الداخلية ترفع من درجات اليقظة والتعبئة لمواجهة التحديات المتعلقة بانتشار الجراد    دراسة: النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    دول عربية تعلن الأحد أول أيام عيد الفطر.. ومصر والأردن وسلطنة عمان وسوريا والعراق تحتفل به الإثنين    إيقاف شخص متلبس بمحاولة سرقة وكالة لتحويل الأموال في إمزورن    المغرب يمنع دخول نشطاء إسبان موالين للبوليساريو إلى العيون للمرة الثالثة في شهرين    (نارسا) تدعو مستعملي الطريق إلى اتخاذ الاحتياطات على خلفية حركية مكثفة للسير في العيد    أماكن وتوقيت صلاة عيد الفطر بالناظور    "حماس" توافق على مقترح للهدنة    نقاش "النقد والعين" في طريقة إخراج زكاة الفطر يتجدد بالمغرب    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة .. السيد لقجع يحث المنتخب الوطني على "تقديم مستوى يليق بسمعة الكرة الوطنية"    نقابات تطالب بحماية الموظفين خلال عملية توزيع الأعلاف.. وإشادة بمجهودات المديرة الإقليمية لوزارة الفلاحة بطنجة    من سيفطر غدا الاحد … بين الأحد والاثنين.. دول إسلامية تعلن موعد عيد الفطر    بمناسبة عيد الفطر.. فعاليات طنجة تتوحد في مسيرات شعبية دعما لغزة والقدس    عيد الفطر الاثنين في دول عربية    باها يتمنى التوفيق في "كان U17"    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    أسبوع إيجابي في بورصة البيضاء    الإفلات من العقاب: "فلسطين هي المكان الذي تموت فيه القوانين الدولية"    حالة طقس عيد الفطر بالمغرب .. استقرار مع ارتفاع في درجات الحرارة    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال بورما إلى أكثر من 1000 قتيل    غوارديولا: "لا نستحق الحصول على منح مالية ولا حتى ساعة يدوية"    المعارضة تحتج بكثافة في إسطنبول    صحة غزة: إسرائيل قتلت 50 ألفا و277 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر 2023    الرباط .. تنظيم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمسرح    أنبياء على الورق..    الحسيمة: إحباط عملية للهجرة غير المشروعة عبر المسالك البحرية    إلغاء الرحلات الجوية بمطار تطوان يُخلف حسرة في صفوف المسافرين    في الفرق الدلالي والسياقي بين مشهدية الناس ومنظورية العالم    أنشيلوتي: برشلونة لم يحسم الليغا.. ويويفا لن يعاقب رباعي الريال    مجلة ألمانية: طنجة ضمن أفضل 10 وجهات سياحية في 2025    بقاء داري يقسم آراء النادي الأهلي    وجدة .. وكالة الحوض المائي لمولوية تعقد اجتماع مجلس إدارتها لسنة 2024    اتحاد جمعيات حماية المستهلكين يناشد الملك توجيه الحكومة لتسقيف الأسعار ومراجعتها    خطب الجمعة: بين "تسديد التبليغ" وفقدان التأثير    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    على قلق كأن الريح تحتي!    