وقعت وزارة الاتصال والفيدرالية المغربية لناشري الصحف يوم الجمعة 8 مارس عقد برنامج لتأهيل المقاولة الصحفية. وفي أقل من أسبوع عقدت وزارة الاتصال يوم الثلاثاء 12 مارس 2013 لقاء مع الفدرالية المغربية للإعلام التابعة لاتحاد العام لمقاولات المغرب التزمت الوزارة بتقديم دعم مادي للفدرالية. وحسب نص عقد-البرنامج الجديد ل2013-2017 ؛ فإن وزارة الاتصال خصصت ضمن ميزانيتها اعتمادات مالية لدعم الصحافة الوطنية ذات الطابع الإخباري العام بمختلف أصنافها: اليومية، الأسبوعية ، نصف شهرية والشهرية، وبمختلف انتماءاتها: الخاصة والحزبية. بالإضافة إلى استفادة "الصحافة الإلكترونية " من مخصصات هذا الدعم العمومي. كما كشف وزير الاتصال بمناسبة توقيع عقد البرنامج في صيغته الثانية، أن عدد الصحف المستفيدة من الدعم العمومي انتقل من 40 مقاولة صحفية سنة 2005، إلى 57 مقاولة برسم سنة 2009 ليصل إلى 59 عنوانا برسم الشطر الأول من سنة 2012 . وذكر بأن الحجم الإجمالي الكلي المخصص لدعم الصحف انتقل من 46.40 مليون درهم سنة 2005 تاريخ بداية عقد البرنامج الأول إلى 65 مليون درهم برسم سنة 2012. وأبرز الخلفي أن الحجم الإجمالي الذي استفادت منه الصحافة الوطنية خلال مدة عقد البرنامج الأول 2005-2009 بلغ 211.53 مليون درهم، منها 153.5 مليون درهم لفائدة الصحف اليومية فيما استفادت الصحف الأسبوعية والدورية من 76 مليون درهم. هل تحققت أهداف عقد البرنامج الأول ؟ إن واقع العديد من المقاولات الصحافية يتسم بالضعف الإداري وغياب الشفافية في صرف أموال الدعم حيث لا يحترم أصحابها بنوذ الاتفاقية الجماعية و تم طرد صحافيين دون أن يستفيدوا من حقوقهم التي يضمنها القانون. كما أن بعض هذه المقاولات تصرف أموال الدعم لأغراضهم الشخصية دون أن تصلح من ذاتها أو تطوير من أدائها. أما نسبة المقروئية، فهي جد متدنية ولا تمثل إلا واحد في المائة من مجموع سكان المغرب مع معدل مرجوعات الصحف بلغت 40 إلى 90 في المائة من حجم النسخ المطبوعة. لازالت الهوة بين الصحافة المكتوبة والقارئ، خصوصا لدى الشباب، تزداد يوما بعد يوم. أسباب تدعو لتوقيف الدعم إن الشرط الأساس لتوفر بلد ما على ديموقراطية حقيقية هو التوقف عن دعم الحكومة للمقاولات الصحافية. فالإعلام الحر والمستقل عن كافة أشكال التحكم المالي أو السياسي أو الإيديلوجي..هو الكفيل بنشر الوعي و محاربة الرداءة. كما أن الدعم المباشر للصحافة، إن لم يكن له تأثير ظاهر على حرية الصحافة فهو غير عادل، لأن مصدره الضرائب التي يسددها جميع المواطنين و يستفيد منها فقط البعض. إنها "خصخصة الأرباح وتعميم الخسارة"socialisation des pertes et privatisation des profits . إن الصحافة هي عبارة عن نشاط اقتصادي طبيعي كباقي الأنشطة، مع بعض الاختلافات، حيث تعتمد على المبيعات والإشهار؛ والاستمرار في دعمها مباشرة يشوه المنافسة في السوق. فليس بالضرورة من يستحق المساعدة هو الذي يستفيد من المساعدات ، بل هناك من المقاولات التي ستستمر في " الحياة "دون وجه حق، بينما العديد من القطاعات محتاجة حقيقة ولا تستفيد من أي دعم. وكيف يعقل أن تدفع لجرائد لا تملك روح المسؤولية الاجتماعية التي تلزمها احترام الذوق العام لأنها تشتغل في المجال العام الذي يمس المجتمع ككل وليس المجال الشخصي الذي يمكن تبريره بما يمكن اعتباره "حرية شخصية". لقد جاء دعم الدولة للصحافة الورقية هو نظام متأثر من النموذج الفرنسي، حيث استلهم القانون المغربي لعام 1958 من قانون الصحافة الفرنسي لعام 1881 محتفظا بجوهره في القانون الذي اعتمده المغرب عام 2002 و في مسودة 2007 (الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع – الكتاب الأبيض). فالصحافة الفرنسية تستفيد من دعم مباشر وغير مباشر بمبالغ تتجاوز 1.2 مليار أورو، لكن في الأشهر الأخيرة ، بدأت الحكومة الفرنسية تعيد النظر في طريقة الدعم باعتباره يضمن الحياة فقط لبعض الجرائد و يغني مقاولات ناجحة. ففي تقريره الأخير الصادر خلال شهر فبراير 2013 ، اعتبر المجلس الأعلى للحسابات الفرنسي نظام الدعم العمومي للصحافة الفرنسية جد مكلف وغير فعال.