في إطار استكمال جولته التي أطلق عليها "المكوكية" يلتقي المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم لمتحدة الى الصحراء كريستوفر روس بممثلين عن المغرب وجبهة البوليساريو وكذا بممثلين عن حكومتي البلدين المجاورين الجزائر وموريتانيا، بعد جولة بدأها من الولاياتالمتحدةالأمريكية مرورا بروسيا وفرنساواسبانيا والمملكة المتحدة ثم ألمانيا وسويسرا. وتأتي جولة روس هاته على خلفية فشل خطته "خطة النهج المبتكرة" بعد سلسلة من المفاوضات الرسمية وغير الرسمية حول الصحراء. مما دعا به إلى ابتداع خطة جديدة "المكوكية - الدبلوماسية" في أفق التحضير لجولة جديدة من المفاوضات، يأمل منها إرساء قواعد استئناف المفاوضات والإجتماعات بين طرفي النزاع. إن الجديد في زيارة روس هذه أنها جاءت مُحَفزة بلازمة "إن النزاع القائم حاليا في مالي وأخطار اللاستقرار في منطقة الساحل وغيرها تؤكد الضرورة الملحة للتوصل إلى حل للنزاع حول الصحراء"، وهي العبارة ذاتها التي سبق لروس أن أوردها في تقريره حول الصحراء الذي عرضه على مجلس الأمن الدولي يوم 28 نوفمبر 2012. ويروم كريستوفر روس من مشاورته مع دول مجموعة أصدقاء الصحراء (أعضاء مجلس الأمن الدولي زائد اسبانيا ناقص الصين التي قررت النأي بنفسها عن هذا الملف) إضافة إلى ألمانيا وسويسرا لإيجاد الدعم والمساندة في أفق التحضير لعقد لقاءات أخرى من المفاوضات بشأن قضية الصحراء يرتقب أن يتم الإعلان عنها خلال شهر مارس المقبل. إن الجولة المكوكية التي اقترحها كريستوفر روس عقب تقرير أعده لمجلس الآمن الدولي بعد زيارة قادته إلى المنطقة، لم تعد بذات الحماسة، بعدما حاول روس جعل قضية الصحراء على قدر تداعيات الأزمة المالية على المنطقة المغاربية والإقليمية، وهي مقارنة لا تستقيم لاعتبارات عدة منها نفوذ الدولة المغربية في بسط الأمن على كامل ترابه، وهو ما لا يتيسر لجيرناه المغاربيين. ولأن التهديد الأمني في مالي ومحيطها يعود بالأساس إلى نزعات انفصالية تحالفت مع الجماعات الإرهابية الأصولية في منطقة الساحل الإفريقي. وإذا كان روس خلال جولته المكوكية قد سمع موقفا ثابتا في باريس، من أن فرنسا تؤيد حل النزاع في الصحراء على أساس مقترح الحكم الذاتي، فيما تدعم باقي دول أصدقاء الصحراء إضافة إلى موقف ألمانيا وسويسرا الحل السياسي المتوافق عليه تحت إشراف الأممالمتحدة. وإذا كان الموقف التفاوضي للمغرب يحافظ على اتزانه فإن موقف البوليساريو تكبد خسائر جوهرية، منها تحويل مخيمات تندوف إلى فضاء غير آمن، والمساهمة في حالة اللا أمن ولا استقرار على الحدود في منطقة الساحل الإفريقي، بحيث لم يعد من الممكن الارتهان إلى تنظيم تطرح حوله العديد من الأسئلة والاتهامات القوية بشأن ارتباطه بالمناخ الإرهابي السائد في منطقة الساحل والصحراء. كما أن واقع الموقف التفاوضي للجزائر والبوليساريو يزداد تراجعا بعدما فقدوا الأمل في توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان في الصحراء، بعدما استبعدتها اللجنة 34 بالأممالمتحدة من تغييرات في مهامها، طبقا لما أعلن عنه روس في تقرير الأخير، وهو ما جعل الرباط تسرع محاكمة مداني أحداث مخيم "اكديم ايزيك" بالعيون. والحق أن محاكمة "اكديم ازيك"، تعتبرها البوليساريو آخر الأوراق التي تمكنها من استعادة ما تبقى من أوراقها التفاوضية، في انتظار أن يحقق المغرب مكسبا سياديا تراتبيا بعد تجديده توقيع اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، حيث تشير كل التكهنات أن التوقيع عليها بات ممكنا في القريب الآجال لاسيما بعد الإعلان عن التدخل الشخصي لرئيس الحكومة الإسباني راخوي بدعوة المفوضية الأوربية لتسريع محاذاتها مع المغرب لتجديد اتفاقية الصيد البحري. ويبدو أن لا جديد يرجى من هذه الزيارة سوى رفع تقرير سنوي للامين العام للامم المتحدة سيتم عرضه على مجلس الأمن الدولي شهر ابريل المقبل، ذلك أن كريستوفر بعد إعلان فشل مقاربته التي أطلق عليها حينها "النهج المبتكرة" في تقريره الأخير إلى مجلس الأمن، والتي فيها أنعى المفاوضات غير الرسمية بين المغرب وجبهة البوليساريو لم تعد جعبته السياسية تتسع لتقديم بدائل أخرى لحل النزاع في الصحراء، بدليل أن مبادرة الجولة الدبلوماسية التي قال عنها أنه سيوسع من دائرة المشاورات، لكنها لم تتعد سوى إشراك دولتي ألمانيا وسويسرا. إن معالم تراجع إبداع الرجل في تقديم تصور جديد لنزاع الصحراء تجسدا مؤخرا في تبنيه لأطروحة جبهة البوليساريو عقب حضوره ندوة حول موضوع "حقوق الإنسان بالصحراء" إلى جانب أميناتو حيدر ورئيسة مركز روبيرت كنيدي، حضور يخرج الرجل من دائرة الحياد المفروضة في الوسيط. وحيث إن مجموعة من الخيارات الأممية فشلت في أن تكون مدخلا للحل منذ إعلان استحالة تطبيق الاستفتاء وإلى إعلان فشل المفاوضات غير الرسمية وفق خطة "النهج المبتكرة"، كل ذلك يطرح سؤالا محوريا حول إذا بقي فعلا من مصداقية ونزاهة لروس لاقتراح صيغة جديدة لحل النزاع حول الصحراء. إن مسألة الصحراء تحتاج اليوم إلى استراتيجية جديدة لتدبيرها تبدأ أولا بإحصاء سكان مخيمات تندوف وضبط هويتهم، بدل حالة الاحتجاز التي تفرضها على سكان المخيمات، في معاكسة كلية للقرارات الدولية التي طالبت من خلال مجلس الأمن الدولي والمفوضية الأممية لشؤون الصحراء إلى إحصاء مخيمات تندوف، لإبقائه فضاء مجهولا يتخفى فيه محترفو جرائم المتاجرة في البشر والسلاح والمخدرات الصلبة والمساعدات الغذائية، وكذا لإخفاء الفارين من العدالة الدولية ولإخفاء ما تسرب من أسلحة معمر القدافي حيث شارك أعضاؤها إلى جانب القدافي في قتل الثوار الليبيين. ❊محلل سياسي متخصص في قضايا الصحراء والشأن المغاربي