الطالبي العلمي يرد على بركة: "ليس هناك 18 مستوردا وإنما 100 مستثمر في مجال استيراد الأغنام والمبلغ لا يصل إلى مليار و300 وإنما 300 مليون"    رقمنة الإستفادة من تعويضات العلاج ل"CNSS".. هذه هي الخطوات الجديدة التي يجب اتباعها من قبل المؤمن لهم    العلمي: لم أتلق ردا من المحكمة الدستورية بخصوص انسحاب الUMT من التصويت على قانون الإضراب    الصين تعتمد مخططا للتحول الرقمي للصناعة الخفيفة    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    معنينو يكشف "وثيقة سرية" عن مخاوف الاستعمار من "وطنيّة محمد الخامس"    ترجمة "نساء الفراولة" إلى العربية    الساسي يُقيم مشروع المسطرة الجنائية    المغرب التطواني يعبر لدور ثمن نهائي كأس العرش    لائحة الشركات التي تقدمت للإستفادة من الدعم المخصص لأضاحي العيد العام الماضي    الرميد يرد على لشكر: مهاجمة حماس وتجاهل إسرائيل سقوط أخلاقي وتصهين مرفوض    أوراق من برلين.. أوقات العزلة المعاصرة: اكتشاف الشعور الكوني    العامل المنصوري يبشر بمشروع "مدينة الترفيه والتنشيط" لتطوير إقليم تطوان وخلق فرص للشغل    عبد الرحيم.. نموذج مشرف للأمانة يعيد عشرة ملايين سنتيم إلى صاحبها في سوق إنزكان .    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    عمرو خالد: هذه تفاصيل يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.. مشاهد مؤثرة ووصايا خالدة    الديوان الملكي يعلن عن ثلاث تعيينات جديدة    بخصوص ما قاله الكاتب الأول عن فلسطين الآن!    مباريات كرة القدم للتأهل إلى المونديال إصابة أكرد تدمي قلب مشجع ستيني    سكان المغرب وموريتانيا أول من سيشاهد الكسوف الجزئي للشمس السبت    "الرزيزة" .. خيوط عجين ذهبية تزين موائد ساكنة القصر الكبير    









"المستشفى".. رواية تبعث أحمد البوعناني حيّا
نشر في هسبريس يوم 11 - 04 - 2013

قديما ‬قال ‬أحد ‬الفنانين: ‬ليس ‬بإبداع ‬ذاك الذي ‬يصدر ‬بمعزل ‬عن ‬المعاناة، ‬المرض ‬ليس عامل ‬ضعف ‬دائما، ‬بل ‬عامل ‬قوة ‬لدى ‬المبدعين.. وهذه ‬قصة ‬رجل ‬عليل ‬يحول ‬على ‬سرير ‬أبيضا ‬ملونا ‬ببقع ‬الدم، ‬وسيرة ‬ألمه، ‬إلى ‬ملحمة ‬في ‬رواية" ‬المستشفى.."‬
