عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    ترامب يستكمل تشكيلة حكومته باختيار بروك رولينز وزيرة للزراعة    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    قاضي التحقيق في طنجة يقرر ايداع 6 متهمين السجن على خلفية مقتل تلميذ قاصر    الأرصاد: ارتفاع الحرارة إلى 33 درجة وهبات رياح تصل 85 كلم في الساعة    بتر ساق رجل علقت بين الصخور خلال ممارسة التجذيف في نهر أسترالي    ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الاحتفال بالذكرى السابعة والستين لانتفاضة قبائل ايت باعمران    كوب 29: رصد 300 مليار دولار لمواجهة التحديات المناخية في العالم    غوتيريش: اتفاق كوب29 يوفر "أساسا" يجب ترسيخه    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    فدرالية أطباء الطب العام بشمال المغرب تعقد المؤتمر الثاني للطب العام    إفريقيا تنتقد ضعف التمويل المناخي    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    إيداع أبناء شخصيات بارزة في عالم الاقتصاد السجن في قضية اغتصاب محامية فرنسية    الرباط.. التحقيق مع شرطي متهم ب"استغلال النفوذ"    دولة بنما تقطع علاقاتها مع جمهورية الوهم وانتصار جديد للدبلوماسية المغربية    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    الصحة العالمية تؤكد أن جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ عامة        انقسامات بسبب مسودة اتفاق في كوب 29 لا تفي بمطالب مالية طموحة للدول النامية    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران        الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    غارات إسرائيلية تخلف 19 قتيلا في غزة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنفلات القانوني في "أمة" الريسوني
نشر في هسبريس يوم 05 - 03 - 2013

لقد أطل عالم المقاصد المغربي أحمد الريسوني بمقال تنظيري حول وضع الأمة و الدولة عنوانه "الأمة والدولة بين الوضع السوي والوضع المقلوب". مقال إعتبر فيه أن الأمة هي الأصل، وليس الدولة، على جميع الأصعدة سواء من حيث الخطاب الشرعي أو الصلاحيات والمسؤوليات أو الأولوية والتقديم. و إذا كنا نوافق الرأي بالقول أن الأمة بمعنى الشعب هي الأصل على صعيد الأولوية بما يضمن مصالح جميع مكوناتها المختلفة، فإننا نختلف في إعتبار الأمة بالمفهوم الريسوني الذي لا يتجاوز فئة قد تكون غالبية أو اقلية من التابعين لمدرسة دينية معينة ، هي الأصل على صعيد الأولوية و التقديم بما تضمن مصالحها الفئوية دون الإلتفات إلى الفئات الأخرى. و على فرض وجود "أمة الريسوني" بأغلبية مستحيلة و هي المائة في المائة، فإن قوله بأصليتها على صعيد الأولوية و التقديم بما يضمن مصالحها قول لا يستقيم ندرج الإشكال عليه في طوايا هذا المقال. ثم إن القول بأصليتها بمعنى تأصل الصلاحيات و المسؤوليات على مستوى التنفيذ منها مباشرة كلام خطير يوحي بفكر فوضوي و يدعو و إن بطريقة غير مباشرة إلى جعل المجتمعات العصرية عبارة عن جماعات تتجاوز المؤسسات و التنظيمات و القوانين و التشريعات لتمارس أقوى مظاهر الإيمان بحسب الفهم الضيق للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. إنه لمن المفاجأة أن نرى في هذه الأيام فقيهاً في المقاصد يفرق الإجتهاد على أمته بهذا السخاء. فقيه في المقاصد من كثرة ما تفقه صار يرى أن الأمة بجاهلها و عالمها و طالبها و أبلهها و متطرفها أهلاً لتشخيص المقصد الشرعي ثم المرور إلى تنفيذ الحكم الملائم.
اشكال في التعريف
لعل أول نقاط الضعف في مقالة الريسوني المذكورة - نشرتها جريدة هسبريس (5 مارس 2013) - غياب تعريف معقول للأمة. و بما انه ذكر الآيات القرآنية المخاطبة للأمة في بعض القضايا فإنه يفهم منه الحديث عن تصور خيالي لأمة إسلامية لم يبذل أي جهد في تحديدها. فلا تكاد تفهم إن كان حديثه يقصد به المسلمين من طنجة إلى جاكرتا أو يقصد به المسلمين على إختلاف حدودهم الدولية كل حسب دولته. و في كلتا الحالتين لا توجد أمة متجانسة عقدياً و فقهياً و مذهبياً بالطريقة التي تخول لأفرادها ممارسة عدد من الصلاحيات التي نافح عن تخويلها للجماعة و على رأسها الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و إذا افترضنا تطبيقاً لهذا الشق فقط من الصلاحيات الجماعية التي يريد الريسوني تمريره للأمة مباشرة فإن النتائج ستكون كارثية. خذ على سبيل المثال صوفي من محبي الحلاج و الماضين على دربه في تونس تأتي جماعة سلفية فتقتتله كما قتل الحلاج.
فتأتي بعد ذلك جماعة صوفية تقاتل الفئة الباغية لتسبح أمة الريسوني في حمامات من الدم. فعند السلفية الصوفية منكر و عند الصوفية السلفية منكر.
ولست أدري حينها ما سيقوله الريسوني عن قتل الأمة بالأمة؟ و أغلب ظني أنه سيقول أن الأولى اجتهدت فأصابت فلها حسنتان و الثانية اجتهدت فأخطأت فلها حسنة واحدة و كلاً وعد الله الحسنى..