كما خلص مؤلفو التقرير أن التكلفة العالية لهذه السياسة العمومية ليس له مقابل في دول أعضاء منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وخلص التقرير بضرورة القيام بإصلاح بنيوي لسياسة دعم الصحافة المكتوبة. أما "جان شتيرن" الصحافي صاحب كتاب Les patrons de la presse nationale. Tous mauvais، فإنه يعتبر أن الضعف البنيوي للصحافة الفرنسية هي خصوصية مرتبطة بتاريخ فرنسا و إلى فاعلين رئيسين: الدولة وأرباب العمل، حيث يتم توزيع مساعدات الدولة على الصحافة دون مراقبة و تستفيد منها الجرائد الفقيرة في موارد الإشهار و كذلك الجرائد الغنية. ويضيف الصحافي السابق بجريدة Libération و Tribune: إنه " فقط في فرنسا التي تتلقى الصحافة دعما ماليا مهما ومع ذلك ففي بلدنا الصحافة ليست على مايرام". أما في الدول الأنجلسكسونية ، فإن نظام دعم الصحافة هو شبه غائب باستثناء الدعم غير المباشر المتمثل في إعفاءات ضريبية. ففي المملكة المتحدة، تكتفي الصحافة البريطانية بدعم غير مباشر عبر الإعفاء من الضريبة. واذا قورنت أعداد الصحف المطبوعة في بريطانيا مع نظيراتها في دولة أوروبية مثل فرنسا، فالقراء البريطانيين يمثلون حوالي ثلاثة أضعاف القراء الفرنسيين، حيث يتم طبع أكثر من 13 مليون صحيفة تمثل أكثر من 100 عنونا ، و 87 في المائة من هذه الجرائد يتم بيعها عن طريق الاشتراك. كما أنه ليس هناك أي دعم مباشر للصحافة المكتوية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وتكتفي فقط ببعض الإعفاءات الضريبية. وبالنسبة للصحافة الألمانية، التي تحتل المركز السابع في أوروبا من حيث كثافة الصحف (عدد الصحف لكل 1000 شخص)، فلا تتلقى أي دعم مادي مباشر. وتكتفي هذه الجرائد بالدعم الذي تتلقاه من الأحزاب أو النقابات أو الكنائس أو منظمات من المجتمع المدني، إلى جانب الدعم غير مباشر عن طريق تخفيض الضريبة على القيمة المضافة إلى 7 في المائة. ويتم طباعة وتوزيع أكثر من 25 مليون نسخة يوميا التي تمثل حوالي 350 صحيفة بنسبة انتشار تصل إلى 71,4%. أما نسبة القراءة في ألمانيا ف 76 في المائة من الألمان في عمر فوق 14 سنة يقرأون الجرائد بشكل منتظم، و 75 في المائة من المبيعات تتم عبر الاشتراك. إن أزمة الصحافة في المغرب هي بالأساس أزمة عرض، تستدعي إعادة الثقة التي فقدت بين الصحافي والقارئ. فبعض الصحافيين يستعينون بنفس المصادر و يطرحون نفس الأسئلة و ينتجون نفس المقالات و يمارسون الرقابة الذاتية التي أصبحت جزءا من سلوكهم، فيتجنبون بعض القضايا من باب الحذر إلى جانب "ضعف" التكوين الإعلامي والدور المحدود الذي تمارسه النقابات الصحافية. كما أن على الساهرين على المقاولات الصحافية، تطوير قوالب جديدة لجذب القراء خاصة الشباب بمحتوى وشكل حديث. فقيمة أي صحيفة هي في قراءها وليس في تواجد المقاولة التي تصدرها. إن على المقاولات الصحافية الاعتماد على مواردها الخاصة المتمثلة في المبيعات أو دعم الشركات أو الجمعيات أو الأحزاب...فمصدر قوة الصحافة هو المجتمع و مؤسساته وليس دعم حكومي أو خارجي. الأمر الأكيد أن الأمر ليس بالسهولة لكن توقف الدعم العمومي سيدفع هذه المقاولات إلى الإبداع وتطوير محتوى جرائدها من أجل إقناع المواطنين باقتناءها. ومن ليس له القدرة على الاستمرار ينسحب من عالم الصحافة. إن إغلاق صنبور المساعدات المباشرة سيدفع بالتأكيد أصحاب هذه المقاولات في التفكير في حلول جذرية لمشاكلها التمويلية. أما بالنسبة للدولة فإن عليها أن تضمن حق الصحفي في الوصول إلى مصادر المعلومة، و إلزام أقسام الاتصال بالمؤسسات العمومية والمنظمات بالتواصل مع الصحافيين. كما أن الحكومة مطالبة بالمزيد من الجهد لمحاربة الأمية بمختلف تمظهراتها و تشجيع القراءة. وبدل الاستمرار في ضخ أموال دافعي الضرائب لجرائد ليس لها أي مقومات الحياة وتعيش فقط بالتقطير، على الدولة أن تخصص أموال الدعم لبناء معاهد لتكوين صحافيين أكفاء و مكتبات متخصصة في علوم الإعلام والاتصال. لقد كتب توماس جيفرسون ، إلى الكولونيل إدوارد كارينجتون خلال عام 1787: "لأن حكومتنا ترتكز على آراء الناس، يجب أن تكون أولى الأولويات هي احترام هذا الحق. وإذا ترك لي تقرير ما إذا كان علينا أن نقيم حكومة من دون صحافة، أو صحافة من دون حكومة، فلن أتردد في تفضيل الاختيار الأخير.