في ‬ليلة ‬دافئة ‬من ‬صيف 2006، ‬وتحديدا ‬في ‬شهر ‬يوليوز، ‬شبت ‬النيران ‬في ‬منزل ‬بحي ‬حسان ‬بالرباط، ‬تبدو ‬هذه ‬المعلومة ‬إلى ‬حد ‬الآن ‬حدثا ‬غير ‬ملفت، ‬لكن ‬الأمر ‬لم ‬يكن ‬يتعلق ‬بدار ‬عادية ‬على ‬الإطلاق، ‬بل ‬هو ‬منزل ‬مثقف ‬ومخرج ‬وروائي ‬ورسام ‬وشاعر ‬مزعج، ‬لذلك ‬تناسلت ‬تفسيرات ‬مُتضاربة ‬للحادث، ‬بين ‬من ‬يرى ‬أن ‬الحريق ‬نشب ‬بفعل ‬فاعل ‬كان ‬يقصد ‬إقبار ‬إرث ‬مبدع، ‬وبين ‬من ‬يقول ‬بأنه ‬حادثة ‬عرضية، ‬لعلها ‬فقط ‬شغب ‬أطفال ‬أو ‬نزق ‬مراهقين.. ‬لكن ‬الكل ‬أجمع ‬على ‬أن ‬الخسارة ‬كانت ‬فادحة، ‬خصوصا ‬وأن ‬صاحب ‬البيت ‬كان ‬كثير ‬الكتابة ‬وقليل ‬النشر، ‬يكتب ‬ويُعيد ‬الكتابة، ‬ثم ‬يرمي ‬ما ‬كتب ‬في ‬الرف ‬دون ‬أن ‬يُعلم ‬به ‬أحد، ‬احترقت ‬العديد ‬من ‬الدفاتر ‬والمخطوطات، ‬وأحرق ‬معها ‬جزء ‬من ‬الذاكرة ‬الجماعية ‬للمغاربة.‬
‬بعد ‬أشهر ‬من ‬الحادث ‬ظهرت ‬نسخ ‬رواية ‬للراحل ‬حديثا ‬أحمد ‬البوعناني، ‬لم ‬يكُن ‬الوسط ‬الثقافي ‬قد ‬التفت ‬إليها ‬من ‬قبل، ‬لم ‬توجد ‬في ‬رفوف ‬المكتبة ‬الوطنية ‬بالرباط، ‬ولا ‬في ‬باقي ‬مكتباتنا، ‬ولا ‬في ‬المكتبة ‬المركزية ‬بباريس ‬التي ‬كتبت ‬بلغتها، ‬بل ‬كانت ‬خلف ‬الأطلسي، ‬في ‬مجموعة ‬من ‬مكتبات ‬الجامعات ‬الأمريكية، ‬بعيدة ‬عن ‬عبث ‬الأطفال ‬وأيادي ‬المتآمرين، ‬ما ‬جعل ‬إعادة ‬نشرها ‬أمرا ‬ممكنا.. ‬وقبل ‬أقل ‬من ‬أسبوعين ‬ستظهر ‬رواية ‬‮«‬المستشفى‮»‬ ‬في ‬طبعة ‬مغربية ‬جديدة، ‬ليبعث ‬البوعناني، ‬كممثل ‬لتجربة ‬جيل ‬ومرحلة، ‬ومعهما ‬تجربة ‬وطن.‬
الكتابة ‬أولا
إذا ‬كان ‬الوسط ‬الفني ‬يعرف ‬أهمية ‬تجربة ‬أحمد ‬البوعناني ‬السينمائية، ‬بصفته ‬مخرجا ‬لفيلم ‬‮«‬السراب‮»‬، ‬وكاتب ‬سيناريو ‬ومصورا ‬متبصرا ‬بزوايا ‬الالتقاط، ‬فإن ‬النقاد ‬والجمهور ‬بمعناه ‬الواسع ‬لا ‬يعرفون ‬أن ‬السينما ،‬على ‬الرغم ‬من ‬أنها ‬تمثل ‬شغف ‬الفقيد، ‬كانت ‬تحتل ‬المرتبة ‬الثانية ‬من ‬بين ‬أولوياته، ‬بعد ‬الكتابة ‬التي ‬كانت ‬شغفه ‬الأول، ‬ذلك ‬ما ‬تخبرنا ‬به ‬ابنته ‬تودة ‬التي ‬تقول ‬‮«‬لقد ‬كانت ‬الكتابة ‬هي ‬شغفه ‬الكبير، ‬كان ‬يكتب ‬ثم ‬يعيد ‬الكتابة ‬عشرات ‬المرات، ‬يتمثل ‬طريقة ‬هنا، ‬ويغيرها ‬في ‬الأسلوب ‬والصيغة ‬التي ‬تليها ‬عدة ‬مرات، ‬لكنهُ ‬كان ‬مُقِلاً ‬في ‬النشر، ‬نشر ‬فقط ‬ثلاثة ‬دواوين ‬شعرية، ‬ورواية ‬واحدة ‬وهي ‬المستشفى»‬.‬
تودة، ‬طفلة ‬البوعناني ‬التي ‬صارت ‬اليوم ‬أما، ‬والتي ‬تخلت ‬مؤقتا ‬عن ‬عملها ‬الفني، ‬وتفرغت ‬لرعاية ‬الإرث ‬الثقافي ‬المنسي ‬الذي ‬خلفه ‬والدها، ‬وهي ‬التي ‬ورثت ‬الكثير ‬من ‬ملامحه، ‬كان ‬في ‬طريقة ‬تعبيرها ‬وحكيها ‬كثير ‬من ‬الكمد، ‬لم ‬يكن ‬تحديدا ‬حزن ‬فتاة ‬فقدت ‬والدها ‬حديثا، ‬بل ‬شجن ‬مُعجبة ‬لم ‬ينصف ‬بطلها ‬في ‬حياته، ‬حملت ‬على ‬عاتقها ‬أن ‬تعرف ‬بتراثه ‬لعلها ‬تُنصفه ‬في ‬مماته.
