كنت عقدت العزم على ألا أواصل الكتابة في قضية الأمازيغية؛ إلا مساهما في إثراء مضمونها الثقافي – مستهدفا التثاقف- من خلال هذا الفيض الزناتي الذي بين يدي،بحكم المولد ؛رغم كره "ليركام" لكل من لاتتيمه الغجرية المسماة- بهتانا- المعيارية. فيض أنثروبولوجي ،ثقافي، أمازيغي ؛اشتغلت عليه منذ سنين ،دون أن أسعى لأقبض عليه ثمنا، مما تغدق به الدولة على معهد نكص على عقبيه،إذ نظر شزْرا الى بعض جهات الخريطة الأمازيغية ؛ولم يُوفِّ خطاب أجدير كل حقه،كما ذكرت في موضوع سابق. على هذا استقر عزمي، حتى لا أكرر نفسي ؛لأفرغ الجهد في المساهمة في بناء المعمار الثقافي الوطني ،على أسس سليمة ؛تستحضر أن من نعم الله على هذا البلد أن عدد مشاربه الثقافية؛وفي نفس الوقت أراحه من اثنيات منكفئة على نفسها ،إن لم تكن عدوانية. لكن حينما يصل الأمر إلى الإصرار على التمادي في الأخطاء- ليس فقط في ما يخص المعيرة والحرف ،وحرق جيوب في الخريطة الأمازيغية المغربية ؛وبيع قضية الأمة الأولى بأبخس الأثمان- تصريحا وليس تلميحا- حتى قبل أن يشتد للقوم عود - باستهداف الهوية المغربية ،الضامنة للوحدة،والثابت اللغوي ،الفصيح، والدارج على الألسن ؛فان النقاش يصبح زحفا يثير النقع ,والتولي يوم الزحف يصبح جبنا ونقيصة. أية هوية للدارجة المغربية؟ أبى هذا السؤال إلا أن يظهر عنقه ،ويكشف عن ذهنية بهوس هوياتي غريب؛فما دامت البلاد أمازيغية ،وكل من عليها لا يمكن أن يكون إلا أمازيغيا أو لا يكون – حتى اللقالق في القنيطرة- فلماذا لا نهدر دم الدارجة ،حتى تعود إلى أصلها و تتوب إلى آلهة الأمازيغية؟ لست ساذجا لأنساق الى النقد بالمثال الفصيح من الدارجة ، تدليلا على عربيتها ألفاظا ومباني-تغليبا -لأن الطرح ليس لسانيا ,كما توهم أغلب المعلقين،بل سياسيا ديموغرافيا، يؤسس لهدم معيار إحصائي ،أبعد ما يكون عن السياسة والثقافة. كيف لا تردعنا بداهة الأمر ،ونحن نسعى لجعل اللسانيين المغاربة الموضوعيين- وليس الممعيرين- يشتغلون في ركح الأمازيغية ؛بتزوير "الانتخابات اللغوية" للسطو على أصوات الدارجة. نخوض في معجم الكلام الدارج ،ونغفل مبناه البلاغي - تورية ،مجازا وتشبيها...- ومستوياته المتباينة ،قربا وبعد من الفصحى المتداولة في تاريخنا هذا. نغفل تحقيب هذا المعجم ،ونحن نعرف أن كل الأجناس التي وفدت على هذه البلاد، عبر التاريخ،ضربت فيه بسهمامها ،واحتلت فيه مساحات. ان اللغة كالطبيعة لا تحب الفراغ ،ولا تنشأ من فراغ. نثبت مباني أمازيغية ،في الكلام الدارج، لا ينكرها الا من لاعلم له بالأمازيغية،وننفي عنه مبناه العربي الأصلي. "الصمت حكمة ومَنُّوا تفرقوا لحكايم *** كون ما نطق ولد لحمامة ما يجيه ولد لحنش هايم"(ع الرحمن المجدوب) ما ذا تقول في حقبة