مقترح القانون يشكل مقاربة من شأنها فتح الباب لمصادرة حزبية ضيقة للمكتسبات الدستورية حول الأمازيغية والتي شارك المغاربة جميعا، ملكا وأحزابا ومجتمع مدني ومواطنين، في بنائها. ... الأمازيغية بصفتها ملكا مشتركا لكل المغاربة، يعمها ما يعم الدين والوحدة الترابية للمملكة. لا ينبغي أن تكون محل تنازع حزبي أو طائفي. كما لا ينبغي لشأنها أن يخضع لمنطق الأغلبية والمعارضة في البرلمان، بل لمنطق الحوار والتوافق والإجماع على مستوى الوطن. والمقاربة المعتمدة في المغرب مند أزيد من عقد من الزمن، استطاعت تحرير ملف الأمازيغية من التجاذبات الحزبية والطائفية. حيث أن هذا الملف عرف فاعلين رئيسيين سطرا مسار تطوره الإيجابي. الفاعل الأول هو المجتمع المدني. وهذا الفاعل استطاع عبر نضال عمر قرابة خمسة عقود، أن يفرض الأمازيغية كقضية وطنية في أجندات جميع الفاعلين السياسيين. واستطاع هذا الفاعل الحفاظ على وطنية القضية بنضال سلمي وحدوي. والفاعل الثاني هو المؤسسة الملكية، حيث أن حرص الدولة المغربية على إبقاء ملف الأمازيغية فوق الاعتبارات السياسية الحزبية والانتخابية، ترجم إلى مبادرات ملكية فاعلة انتهت بدسترتها لغة رسمية وشأنا عاما يهم جميع المغاربة وفي مختلف مجالات الحياة العامة. وبالطبع لا يمكن إغفال دور الأحزاب السياسية التي تعاملت مع الملف في إطار المقاربة الوطنية المشار إليها وضمنتها برامجها الانتخابية، وقد نجحت في تجنيب المغرب تحويل ملف الأمازيغية إلى ملف للتجاذب السياسي الحزبي. هذه المقاربة الوطنية التي ترتكز على كون الأمازيغية ملكا لجميع المغاربة، هي التي أضفت على الملف بعدا حررها من أي نزعة ضيقة عكس ما نجده في تجارب بعض الدول. إن هذه المقاربة لم تستنفذ بعد أغراضها، بل على العكس، المغرب اليوم في أمس الحاجة إلى اعتمادها أكثر من أي وقت مضى. خاصة أن ورش تنزيل ما ورد في الدستور حول الأمازيغية قد فتح. ولا ينبغي بأي شكل السماح بأن تتحول المكتسبات الدستورية للأمازيغية إلى موضوع للتنافس الحزبي الضيق، أو للمزايدات السياسية، أو وسيلة لممارسة نوع من الإقصاء السياسي، أو أي شكل من أشكال الاستثمار الضيق. ومن أجل المحافظة على هذه المقاربة الوطنية ومن أجل تدعيم البعد الوطني، حيث الأمازيغية لكل المغاربة، ينبغي التعاطي مع ورش تنزيل دسترة الأمازيغية وفق مقاربة شمولية تعتمد، من جهة أولى، منهجية ترتكز على الحوار الوطني والتشارك الشامل و المتوازن. ومن جهة ثانية، رؤية شمولية لا تقصر المعالجة في إعداد وثيقة القانون التنظيمي فحسب بل لا بد من التزامات سياسية من طرف السلطات التنفيذية والتشريعية معا، تترجم، في إطار إستراتيجية وطنية حول الأمازيغية، إلى مؤشرات دقيقة حول الانجاز وآجال واضحة للتنفيذ. وفي إطار الفلسفة التي اعتمدتها الدولة المغربية في التعاطي مع ملف الأمازيغية، والتي تنبني على المقاربة الوطنية المشار إليها سابقا، والتي يجب أن تستمر في تدبير ومواكبة ورش الأمازيغية المفتوح، يتوجب تحرير الملف من نفس السباق السياسي، ومن كل التوظيفات السياسوية المضرة بالملف، والتي من شأنها بعث رسائل سلبية تجاه عموم المواطنين، ينتج عنها مخاوف وإحساس بالإقصاء ورغبة في العزوف. وفي سياق التصور السابق يتضح أن معالجة موضوع القانون التنظيمي، بعيدا عن المقاربة المشار إليها سابقا، و من خلال "مقترح قانون" من حزب أو حتى عدة أحزاب مضر بالأمازيغية من حيث يريد خدمتها، وذلك من عدة جوانب نجمل أهمها في: أ) مقترح القانون، بصفته اقتراح فريق برلماني أو أكثر، يضع ملف الأمازيغية خارج الإطار العام الذي تطورت خلاله طيلة ثلاثة عشر سنة الأخيرة، حيث رفعت إلى مستوى القضايا الوطنية التي لا تقبل المزايدات والاختلاف، مثل الدين والوحدة الترابية. وربطها بذل ذلك بحزب سياسي من الطبيعي أن ينقسم الناس حول الموقف منه. ب) يشكل مقاربة من شأنها فتح الباب لمصادرة حزبية ضيقة للمكتسبات الدستورية حول الأمازيغية والتي شارك المغاربة جميعا، ملكا وأحزابا ومجتمع مدني ومواطنين، في بنائها. ومن شأن هذه المصادرة أن تصاحب الملف في مستقبله، وقد يولد ذلك ردود فعل تكون نتائجها سلبية، ليس فقط على الأمازيغية، ولكن على الوطن ككل. ت) يرسم مسارا ضيقا للملف يرهنه بقانون تنظيمي ليس سوى استكمال المقتضايات الدستورية المنصوص عليها وليس معالجة لقضية الأمازيغية كما يجب أن تقارب، فملف الأمازيغية يتطلب إلى جانب القانون التنظيمي وضع استراتيجية وطنية، تترجم التزامات سياسية في شكل آجال محددة ومؤشرات مقاسة وواضحة. ث) مسار مقترح قانون (مقترح قانون، يناقش في إطار لجنة، يعرض بعد ذلك للمصادقة العامة) مسار لا يسمح بالمقاربة التشاركية وبالحوار الوطني. ج) مقترح القانون يضع قضية الأمازيغية في إطار تحرم فيه من المتابعة الواسعة للمواطنين، ومن إمكانية تحسيسهم وتعبئتهم جميعا. كما هو الشأن في كثير من القوانين أو مشاريع الإصلاح التي تفتح حولها نقاشات واسعة و ورشات في كل ربوع الوطن، وتسجل حضورا دائما في وسائل الإعلام و لدى الرأي العام الوطني. ما سبق من تصورات وملاحظات يجعل من الضروري تشكيل لجنة وطنية خاصة، يمثل فيها قانونيون وحقوقيون وممثلون من المجتمع المدني الأمازيغي، و عن الأحزاب والحكومة. ويكون من مهام هذه الجنة الإشراف على الحوار الوطني، و وضع استراتيجية وطنية تهم الأمازيغية، و إ عداد مشروع القانون التنظيمي. إن هذه المقاربة من شأنها أن تضمن صيانة البعد الوطني الوحدوي للأمازيغية وتضمن المعالجة الشاملة له والمعبئة لكل قوى المجتمع حولها.