‬الشابة ‬التي ‬اختارت ‬قصة ‬شعر ‬قصيرة ‬عكس ‬الراحل، ‬والعينين ‬الأرقتين ‬مثله، ‬تشرح ‬لنا ‬بكثير ‬من ‬التأثر، ‬تفاصيل ‬عن ‬الأب ‬الذي ‬صار ‬في ‬السماوات، ‬وجزءا ‬من ‬ذاكرته ‬التي ‬تستريح ‬على ‬الرفوف، ‬وبقية ‬أجزاء ‬الذاكرة ‬التي ‬دونت ‬بالقلم، ‬تقول: ‬‮«‬صحيح ‬أنه ‬ضاعت ‬نتيجة ‬حادث ‬حرق ‬البيت ‬الكثير ‬من ‬مخطوطاته، ‬ونحن ‬لا ‬نعرف ‬الرقم ‬تحديدا، ‬إذ ‬لم ‬يكن ‬والدي ‬أخبر ‬أحدا ‬عن ‬مجموع ‬ما ‬أنجز، ‬ولا ‬قام ‬بجرد ‬عناوين ‬كُتبه ‬في ‬دفتر ‬مُنفصل، ‬لكن ‬الجيد ‬هو ‬أنه ‬كان ‬يكتب ‬كثيرا، ‬وعن ‬كل ‬دفتر ‬وضع ‬أربع ‬أو ‬خمس ‬ديباجات ‬معدلة‬‮»‬، ‬قبل ‬أن ‬تخبرنا ‬أنها ‬تنوي ‬نشر ‬بقية ‬الدفاتر ‬تباعا، ‬خصوصا ‬بعد ‬اكتمال ‬نشر»المستشفى‮»‬، ‬في ‬فرنسا ‬والمغرب، ‬بالفرنسية ‬التي ‬كُتبت ‬بها، ‬والعربية ‬التي ‬تُرجمت ‬إليها ‬وستصدر ‬بعد ‬أسابيع.‬
السُلُ ‬ملهما
الزمان: ‬ليالي ‬ونهارات ‬سنة ‬1967، ‬المكان: ‬جناح ‬أمراض ‬الجهاز ‬التنفسي ‬بمستشفى ‬مولاي ‬يوسف ‬بالرباط؛ ‬شبه ‬حجر ‬طبي ‬على ‬النزلاء ‬المصابين ‬بأمراض ‬بعضها ‬مُعدية، ‬أناس ‬كسرهم ‬المرض، ‬معظمهم ‬من ‬أوساط ‬فقيرة، ‬قدموا ‬من ‬سلا ‬ونواحي ‬الرباط، ‬أغلبهم ‬الآن ‬رحلوا ‬عن ‬دنيانا، ‬لكن ‬قدرهم ‬كان ‬أن ‬يصاب ‬البوعناني ‬ساعتها ‬بالسُل، ‬ويخلدهم ‬في ‬رائعته ‬‮«‬المستشفى‮»‬.