من الزمن اللساني الدارجي, جرت فيه هذه الحكمة ،دارجة،كما تقرأها. لا تعوز الأدلة لأثبت للسانية السياسية المغرضة، أن العربية الفصحى، المغربية ،هي التي يصح أن تنسب للأمازيغ؛ اعتبارا لدولهم التي رسمتها وفضلتها ،ونمتها,مختارة؛ ليس على الأمازيغيات فقط ،بل حتى قاسمها المشترك(المعياري ،إن شئت) كما كان معتمدا،بكل ما ترسب فيه من ألسن الشعوب الأخرى، في الحواضر و الأسواق . واعتبارا لعلماء اللغة والأدباء والفقهاء الأمازيغ، الذين قعدوها وأثروها ؛حتى صار المغاربة أكثر فهما وتعصبا للنحو العربي من المشارقة. يحضرني هنا ما شاع بين علماء القرويين في فاس ،حينما زارها طه حسين محاضرا،في ثلاثينيات القرن الماضي. استمعوا وكأن على رؤوسهم الطير؛وحينما انتهت المحاضرة أجمعوا على أنه أخطأ نحويا في ثلاث...وما تذاكروا لشهور في غير هذه الكبائر النحوية الثلاثة. المدرسة اللغوية النحوية المغربية – بتقعيد أجروم الأمازيغي- مدرسة عسكرية بامتياز؛يحمل ضباطها شارات الفصحى ،ويتباهون بها ،ويحمونها. وليست الدارجة ،يازميلي في المهنة ،سوى لغة عامة الجنود ،في هذه المدرسة ؛تعلموها من ضباطهم لكنهم لغوا فيها ،تذليلا لنتوءات اللفظ ، وتفضيلا لإيجاز البلاغة ,وقوة بيانها. مهما نقضت من حبال صوفية بين الفصحى والدارجة –من خلال أمثلة صحح القراء،مشكورين، مدلولها- ستجد من يقابلك فتلا للحبال الموصلة والرابطة بين وجهتين للسان واحد. لسان فصيح منضبط وضابط؛ولسان دارج يغافل كجندي هارب من الثكنة ليستمتع بعطلة مسروقة ،بعيدا عن عيون رؤسائه. لقد عجمت عيدان الأمثلة فوجدت هذا أبلغها. بلاد السيبة: سيبة لغوية ,تحيل على ثنائية عرف الاستعمار كيف يضخمها ،ليتدخل في شؤون المملكة ،غاضا الطرف عن اقطاعياته وفيودالياته التي –وان كانت انتهت ،عنده، إلى الديموقراطية- فرخت،هنا وهناك، نظاما كولونياليا مقيتا؛عرف السيد هولاند –أخيرا- ودون إلحاح من أحد،كيف يعتذر عنه ،بكل اللباقة السياسية، واللغة الراقية التي تصونها كل دولة، لتُضمِّنُها أسمى المعاني التي يضيق عنها اللسان اليومي النَّزِق. تختلف الألسن وتتخفف من ثقلها ،لكن دون التفريط في الثابت الأصلي. فحيثما لم يصل حكم المخزن الايركامي؛ محمولا على دبابات مزينة بالحروف المعقوفة ؛توجد سيبة؛ مغاربة هَمَل لا ضابط لهم .مجرد دهماء عربية من تيماء ،حيث لا ماء ولا شجر. رعاة ابل ،أهل الصحراء والرمضاء ؛أكلة اليرابيع. وحيثما ألقيت بالايركامية ،وارتدت إليك خاسئة حسيرة ,فثمة فلول هائمة، عروبيون قومجيون ،صداميون وقذافيون؛ يبحثون عن مسمى آخر لقرون أخرى من الاحتلال. وحيثما شاع اللسان الدارج شاعت المنزلة بين المنزليتين ،واعتزل الناطقون به – على غرار المعتزلة – أهل يعرب ومازغ معا. سيبة أخرى ،لا تنضبط لأحد، ولا لمعجم. ماذا بقي لتتحرك الراية الصفراء في جميع الاتجاهات ،داخل الوطن،لتعيد حكاية التطويع الكولونيالي؟ ارتد الحرف – رغم سحريته- أغلالا 'وسلاسل ،في أعناق صناعه. لم يعرفوا بعد كيف يعتذرون عنه ؛وأعتقد جازما أنه يثقل عليهم ،ولا ينتظرون سوى أقرب فرصة للتخلص منه. مادام الحرف العربي يقتل الأمازيغية ،كما تعتقدون ؛وما دام حرفكم بالكيفية التي تعرفون أكثر منا؛وما دام بعضكم لا يرى مانعا في التطبيع مع إسرائيل ؛فعلى الأقل استثمروا في التنازل البراغماتي المربح للوطن – وهو يتمتع بوضع أرويي تفضيلي- وعودوا إلى اختياركم الأول ،واكتبوا بالحرف اللاتيني ؛على غرار بعض مواطني "تامزغا الكبرى". سيكون اختياركم التصحيحي هذا أكبر هدية نقدمها للرئيس الفرنسي ،مقابل دعمه لوحدتنا الترابية ،ومقابل اعتذاره الذي تضمن العديد من الرسائل ؛خصوصا وقد أكد أنه متتبع لشؤوننا كلها ،بما فيها الثقافي. لا اعتقد أن الهيئات السياسية التي ناهضت اختياركم الأول،تمتلك نفس مبررات الأمس ؛خصوصا وقد "شَنْوَنَ" رئيس الحكومة حرف تفناغ. الإحراج الحقيقي الذي سيواجهكم هو الخدمات الجليلة التي قدمها علماء الأمازيغ للغة العربية وعلومها؛واختيارهم لحرفها وهم يدونون العديد من المتون. إن الحرف اللاتيني يمتلك شرعيته داخل مؤسساتنا التربوية ومرافقنا العمومية،وقد صرفت عليه الملايير من المال العام؛ولا يضر في شيء اذا تم توظيفه حتى في تدريس الأمازيغية ،والإنتاج فيها. سنوفر المال والجهد للتفرغ لخدمة المضامين.وقد يصبح من الممكن وقتها الحديث عن تبادل الخدمة اللغوية بين الأمازيغية واللغات الأجنبية. ولكل شيء ثمنه في اقتصاديات التربية. ومهما تكن المبالغ التي صرفت الى حد الساعة على الحرف والمعيرة فانها دون ما هو منتظر في المستقبل ؛خصوصا إذا تم تكريس التعميم والإلزامية. إضافة إلى المكاسب العديدة التي ستتحقق للوطن ،اعتبارا لجذوره الإفريقية ،وأغصانه الأوروبية،سنكون قد انخرطنا في الحداثة ،بمفهومها الشامل ،واتجهنا صوب المستقبل الذي تبنيه التكتلات البشرية الكبرى التي سمت بالعلم وسما بها. أهم شرط لتنجح مثل هذه الحركة التصحيحية هي وقف التشويش على اللغة العربية – بل على الهوية المغربية-على حد العبارة المهذبة لرئيس الحكومة. وهي مهذبة لأن الخطاب الأمازيغي- بإيغاله في قضايا الهوية- تجاوز مجرد التشويش إلى القعقعة،وان بالشنان. لنستحضر جميعا قضايا الوطن الكبرى ،وثوابته ؛وعلى رأسها وحدته التي انصهرت فيها كل الأعراق ؛حتى ماتت الاثنية نهائيا. إن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء،لا يراه سوى المرضى. لنتذكر هذا ,ونغيب كل خطاب يستثمر في التفرقة ،ولو صدق. وحينما نمشي ترتسم الطريق. Ramdane3.ahlablog.com