في فترة الستينات من القرن الماضي ، كان المذياع ذو الواجهة التي تشبه الحصير هو الجهاز الوحيد المتوفر في كل البيوت المغربية ، منبع الأخبار ومكسر الروتين اليومي ، وقاتل الوقت الذي كان يمشي كسلحفاة مريضة بالروماتيزم . "" تجتمع حوله العائلة ، للاستماع لبعض المسلسلات ، كسيف ذو يزن أو بعض التمثيليات التي كان يقوم بتشخيصها حمادي عمور ،أمينة رشيد ،الهاشمي بن عمر ،حبيبة المذكوري ، المرحوم الدغمي وغيرهم من الممثلين . مقدم الحي هو أول من تسلم جهاز التلفاز ، كان يضعه أمام مكتبه ،كنوع من الإشهار، وغالبا ما كانت النزاعات تنشب بين المواطنين ، لاحتلال الصفوف الأمامية للتمتع برؤية أناس يتكلمون ويتحركون داخل هذه العلبة العجيبة ،فاتحين تغورهم ومشدودين للصور التي يبثها ، وكأنهم أفراد الزولو ، ينظرون إلى صحن فضائي حط على أرض قبيلتهم . بعد ذلك ثم اقتناءه من طرف العائلات الميسورة و المتوسطة الدخل، ودخل بيوتها بالزغاريد و أهازيج النسوة وأقيمت على شرفه مؤدبات وحفلات الشاي، تأتي العائلات من مدن أخرى للمباركة والتهنئة بقدوم الضيف الجديد. التلفاز سرق النجومية و الإقبال اللذان كان يحضى بهما المذياع ،الذي تم تهميشه بالتدريج و تحول في الأخير إلى كرسي أو صندوق لجمع بعض الأغراض المتلاشية وخصوصا بعد ظهور أنواع أخرى أصغر وأقل حجما منه . كانت البرامج الرسمية والتدشينات هي الطاغية آنذاك ،تأخذ نشرة التاسعة، ربع توقيت التلفزي ،يؤديها المذيع المشهور. أصبح التلفزيون هو الذي يحدد الذوق للمتلقين ، فكثير من التصرفات البشرية نرى الآن تأثيرها متصاعد ومتزايد بفعل الإخراج التلفزيوني ،فبعد أن انتشر في العديد من الدول والمجتمعات نرى ان اغلب تلك المجتمعات تأثرت ومن ثم تغيرت بفعل العمل الذي ظهر من على الشاشة ، فالأزياء التي يرتديها البشر في الكرة الأرضية الآن تكاد تكون موحدة بحكم التأثير الناجم من التلفزيون . رغم أن التلفاز ادخل على قلوبنا البهجة في داك الوقت ،لكنه بالمقابل أخذ شيئا ثمينا معه ،أخذ أحاديثنا وسهراتنا مع بعضنا البعض ،وأصبحنا مسلوبين الإرادة أمامه،لا نفكر إلا في توقيتات المسلسلات والأفلام،وتنشطر قلوبنا حزنا على هموم الأبطال أما هموم الناس من حولنا لا نعيرها أدنى اهتمام . أصبح التلفزيون شريكاً – بالقوة – في حياتنا العائلية ، بل في كل جوانب حياتنا الفردية والاجتماعية ، يتدخل في كل شيء ويترك بصماته الواضحة على قيمنا وسلوكنا وعاداتنا واتجاهاتنا وأفكارنا بل انه يكاد يجردنا من هذه الأفكار فقد أصبح هو الذي يوجهنا إلى السبيل الذي نختاره لحل مشاكل الحياة على اختلافها وأسلمنا نحن له القيادة في سهولة ويسر دون أية مقاومة. موقع الفن السابع المغربي