‬كان ‬البوعناني، ‬الذي ‬وُلد ‬سنة ‬1938، قد ‬أصيب ‬بالمرض ‬ليحول ‬إلى ‬مستشفى ‬مولاي ‬يوسف ‬بالرباط، ‬اشتغل ‬البوعناني ‬على ‬رفاق ‬المرض ‬لا ‬كحالات ‬مرضية ‬تتطلب ‬العلاج، ‬بل ‬كنماذج ‬حقيقية ‬من ‬صلب ‬المجتمع ‬المغربي، ‬فنقل ‬تأملاتهم ‬عن ‬الحياة ‬والموت، ‬والحب ‬والكراهية، ‬الإيمان ‬والانفلات... ‬مع ‬حفظ ‬الألقاب ‬لكل ‬منهم، ‬بتسميات ‬تؤشر ‬على ‬أبناء ‬الهامش ‬‮ «أوكي- ‬الحزقة- ‬الليترو- ‬القرصان- ‬أرغان‮»‬، ‬وحفظت ‬تلك ‬الشخصيات ‬النماذج ‬في ‬ذاكرته، ‬إلى ‬أن ‬قرر ‬رسمها ‬بالكتابة ‬على ‬أوراقه ‬سنة .1978
‬بعدها ‬بسنتين ‬أعاد ‬كتابتها، ‬وتحدث ‬من ‬خلالها ‬عن ‬نفسه، ‬كيف ‬كان ‬ينظر ‬إلى ‬الجموع ‬المحيطة ‬به، ‬ودخل ‬في ‬لعبة ‬تحد ‬مع ‬فضاء ‬المستشفى، ‬المكان ‬الشاسع ‬البارد ‬والشبيه ‬بالسجن، ‬الذي ‬يعتبر ‬نموذجا ‬عن ‬الحياة، ‬لكنه ‬مكان ‬أقرب ‬إلى ‬الموت ‬منه ‬إلى ‬الحياة، ‬فيقفز ‬إلى ‬طفولته ‬وذكرياته، ‬أو ‬يقفز ‬عبر ‬أحد ‬جيرانه ‬في ‬الغرفة، ‬فيكتشف ‬عوالم ‬جديدة ‬وآفاق ‬أرحب.‬
البوعناني ‬والموت
في ‬علاقته ‬بالموت ‬مثلا، ‬نقرأ ‬في ‬متن ‬الرواية: ‬‮«‬الآن ‬صرت ‬أرافق ‬الموت ‬كل ‬يوم. ‬لهذا ‬لم ‬أعد ‬أخشاه ‬على ‬الإطلاق. ‬أراه ‬في ‬أعين ‬رفاقي، ‬مرتديا ‬هو ‬الآخر ‬‮«‬بيجامة‮»‬ ‬زرقاء ‬قذرة. ‬مدخنا ‬كما ‬الجميع ‬تبغا ‬رديئا، ‬ومرددا ‬أحاديث ‬فارغة ‬في ‬انتظار ‬الغروب. ‬لا ‬يختبئ ‬في ‬الأماكن ‬المعتمة، ‬خلف ‬المنحدرات، ‬أسفل ‬الأسرّة، ‬في ‬المراحيض ‬الرطبة ‬والنتنة. ‬يجالسنا ‬الموت ‬على ‬الطاولة ‬نفسها. ‬يضحك ‬حين ‬نضحك، ‬يشاركنا ‬الحماقات، ‬ثم ‬يقودنا ‬إلى ‬أسرتنا ‬كما ‬يُقتاد ‬الصبية ‬الذين ‬يرفضون ‬النوم ‬باكرا. ‬هل ‬ينتظر ‬عند ‬عتبة ‬الأجنحة ‬إلى ‬أن ‬تنطفئ ‬الأعين، ‬وتنعس ‬الأجساد ‬في ‬الظلمة؟‮»‬.‬
