كشف آخر استطلاع للرأي أعلنت نتائجه في بداية أبريل الجاري أن شعبية رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران ما تزال مرتفعة، وأن عاما ونصف العام من تدبير الشأن العام لم تؤثر على شعبية الرجل، حيث كانت مؤشرات هذا إيجابية و تتجاوز نسبة الخمسين بالمائة. ورغم أن نتائج هذا الاستطلاع كانت إيجابية، إلا أنها لم تلغ أمرا واقعا هو أن دائرة "المسيئين" لرئيس الحكومة عبد الإله بن كيران تتسع شيئا فشيئا ومع الأيام، وهي دائرة ليست محصورة فقط في خصومه أو بعض حلفائه بل شملت حتى أنصاره ومحبيه وربما قيادات في حزبه أو حتى وزراء حزبه داخل الحكومة. ولئن كان طبيعيا أن تشمل دائرة خصوم بن كيران شرائح واسعة ومتنوعة من نخبة المغرب، فإن غير العادي هو انخراط "محيط" رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران في حملة الإساءة له ولتجربة الحكومة المختلطة التي يقودها الإسلاميون. المسيئون لبن كيران هم تجمع "نداء الإصلاح الديمقراطي" الذي خرج إلى العلن، بعد خطاب 9 مارس، في لحظة حاسمة سببت قطيعة "عملية" بين أطراف "النداء" وبين حراك الشارع المتمثل في حركة 20 فبراير، حيث دافع "النداء" عن بديل "غير احتجاجي" سمي بخيار الإصلاح في إطار الاستقرار. "نداء الإصلاح الديمقراطي" المكون من حركة التوحيد والإصلاح، وحزب العدالة والتنمية، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب وامتداداتهما، وهي المظلة التي اجتمع تحتها كل "الشركاء الاستراتيجيون" الإصلاحيون، اختفى من الوجود بشكل فجائي ومن غير مقدمات تماما كما ظهر. "النداء" الذي انتصر "للخيار الثالث" كما تقول أوراقه، والذي عمر من 17 مارس تاريخ الولادة، وشيعته جريدة "التجديد" إلى مثواه الأخير في صفحتين فقط، خلد الذكرى الثانية لقراءة بيان ميلاد "نداء الإصلاح الديمقراطي"، وكان كله حديثا عن التاريخ. لقد أساء "نداء الإصلاح الديمقراطي" مرتين لبن كيران، الأولى حينما فصل قطاعا واسعا من أبناء تنظيمات "النداء" عن المشاركة في حركة 20 فبراير، والإساءة الثانية هي صمت "النداء" المطبق عن الخوض في الشأن العام، منذ تعيين الحكومة وتنصيبها، وتخليه عمليا عن خياره الثالث خيار "الاصلاح في إطار الاستقرار". المسيئون لبن كيران موجودون داخل الحزب أيضا، وعلى رأسهم برلمانيو المصباح، الذين لم تترجم كثرتهم العددية إلى فعل تشريعي من نفس الحجم، رغم وجود استثناءات كفؤة تؤدي عملها النيابي بشكل يعود على الحزب بالنفع. الفريق النيابي الكبير لحزب المصباح، وعلى غير المتوقع انخرط عدد مهم من أعضائه، في ما وصفه أبوزيد المقرئ الإدريسي بالتهافت على الدنيا، وهو ما كان مناسبة لكلمة لن تنسى في خلوة الفريق بضاية الرومي بالخميسات. ولقد أساء هذا البعض من برلمانيي المصباح إلى بنكيران بحكم أن العدد غير القليل فتحوا باب منافسة جدية على الملبس الغالي "السينيي"، والمركب الأحدث والأغلى، بل منهم من جعل البرلمان ركيزة لإقامة نشاط اقتصادي، مبني على الأصل التجاري الجديد الذي وفره المقعد النيابي، وهي ردة تناقض ما دعا إليه الحزب في مذكرته الإصلاحية من خلال فصل التجارة عن الإمارة. ولقد أساءوا ثانيا من خلال تحويل اللقاءات والاجتماعات الحزبية إلى مناسبات للتباهي، في وقت تمر فيها البلاد بمرحلة دقيقة اقتصاديا، وتعلن الحكومة سلسة إجراءات تقشفية تمس فئات واسعة من الشعب في قدرتها الشرائية، وينبرون مناقضين لسلوكهم مدافعين عن الإجراءات التقشفية للحكومة. المسيئون لبن كيران، هم أيضا بعض وزراء حزبه، الذين اختيروا بشكل فريد و ديموقراطي للوزارة، غير أنهم اختاروا دواوينهم ومستشاريهم بعيدا عن الرقابة ووفقا لما يرونه وتبعا لرغباتهم، فكان أن اختار بعض الوزراء من لا يستحقون حتى درجة "شيفور"، وعينوهم مستشارين في ديوان الوزارة، في وقت طالب الحزب وقبله الشعب بمغرب الكفاءة. ويسيئ بعض وزراء بن كيران إليه، لأنهم ببساطة لا ينسقون معه ولا يلتقيهم ولا يخبرونه بما يدور داخل وزاراتهم، إلى الحد الذي دفع بنكيران إلى وصف أحد وزرائه " السي فلان كنشوفوا أنا ومراتي في التلفزة"، بل صار بعضهم يتحرج من الحضور إلى أنشطة الحزب تحت ذريعة أن منصبه اليوم في الدولة حساس و يشعره بالحرج من المشاركة في أي نشاط حزبي. ويسيئ لبن كيران بعض الوزراء العاجزين عن تدبير وزاراتهم، والذين صاروا أحرص على عدم مخاصمة "مسامر الميدة" في الوزارة، بل بلغ الأمر ببعضهم إلى أن تخلو نهائيا عن قطاعاتهم، وصارت رئاسة الحكومة المدبر المباشر لتلك القطاعات. وأساء لبن كيران جمهور عريض من منتسبي مشروعه، الذين كلما خاطبهم بن كيران صفقوا له وهللوا، وكلما طلب دعمهم اختاروا عدم الإجابة، مثلما حدث في آخر مهرجان خطابي في الدارالبيضاء، بمناسبة انطلاق قافلة المصباح السادسة، حين رفعوا شعار "إلى الأمام يا بن كيران"، فكان أن أجابهم على سليقته، "ايييه بن كيران إلى الأمام، وانتوما..."، فسكتوا برهة... ثم ضحكوا، وصفقوا.