيام الأولى من الحملة، أخبارا عن توقيف خليفة قائد بتازة، بعد الاشتباه في تورطه رفقة معاونيه في تمكين ثمانية أشخاص غير مستحقين من تلقيح كورونا بشكل تفضيلي؛ و"التفضيل" هنا صيغة مخففة لتفادي الحديث عن "المحسوبية والزبونية". ويا لها من "كارثة أكبر من الجائحة" عند الحديث عن بعض أعوان السلطة الذين كانوا يعمقون جراح هذا الوطن بالتزامن مع انتشار كوفيد 19، من خلال التلاعب في المساعدات وتراخيص التنقل، ولولا الحزم وضبط الأمور لرجعنا إلى عهد "السيبة". التلقيح مجاني، والملك محمد السادس سهر بنفسه على إطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس كورونا لتشجيع المواطنين على التلقيح، وهي مبادرة جعلت المغرب يرفع رأسه بين الدول، كبلد سائر في طريق النمو والحداثة؛ لكن البعض يحاول حتما إفساد هذه اللحظة، فمقابل تهافت "غير المستحقين" على التلقيح، يقوم بعض المسؤولين بشكل انتهازي بتلقيح أنفسهم أولا، وهو أمر غير مقبول لأن الفئات المستحقة معروفة، ومحددة قانونا. إن جريمة سرقة اللقاح أو الاستفادة منه خارج الضوابط القانونية ليست جريمة عادية، بل هي خيانة وطنية ينبغي التعامل معها بكل صرامة؛ لأن كل تلقيح بإمكانه إنقاذ حياة مواطن من المستهدفين، وكل سرقة تعني "محاولة قتل مواطن"، لاسيما بالنسبة لحالات كبار السن. "التهافت" سلوك غير حضاري، ولا يمكن قبوله، مثله مثل الجهل، وإلا فما معنى أن يوجد بيننا من يسأل "هل التلقيح حلال أم حرام"، وكأنه يعيش خارج التاريخ؟.. فرجاء لا تفسدوا على المغاربة هذه اللحظة الوطنية، وبه وجب الإعلام.