وعن ‬الرواية ‬وسياقها ‬بين ‬بقية ‬أعمال ‬البوعناني، ‬يخبرنا ‬عامر ‬الشرقي، ‬الناقد ‬السينمائي ‬والأستاذ ‬الجامعي: ‬‮«‬هي ‬تجلي ‬آخر ‬من ‬بين ‬التجليات ‬الفنية ‬للبوعناني، ‬هي ‬تعبير ‬يقرأ ‬به ‬الفقيد ‬عالمنا، ‬هي ‬لا ‬تختلف ‬عن ‬بقية ‬إبداعاته، ‬مقالاته ‬في ‬مجلة ‬أنفاس، ‬فيلمه ‬السراب..‬‮»‬، ‬فبالنسبة ‬إلى ‬الشرقي ‬البوعناني ‬ينحو ‬في ‬رواية ‬‮ «المستشفى‮»‬ ‬منحى ‬فيه ‬كثير ‬من ‬اللغة ‬الشعرية ‬والوعي ‬بالذات ‬وبالواقع ‬المغربي ‬المحيط، ‬هذه ‬الرواية ‬تقدمه ‬كمثقف ‬مناضل ‬وصاحب ‬رأي، ‬يحمل ‬هم ‬الإبداع ‬والمبدعين ‬والطموحات ‬الكبرى ‬للناس ‬والوطن، ‬رأي ‬الشرقي ‬تشاطره ‬ابنة ‬الراحل ‬تودة ‬حينما ‬تصف ‬النص ‬بالقوة ‬والعنف ‬والدرامية ‬والكثير ‬من ‬الحب.‬
أول ‬نشر ‬للكتاب ‬كان ‬سنة ‬1990، ‬ولكن ‬الكتاب ‬لم ‬يوزع ‬على ‬نطاق ‬واسع، ‬أو ‬سحبه ‬من ‬أزعجه ‬صوت ‬الراحل ‬وقلمه، ‬ولم ‬تظهر ‬الرواية ‬فعليا ‬إلا ‬قبل ‬أيام، ‬إذ ‬أعيد ‬نشرها ‬في ‬مراكش ‬وباريس ‬بالفرنسية، ‬عن ‬دار ‬الكتاب ‬ويُرتقب ‬أن ‬تكون ‬ترجمتها ‬إلى ‬العربية ‬جاهزة ‬في ‬المعرض ‬الدولي ‬للكتاب ‬المرتقب ‬نهاية ‬مارس، ‬عن ‬تجربة ‬إيجاد ‬الكتاب ‬ثم ‬نشره ‬يخبرنا ‬عمر ‬برادة، ‬الشاب ‬ناشر ‬الكتاب ‬بالمغرب: ‬‮«‬لما ‬عرفت ‬أن ‬هناك ‬كتابا ‬بتلك ‬التسمية ‬للمخرج ‬المعروف، ‬بدأت ‬في ‬البحث ‬عنه، ‬واستمر ‬بحثي ‬عدة ‬أشهر ‬دون ‬فائدة، ‬فقط ‬وجدتُ ‬نسخة ‬مستعملة ‬في ‬فرنسا، ‬وكُنت ‬بحثت ‬في ‬مختلف ‬مكتبات ‬المغرب، ‬ثم ‬في ‬جامعات ‬فرنسا ‬ومكتباتها، ‬ولم ‬أجد ‬نسخا، ‬إلا ‬في ‬الجامعات ‬الأمريكية.. ‬لما ‬قرأت ‬الكتاب ‬وجدتُ ‬أنه ‬مهم ‬وأن ‬إعادة ‬نشره ‬أمر ‬لازم، ‬وذلك ‬ما ‬قمنا ‬به ‬بمساعدة ‬السيدة ‬تودة ‬ابنته‮»‬.
‬ويرى ‬عمر ‬أن ‬أهمية ‬الكتاب ‬تتجلى ‬في ‬أنه ‬متميز ‬عن ‬الروايات ‬التي ‬كتبها ‬مؤلفون ‬مغاربة ‬بالفرنسية، ‬فهو ‬حتى ‬وإن ‬كان ‬مكتوبا ‬بالفرنسية، ‬فإن ‬القارئ ‬يجد ‬فيه ‬المغرب ‬والعربية ‬والعامية ‬هي ‬النفس ‬الحقيقي، ‬لأنه ‬مكتوب ‬من ‬داخل ‬مغرب ‬الستينيات، ‬ومؤرخ ‬لمرحلة ‬وجيل ‬بعد ‬الاستقلال.‬
