لقاء يجمع وهبي بجمعية هيئات المحامين    نهاية أزمة طلبة الطب والصيدلة: اتفاق شامل يلبي مطالب الطلبة ويعيدهم إلى الدراسة    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    هولندا.. إيقاف 62 شخصا للاشتباه في ارتباطهم بشغب أحداث أمستردام    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا ابتداء من 11 نونبر الجاري بالرباط    الطفرة الصناعية في طنجة تجلعها ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث السكان    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    امستردام .. مواجهات عنيفة بين إسرائيليين ومؤيدين لفلسطين (فيديو)    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    الأمانة العامة للحكومة تطلق ورش تحيين ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية وتُعد دليلا للمساطر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    مجلة إسبانية: 49 عاما من التقدم والتنمية في الصحراء المغربية    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلطة الدولة بالمجتمع القروي: الطريق المسلوك لفرض الطغيات
نشر في هسبريس يوم 25 - 03 - 2013

أقتبس في مستهل المقال بعض خلاصات الباحث الأمريكي جون واتربوري من خلال دراسته للملكية و النخبة السياسية في المغرب، خاصة حينما تحدث عن الانسان القروي، أو الوافد من البادية، حيث يقول "أنه يعيش دائما تحت رحمة الدولة في كل فترات حياته... و ردود فعله قصيرة و عفوية... و كثير الخجل السياسي".
يبدو أن هذه الخلاصات العلمية البعيدة عن الانطباعات، لا تزال إلى حد بعيد طابعا مميزا و خاصية ملازمة للتجمعات القروية بالمغرب في علاقتها بالسلطة، مركزية كانت أو محلية، فعادة ما يطرح الشباب المتعلم بالأرياف جملة من الأسئلة المحيرة، لكن في نقاشات هامشية لم تتحول إلى هم يومي تلزمه الحلول، من قبيل: هل فعلا يتسع الفرق في منهج التفكير السياسي عند الحضريين و الريفيين؟ أم أنهما فقط يختلفان؟ لماذا دائما تخفق كل محاولات التعبير عن الإرادة الجماعية و تطلعات ثم أماني سكان البوادي؟ هل التغيير البطيء بالقرى إرادة محسومة أم علة مفروضة؟ لماذا الاستسلام و التوجس من الكفاءات المحلية عند لحظات الحسم؟
تتجه إرادة المخزن في المغرب إلى تثبيت الانقسامية و التجزيئية، فهي درب محمود لدية غرضه خلق حالات عدم التجانس بين المدينة و البادية في كل شيء، في نمط التفكير و أبعاده السياسية، و في سقف التطلعات، و في البنيات الذهنية و شكل العلاقات الاجتماعية. فهذا الاضطراب و التباين بين المجالين من شأنه إبعاد السلطة التي تنحو اتجاه التحكم، من النقد و المساءلة قبل تهديد المواقع، فتصبح محل إجماع من لدن الكل، و بالمقابل تتسع بؤرة الاختلاف حول القضايا الملحة التي تستوجب الاجماع.
صحيح أن العالم القروي - كما لا يبدو لنا - حاضر في ذاكرة الدولة بقوة، لكن بمنظور مختلف، فالبادية في حالة الانفراج قد تنبعث منها حالات هيجان غير متحكم فيها، لأن الانسان البدوي حسب أبحاث علماء الاجتماع يعيش في عالم بلا حدود و أحيانا بلا ضوابط، بالتالي يبالغ في حالات الانفراج في ممارسته للحرية، و قد تكون عواقبه تطور حالات عصيان يصعب ضبطها، و لمنع ذلك يبقى الرهان دائما على فرض السلطوية و النزعة التحكمية، خاصة أن التجربة التاريخية أتبتت ميل المجتمعات القروية إلى الانضباط أكثر و الالتزام ثم الخضوع لقرارات الجماعة أو القبيلة.
للنزعة التحكمية و السلطوية التي فرضتها الدولة بالبادية المغربية أهداف خفية، من ضمنها يمكن ذكر، ضمان ديمومة ثقافة الخضوع و الولاء حتى في حالات اشتداد الأزمة، ثم الخوف من المعارضة لدى سكان القرى، علما أن المعارضة ليست هي قصدها المحرف حاليا، أي الصراع و هدم أسس و برامج الإصلاح، إنما تقتضي البناء و الاسهام في إرساء الديمقراطية بالبلاد، فالرغبة جامحة إذن ليظل هاجس الصراع محصورا دائما في هذه العوالم الهامشية، دون أن ينتقل أثرها حتى إلى أقرب المناطق. و تشتد رغبة السلطة التحمية للدولة في صناعة خلافات يوهم القروي أنها سياسية و أنه يتوغل في عمق السياسة، حول قضايا طبعا هامشية و فجة، في مجال لا يكاد يتسع حتى لعمل حزب سياسي واحد، و لا يجب أن نغفل كيف عملت الدولة منذ الحصول على الاستقلال، على تفكيك البنى القبلية و التجمعات المنسجمة و لو تطلب منها ذلك إنفاق ما لا يقدر من الأموال، لأن الغاية طبعا هي شل إرادة سكان البوادي حتى لا يصبحوا أسياد أنفسهم، بل ينتظرون دائما من ينوب عنهم في المهمات.
و هناك حاجة ملحة لدى السلطة المخزنية للتأثير على ذهنية شباب الأرياف و إشاعة فكرة استحالة التحول في عالم البادية، ليظل سقف التطلعات دائما محدودا في قضايا اجتماعية يستجاب لبعضها أحيانا، و يسلب تلك المكتسبات أحيانا أخرى، لإعادة انتاج نفس دوامة التطلعات، دون أن ترقى إلى مستوى بعد النظر السياسي، أي أن الأزمات العميقة للبادية لا يجب أن يتولد عنها التفكير في العلاج من منظور سياسي. أخيرا يبقى من الأهداف الخطيرة لهذه النزعة، هي إعاقة عملية انتاج نخب محلية جديدة حاملة لهم التغيير بالمجتمع القروي، و ترويض جزء منها ممن لديهم القابلية للاندماج في عمق اللوبي المصنوع للنيابة عن السلطة المركزية في التحكم.
بهذه الطريقة و بهذا المنهج إذن تتركز السلطوية المخزنية في البوادي، معززة بشعارات الاستسلام و تردد الإرادة و الغرق في خلافات عميقة و عقيمة حول قضايا سطحية هامشية، توهيم بممارسة الجدل السياس في مجال أكثر بعدا عن أثر السياسة، و الحقيقة أن المخزن هو العارف بمداخل التحكم و الطرق المسلوك لعودة الطغيان.
* أستاذ باحث في التاريخ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.