رصد المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، في تقريره حول الحالة الدينية لسنتَي 2018 و2019، الفرضيات التي طرحتها بعض الدراسات حول التراجع في حالة التديّن، وحضور الدّين في الحياة العامّة بالمملكة، متوقفا عند دنو التدين الصحوي من نهاية مثالية نمطه وجاذبية مرجعيته. وسجل المركز في مقابل السمة الأساسية التي طبعت النصف الثاني من القرن الماضي بصحوته المعاصرة، التي أسهمت في الرجوع القوي للدين، وتعزيز حضوره، واندماج التدين في الحياة العامة والخاصة للناس، أن الخلاصة التي تتجه الدراسات والأبحاث إلى تبنيها وتقديم الأرقام والنسب على صحتها، تؤكد أن الحالة الدينية في وضعية تراجع في مختلف مؤشراتها الكمية. ويضيف التقرير: "غير أن تمحيص الأرقام والمؤشرات التي تقدمها هذه الدراسات تبقى غير دقيقة، ولا تستند إلى مؤشرات تراكمية، وتحاول البحث عن مبررات لفرضيات محددة سلفا في سياق ما يعرفه العالم العربي والإسلامي بعد الموجات الأولى من الربيع العربي، وما انتهى إليه من أزمات في بعض الدول، وما خلفه ذلك من إحباط سياسي واحتقان اجتماعي وحقوقي". ويتفق ياسين أمناي، الباحث في علم النفس الاجتماعي، مع الفرضية القائلة بتراجع حالة التدين وحضور الدين في الحياة العامة، ودنو التدين الصحوي، رغم اعتراضه على الفكرة التي تطرح التناقض بين التدين والإقبال على الحياة، مشيرا إلى أن "التدين جاء ليؤطر سلوكات الأفراد في المجتمع حسب الدين والمعتقد الذي يؤمن به الشاب". وأضاف أمناي، في تصريح لهسبريس، أن "تدين الصحوة هو ظاهرة اجتماعية نفسية تهدف للحث على مزيد من التدين بطرق وأساليب معينة، لكن الدين أكبر من أن يتم اختزاله في تدين الصحوة"، مبرزا أن "الإشكال الذي ساهم في تراجع هذا النوع من التدين وسط الشباب كون فكرته الجوهرية قائمة على ضرورة الاستسلام لقوى تعلو عليهم، كما أن فضيلته تتمثل في الطاعة وخطيئته هي العصيان". "هذا الانسحاب من التدين مرده إلى الصيغة التسلطية التي يقوم عليها دون معرفة اهتمامات هذه الفئة التي تطرح الأسئلة وتبحث عن أجوبة بعيدة عن منطق الأوامر والفرض"، مبرزا أن "هناك تمايزا بين الدين والتدين، باعتبار الأول تشريعات إلهية والثاني كاستجابة بشرية لتلك التشريعات". وتابع الأستاذ الباحث في جامعة محمد الخامس أن "تراجع تدين الصحوة مرده للتسليم بالمثل العليا والتجريد، بحيث لا تمت بصلة لواقع الشباب المعيش"، موضحا أن "هذا النوع من التدين جاء بمجموعة من القيم والمعايير البعيدة على اهتمامات الشباب، ولا تقيس واقعهم اليومي". وأشار أمناي إلى تراكم الإحباطات النفسية والاجتماعية لدى الشباب، خصوصا في ما يتعلق بوضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، موضحا أن "من يتبنى المقاربة الدينية في السياسية، وهنا الحديث عن الإسلام السياسي، وبعد المشاركة السياسية من خلال التدبير، أبان عن فشل هذا التيار الذي يتبنى خطابا ويقوم بعكسه في الواقع، وهو ما ساهم في التنفير من التدين المرتبط برموز هذا التيار". وشدد المتحدث ذاته على أن المزاج الذي يميز تدين الصحوة هو الحزن والشعور بالذنب، في مقابل الفرح والسعادة التي يبحث عنها الشباب في حياتهم اليومية، مشيرا إلى أن "الاقتصار على الذنب جعل الشباب يثورون على صيغة التدين التي يبشر بها تيار الصحوة". ووقف تقرير المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة عند تراجع وانحسار تأثيرات الدين على السلوك الجماعي في الفضاءات العامة، خاصة مؤشر راهن التدين وآثاره السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي ما يتعلق بالمدى المنظور وما يتّصل بقناعات وموقف الشباب من الدين والتدين. واستحضر المركز في نصّه التقديميّ خلاصات مركز بيو الدولي والمؤشر العربي حول "بداية تنكّب الشباب عن الدين واستدارته ظهره للتدين وإقباله على الحياة".