لمْ يكن التقريران اللذان قدمهمَا كلٌّ من وزير الاقتصاد والمالَّية، نزار بركة، والوزِير المكلف بالميزانيَّة، إدريس اليَزَمِي، حولَ الوضعية الاقتصاديَّة التي تمرُّ بها البلاد، ليمُرَّا مرورَ الكرام، إذ سارعَ زعماء الأغلبيَّة المتصدعة، إلَى تبرئة ذمتهم مما بلغتهُ الماليّة العمومية، بعدَ وصول نسبة العجز إلى 7.1 بالمائة بسبب ارتفاع نفقات الدولة، واستمرار إشكالية صندوق المقاصة، الذِي التهمَ 55 مليار درهم، العام الماضي. الأمين العامُّ للحركة الشعبيَّة، امحند العنصر، حذٍّر في خرجة له من السقوط، بينمَا وجهَ شباط دعوةً لبنكيران لزيارة "بويَا عمر" حتَّى يطرُدَ التماسيح والعفاريت، ويعود للاشتغالِ في مكتبه، محذراً من زيادات في الاسعار قد تقدمُ عليها الحكومة، مؤكداً أنَّ معارضته لبعض القرارات جنبت السير إلى الهاويَة في كثير من اللحظات. فيمَا قال الأمينُ العام لحزب التقدم والاشتراكيَّة، محمد نبيل بن عبد الله، إنَّ حزبه وقفَ ضدَّ تخفيض ميزانيَّة الاستثمَار ب15 مليَار درهم. فِي ظلِّ ما يثَارُ حولَ أزمةٍ، ما فتئَ المسؤولونَ ينفنونَ هبوبها على المغرب، يتساءلُ كثيرٌ من المغاربَة، عمَّا يمكنُ أن تحملهُ الأيامُ القادمَة، في حالِ لم تتخذْ قرارات حاسمة لإصلاح ما يمكنُ إصلاحه، سيمَا أنَّ بعضَ ما سرب من نقاشات المجلس الحكومي، حملَ أنباءً غير سارة تفيدُ إقدامَ الحكومة على الرفع من أسعار المحروقات وتخفيض رواتب الموظفين، وهيَ إجراءات ستضرر الطبقة المتوسطة منها، بشكل كبير، في حال أجريت. الباحث والمحلل الاقتصادي، عمر الكتَّانِي، يرَى أنَّ الأزمة في المغرب اجتماعيَّة قبلَ أن تكونَ اقتصاديَّة، إذَا ما استحضرنَا البطالة التي يعيشها الشباب، تنضافُ إليها أزمة ماليَّة، تهمُّ التوازنات المالية للدولة. وعليه فإنَّ لا وجودَ لازمة اقتصاديَّة، حسب الكتانِي، لأنَّ اقتصادَ الريع تسيرُ أمورهُ بشكل جيد فِي المغرب، وهو المهيمنُ على الاقتصادِي الوطني، أولا لأنَّ النمو الاقتصادي في المغرب، يوجدُ منذُ عدة سنوات في حدود 4 بالمائة، وهو ليسَ بالمعدل السيء؛ ثانيا الأبناك المغربيَّة تحقق نسبة أرباح قدرها 9 في المائة، وهيَ نسبةٌ عالية جدًّا؛ وثالثا لأن القطاع الخَاص قال البنكُ الدولي إنَّ وضعيتهُ جيدة. الأكاديميُّ المغربيُّ يضيفُ، في حديثٍ لهسبريس، أنَّ الحكومة تحاولُ تغطية العجز بأساليب ضريبيَّة تقليديَّة من شانها أن تولدَ الضغط. أمَّا الطبقة المتوسطة، في الواقع، فتبقَى غائبة، لأنهُ إذا مَا عرَّفنا الطبقة المتوسطة بتلك التي تملكُ سكناً وسيارة