قبل أيام، خاضت الصحفية المغربية فدوى مساط (رئيسة التحرير ونائبة مدير مؤسسة "إم بي إن ديجيتال" المُشرفة على موقعيْ راديو سوا وقناة الحرة الأمريكيتين)، تجربة ارتداء النقاب، ليس بصفة نهائية، بل لمدة أسبوع واحد فقط، من أجل اسكتشاف نظرة الأمريكيين، خصوصا سكان منطقة واشنطن الكبرى، تجاه المسلمات المنقبات. في السطور الآتية تحكي فدوى عن هذه التجربة، وعن شعورها وهي ترتدي النقاب مُرتادة الأماكن العامة في عاصمة دولة يرى كثير من المسلمين أنها "عَدُوّة" لهم، وعن الخلاصة التي خرجت بها من هذه التجربة، وعن أشياء أخرى... - ما الدافع وراء خوِضك لتجربة ارتداء النقاب في العاصمة الأمريكيةواشنطن؟ وما الذي كُنتِ تسعيْن إلى اكتشافه من خلال هذه التجربة؟ * لقد حاولتُ الإجابة عن هذا السؤال من خلال مقدمة موضوعي عن النقاب عندما قلت إن سؤالا شغلني لفترة طويلة بعدما استقررت في منطقة واشنطن الكبرى. يتمثل السؤال في كيف سيكون رد فعل الأمريكيين إزاء سيدة ترتدي النقاب في ظل ما يقول بعض المراقبين والمحللين السياسيين إنه سوء فهم أمريكي للإسلام والمسلمين بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر؟ كما أنني شعرت بفضول صحافي شديد عندما شاهدت أكثر من مرة سيدات منقبات يتجولن بحرية في محلات البقالة العربية المنتشرة شمالي ولاية فرجينيا، أو في حي جورج تاون في العاصمة واشنطن وهن يتسوقن غير آبهات بنظرات الناس من حولهن. لقد أثار استغرابي في البداية منظر هؤلاء النسوة، وقلت في نفسي إن الأمر يستحق الاستكشاف لأنني كنت "أخاف" المنقبات رغم نشأتي في بلد مسلم هو المغرب، وتملكني فضول كبير لدخول "عالم المنقبات" والتعرف عن قرب على رد فعل المواطنين الأمريكيين إزاءهنّ، ولهذا خضت هذه التجربة التي تعلمت منها الكثير. - بماذا كنتِ تشعرين وأنت ترتادين الأماكن العامة في العاصمة الأمريكية مرتدية النقاب؟ *في البداية كنت خائفة ومتوترة للغاية. كنت خائفة من نفسي ومن الآخرين. من نفسي لأنني كنت واعية بمسؤولية ارتداء النقاب وعدم القيام بأي سلوك قد يسيء إلى هذا الزيّ الذي يعتبره بعض المسلمين واجبا مفروضا على المرأة، وكنت خائفة من ردّ فعل الناس من حولي الذين لم أعرف كيف سيتعاملون معي كامرأة منقبة لا يرون وجهها ولا يعرفون من هي. - كامرأة مسلمة، هل شعرتِ أن ثمّة فرقا، بين ارتدائك للباس العادي، وبين ارتداء النقاب؟ * نعم، طبعا شعرت بالفرق. لقد عشتُ مشاعر النساء اللائي يقتنعن بالنقاب ويرتدينه عن طيب خاطر لأسباب شرعية أو نفسية، لكنني أيضا أحسستُ أكثر بمعاناة الشابات والنساء بسبب فرض أسرهن ارتداء النقاب عليهن، لأنه يطمس معالم المرأة تماما، وتفقد تحته ملامح هويتها وشخصيتها، كما أنه قد يحول دون اندماجها في المجتمع. - قلتِ في إحدى فقرات الروبورتاج "قصدتُ سيارتي وشعرت أن الجميع من حولي يسمع صوت دقات قلبي العالية ويشعر بالتوتر الذي يهزّ جسدي". ممّ كنتِ خائفة؟ ولماذا كنتِ متوتّرة؟ * كما قلت في السابق، كنت خائفة من نفسي ومن الناس من حولي. لم يكن سهلا الاختفاء تحت النقاب الأسود بالكامل وفقدان هويتي وشخصيتي والذوبان تحته من شعري حتى أخمص قدمي. كما أنني كنت خائفة من أن يتعرف عليّ أحدهم أو أن تكون ردة فعل الناس عنيفة أو سلبية تجاهي. لكن هذه المشاعر اختفت تماما بعد فترة، وتمكنتُ من التجول بالنقاب لأسبوع دون أية مشاكل. - الكثيرون (خصوصا الإسلاميين)، يتحدثون عن وجود عداء للإسلام والمسلمين في أمريكا، هل لامستِ شيئا من هذا "العداء" خلال الأسبوع الذي ارتديتِ فيه النقاب؟ * لقد كنتُ مدركة لوجود مثل هذه الأقوال، وربما كانت جُزْءا من أسباب فضولي الصحفي الذي دفعني لارتداء النقاب والتعرف على ردّ فعل الأمريكيين بنفسي دون أحكام مسبقة، لكنني أؤكد لك أنني فوجئت عبر تجربتي الشخصية بعدم وجود أي عداء تجاهي كمسلمة منقبة. لقد تعامل معي الأمريكيون باحترام شديد في منطقة واشنطن الكبرى رغم استغرابهم شكلي بالنقاب وأنا أتجول في مناطق سياحية وألتقط صورا تذكارية. - كتبتِ قائلة: "شعرت أنّ لبس النقاب في أمريكا مسألة حرية شخصية بَحْتة تمنح الراحة الداخلية لبعض النساء اللائي يعتبرنه درعا واقيا من العالم الخارجي الذي يجهْلنه أو يخشينه". فيمَ تتجلى الراحة التي تشعر بها المنقبات؟ وهل تريْن أن ارتداء النقاب يعتبر تغطية على نقطة ضعف ما، تعاني منها هؤلاء النساء؟ * لا يمكن أن أقول أن ارتداء النقاب يغطي على نقطة ضعف تعاني منها المنقبات، لكنني شعرتُ -وأود أن أؤكد أن هذه مشاعر شخصية- أن النقاب كان بمثابة درع واق من العالم الخارجي يعزل المرأة تماما عما يحيط بها. لقد قالت لي "الغالية"، السيدة المغربية التي منحتني النقاب وحكت لي قصة ارتدائها النقاب، أنها لا تتخيل حياتها دونه لأنه يمنحها راحة داخلية، ولأن لا أحد يعرف من هي أو ماذا ترتدي أو كيف يبدو شكلها. - ما هي الخلاصة التي خرجْتِ بها من خلال هذه التجربة؟ وما موقفك من النقاب، بعد أن جرّبتِ ارتداءه لأسبوع كامل؟ *الخلاصة كانت أن الأمريكيين الذين يقطنون في منطقة واشنطن الكبرى لديهم تقبل كبير ل"الآخر"، وهنا أعني المسلمة المنقبة التي يختفي جسدها بالكامل وراء غطاء أسود، كما اكتشفت أن هناك سيدات أمريكيات مسلمات يرتدين النقاب وأنه ليس حكرا على المسلمين الوافدين على الولاياتالمتحدة. موقفي من النقاب كان واضحا جدا في الموضوع الذي نشرته عندما قلت إنه قرار شخصي تتخذه سيدات مسلمات لأسباب دينية، لكنه قد يتحول إلى كابوس حقيقي إن تم فرضه على المرأة بالقوة. - بعيدا عن النقاب، وكامرأة مغربية أقامت في الولاياتالمتحدة منذ سنين، هل تعتقدين أنّ هناك عنصرية من طرف الأمريكيين ضد المسلمين أم لا؟ *لقد عشتُ في الولاياتالمتحدة لعقد كامل وسافرتُ إلى ولايات مختلفة ولم أشعر يوما بأي نوع من التمييز أو العنصرية ضدي بسبب ديني أو جنسي أو لوني. أنا أقيم في أمريكا وأتمتع بالحريات التي يتيحها الدستور الأمريكي للمقيمين والمواطنين في ظل احترام كامل للقوانين المحلية. في الحقيقة، أشعر أنني حققتُ نوعا ما "حلمي الأمريكي" بفضل الفرص المهنية والشخصية التي أتيحت لي هنا والتي لم تتح لي في بلدي الأصلي. لا أحد يسألك في أمريكا عن اسمك العائلي أو ثروة عائلتك أو مهنة والدك أو أقاربك من أصحاب النفوذ.. عندما يوقفك شرطي أمريكي بسبب مخالفة قانونية يحييك باحترام شديد ثم يطلب هويتك قبل أن يشرح لك سبب توقيفك، وليس من حقه أن يسألك إن كنت مهاجرا أو مواطنا أو مقيما بصفة شرعية أو غير شرعية.. إن كنت غنيا أو لك أقارب من ذوي النفوذ.. هذا التعامل المتحضر هو مثال بسيط جدا على كيفية التعامل مع المهاجرين أمثالي في أمريكا، وربما هو واحد من الأسباب التي مازالت تجعل أمريكا من بين أفضل الوجهات في العالم بالنسبة للمهاجرين.