قال ‬العقاد ‬يوما ‬‮«‬أكتب ‬لأن ‬حياة ‬واحدة ‬لا ‬تكفيني‮»‬، ‬وقصة ‬رواية ‬‮«‬المستشفى»‬ ‬للبوعناني، ‬تُمثل ‬دليلا ‬جديدا ‬لقدرة ‬الكتاب ‬والشعراء ‬على ‬الانبعاث ‬المتجدد، ‬كطائر ‬العنقاء ‬في ‬الأسطورة ‬الإغريقية، ‬الذي ‬يَصَعد ‬من ‬تحت ‬الرماد، ‬كلما ‬ظن ‬الناس ‬أن ‬النار ‬خبَتْ، ‬ليُزعج!‬‬
البوعناني ‬المتفرد
قال ‬محمد ‬الخضيري، ‬مترجم ‬رواية ‬‮«‬المستشفى‮»‬ ‬إلى ‬العربية، ‬إن ‬هذا ‬العمل ‬الأدبي ‬يشكل ‬أحد ‬أهم ‬الأعمال ‬الأدبية ‬المغربية.. ‬وأهم ‬ما ‬في ‬مشروع ‬إعادة ‬نشرها، ‬الذي ‬تحقق ‬بفضل ‬إصرار ‬زوجته ‬نعيمة ‬سعودي ‬التي ‬رحلت ‬قبل ‬أسابيع ‬قليلة ‬عن ‬عالمنا ‬وابنته ‬تودة، ‬وناشريه ‬بالمغرب ‬وفرنسا ‬عمر ‬برادة ‬ودافيد ‬روفيل، ‬هو ‬أن ‬بإمكان ‬القارئ ‬المغربي ‬أن ‬يستعيد ‬صوتا ‬أدبيا ‬غُيّب ‬لمواقفه ‬المبدئية ‬من ‬الحياة ‬الثقافية ‬بالمغرب.
‬يقول ‬الخضيري ‬إن ‬‮«‬المستشفى»‬ ‬حالة ‬خاصة ‬في ‬الأدب ‬المغربي ‬المعاصر، ‬تحكي ‬لنا ‬الحياة ‬الجوانية ‬لرجل ‬يدخل ‬مستشفى ‬وسيرته، ‬بقدر ‬ما ‬تحكي ‬قصة ‬مجتمع ‬يعيش ‬التحلّل ‬والقسوة. ‬لكن ‬في ‬عمق ‬‮«‬المستشفى‮»‬ ‬وفوضاه ‬يوجد ‬فرح ‬رجال ‬لا ‬يكثرتون ‬لمصيرهم ‬الغامض.. ‬أحمد ‬البوعناني ‬هو ‬واحد ‬من ‬الأصوات ‬الأدبية ‬والسينمائية ‬الأكثر ‬أصالة ‬في ‬السينما ‬المغربية. ‬
أعماله ‬السينمائية ‬والإبداعية ‬تشهد ‬على ‬تصور ‬معاصر ‬للأدب، ‬ينخرط ‬في ‬سؤال ‬كان ‬محوريا ‬في ‬سنوات ‬الستينات ‬وهو ‬كيف ‬نخلق ‬أدبا ‬مغربيا ‬معاصرا ‬وتحرريا؟ ‬هذا ‬السؤال ‬رافق ‬البوعناني ‬طيلة ‬حياته، ‬لأن ‬في ‬رواية ‬‮«‬المستشفى‮»‬، ‬وأعماله ‬الشعرية ‬و ‬السينمائية، ‬استحضار ‬قوي ‬للثقافة ‬الشعبية ‬المغربية، ‬إلى ‬جانب ‬مرجعيات ‬أدبية ‬عالمية. ‬
هكذا ‬نجد ‬نفسنا ‬أمام ‬مزج ‬أصيل ‬نادرا ‬ما ‬يتحقق، ‬بين ‬كتابة ‬سلسة ‬تنتمي ‬إلى ‬الثقافة ‬المعاصرة ‬ومرجعيات ‬شعبية ‬تشرَح ‬الواقع ‬المغربي ‬كما ‬هو. ‬صحيح ‬أن ‬بوعناني ‬كتب ‬بفرنسية ‬ذات ‬دفق ‬شعري ‬متميز، ‬لكن ‬فرنسيته ‬انطلقت ‬دائما ‬من ‬العربية ‬المغربية، ‬وكتبت ‬للمغاربة ‬أساسا.‬
* من العدد ال3 لمجلّة هسبريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.