مقابلَ دفعها أقساط الديون، في حين لا قبل حتَّى بالدين لدَى الطبقة الفقيرة، فإنَّ ما يسمَّى بالطبقة المتوسطة في المغرب لا تظلُّ قادرةً بعد دخولها في دين لشراء عقار، على تغطية باقِي النفقا. ومن ثمةَ يخلصُ الدكتور الكتاني، إلى أنهُ بالمفهوم التقليدي للطبقة المتوسطة، لا وجودَ لهذه الأخيرة، إذ هناكَ طبقةٌ غنيَّة، وهناكَ طبقةُ سائرة في طريق بلوغ الطبقة المتوسطة، وإذا ما ظلت الضرائب في منحَى الارتفاعِ بالمغرب، فإنَّ تلكَ الطبقة ستلتحقُ بالطبقة الفقيرة، لأنَّ الموظف الموجود خارجَ السلم على سبيل المثال في المغرب، والذِي يتقاَضى قرابة 12.000 درهم، وينفقُ ثُلُثَيْ الأجرة على تدريس الأطفال، لا يتبقَى لهُ النصيب الكافِي كيْ يدبِّرَ أموره، وبالتَّالِي فإذَا ما شهدت الضرائب زيادةً جديدةً فإنَّه سيكون في ضائقةٍ كبيرة. ويردفُ الكتانِي أنهُ أمامَ عجزِ الحكومة، عن استخلاص الأموال مما نهبه الفساد، تمَّ التوجه نحو الطبقة المتوسطة، التي تعيشُ دونَ توفير. في ظل ارتفاع تكاليف الحياة. الحكومة لم تستطعُ إخضاع الأثرياء، بالمضاربات التي يدخلون فيها، والريع الذِي يستفيدون منهُ كالمأذونيات والأراضي، واميتيازات الاستغلال الأخرَى، فتوجهت نحوَ الطبقة المتوسطة. وعمَّا إذا كان بنكيران يؤثر استهدافَ الطبقة المتوسطة دون الأثرياء، قال الدكتور الكتاني إنَّ بنكيران لا يستطيعُ بالأحرى الدخول في مواجهة مع عرابِي الريع، فهو دخل في عدة ملفات وتمَّ صدهُ، والمؤسف هوَ أنه كان على الإسلاميين حين عجزُوا عن الضغط على الدولة، أن يتخذوا موقفاً حيالَ تواجدهم في الحكومة، لأنهم سيحاسبون بعد ثلاث سنوات، والزمن يمضِي بسرعة كبيرة جدا، رغم وجود نية للإصلاح، إلاَّ أنهم لم يسطيعُوا وعليهم أن يقولُوا الحقيقة للمجتمع. وبشان ما تنذرُ به الأزمة، ذكرَ الكتاني أنَّ البنك الدولِي أشارَ مؤخراً إلى أنَّ بالمغرب ثلاثة ملايين عاطل، ممن تتراوحُ أعمارهم ما بينَ 15 و29 عاماً، عكس ما تقولهُ الأرقامُ الرسميَّة، والملايين الثلاثة مؤهلةٌ للارتفاع. بما ينذرُ بتفاقم الأزمة الاجتماعية، أمَّا من الناحية الاقتصاديَّة، فاقتصادُ الريع يغذِّي نفسهُ في المغرب. أمَّا المخاطر التِي قد تترتبُ عن الوضع في حال لم تتخذْ قرارات عاجلة للإصلاح، وفق المتحدث ذاته، فهي أنْ يتحول اليأس المستفحل وسطَ الشباب بنسبة تزيدُ عن 60%، إلَى انتفاضة أو رد فعل عنيف، مما قد يعصفُ بِميزة الاستقرار التي ظلَّ المغرب يتمتعُ بها، لأنَّ لدَى المجتمعات طاقةً محددة للصبر، من شأن نفاذهَا أن يحملَ عدة مفاجآتٍ.