من داخل "أمة" الريسوني
إنه و مع استحالة إيجاد تصور واقعي للأمة التي يتحدث عنها الريسوني، فإننا لن نترك الموضوع دون محاولة فهم تصوره لأمته. إنه ليس تصوراً طوبوياً تتحقق فيه الراحة و السعادة لأمة و تختفي فيه الشرور. و لكنه تصور خيالي يفتقر إلى العلمية لأمة متجانسة فكراً و فقهاً و معتقداً وصلت بنباهتها و فطنتها و تعلمها مستوًى أصبحت به قادرة على التصدي لصلاحيات مختلفة بسبب عجز أو عدم كفاءة الدولة، لتنطلق بمركزيتها و حريتها في المبادرة فكراً و قولاً و عملاً متحركةً في كلّ اتجاه، ومبدعةً في كل جانب. كل هذا، كما يتصوره الدكتور الريسوني، يتحقق دون أن يؤثّر ذلك سلباً على الدولة وقيادتها ورعايتها، بل لا يؤثّر ذلك على الدولة إلا بمزيد قوة وعافية ورقي على حد قوله. و هنا ندرج بإختصار بعض الاشكالات المتعلقة بهذا التصور الخاطء:
1. كون التصور مخالف للتوجه الفقهي لصاحبه
لو افترضنا جدلاً وجود أمة متجانسة في الفكر و العقيدة و المذهب نسميها "أمة الريسوني" لتوضيح المعنى. و كان في هذه الأمة شخص مزدوج الجنسية أتى منكراً عقابه المفترض هو الرجم، و علمنا أن رجمه سيضر بمصالح الأمة ككل و سيؤدي إلى حصار من دولة أو دول أجنبية يمنع عن الأمة الدواء ما قد يخلف فيها الكثير من الضحايا.
الريسوني يقول عن تغيير المنكر ومقاومة الفساد: "هذه وظيفة أخرى من وظائف المجتمع والجماعة، وظيفة تغيير المنكر إذا ظهر ومقاومة الفساد إذا بطر. ولكن هذه الوظيفة أيضاً قد حوصرت وحصرت، ودُفع عامة الناس بشتى الأساليب والآراء عن ممارستها، أو على الأقل ضُيّق عليهم في ممارستها، بينما النصوص متضافرة صريحة في تحميل هذه المسؤولية لعموم الناس نساءً ورجالاً؛ يؤدّونها في مدنهم وقراهم كافة؛ وحتى مع ولاتهم ووجهائهم. ومن غريب ما صنعته الممارسة السلطانية، ذلك الفقه السلطاني الذي جعل تغيير المنكر باليد خاصاً بالدولة، وتغيير المنكر باللسان خاصاً بالعلماء (وبقيود وشروط)، وأما الأمّة برمّتها وعامّتها فلم يبقَ لها إلا تغيير المنكر بالقلب، أي عدم التغيير الفعلي".
وإعتماداً على كلامه يمكن لجماعة في قرية معينة رجم المذنب دون أي اشكال كما ذكر. لكن الذي خفي عنه هو كون هكذا فعل لا يجوز بحسب فقه مقاصد الشريعة، و الذي يعتبر الدكتور من اعلامه في المغرب. فإذا اخذنا بعين الإعتبار التعارض بين مصالح ومفاسد المكلف مع غيره، فقد ذكر الشاطبي في مسألة عموم الضرر أن الضرر العام يرفع بالجملة، فيمنع جالب المصلحة أو دافع المفسدة مما هو مقدم عليه لأن المصالح العامة تقدم على المصالح الخاصة. فهنا قدم الريسوني مصلحة قرية على مصلحة عموم الأمة مخالفاً فقهه.
يقول الريسوني في المآلات :" مفهوم المآلات.. وهو ما يؤول إليه فعل من الأفعال فمثاله ما يلي : امتنع النبي عن قتل المنافقين مع علمه بهم ومع علمه باستحقاقهم القتل ، وقال أخاف أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه… وتخلى عن إعادة بناء البيت الحرام على أساس بناء إبراهيم عليه السلام ، حتى لا يثير بلبلة بين العرب وهم حديثو عهد بالإسلام… فلولا رعاية المآلات والنتائج لوجب قتل المنافقين " (نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، مجلة الرائد ، عدد 183 ، سنة 1996). و هنا نطرح اشكالاً حول معقولية القول بإستطاعة "أمة الريسوني" المفترضة لكي تشخص المآلات! من منا يستطيع تخيل أمة يعلم فيها أهل القرى و المداشر بالمصالح الإستراتيجية و الحسابات السياسية؟
2. كون التصور خارج عن دولة الحق القانون
لو افترضنا أن قيام قرية من "أمة الريسوني" بالنهي عن المنكر في نفس المثال أعلاه، أي مثال قيام شخص منها بما يستحق الرجم، و هب افترضنا كذلك أنه في هذه الحالة لا يترتب ضرر بعد اعدامه على الأمة إطلاقاً. هنا نشكل على الريسوني في مساءلة أهلية اهل القرية من ناحية الخبرة في التعامل مع الجريمة أولاً. ثانياً نشكل عليه في قضية عدم أهلية أهل القرية و معهم الوالي أو القائد من ناحية القدرة على تشخيص أهلية الجاني للمحاكمة. فقد يكون مريضاً نفسياً ما يرفع عن المتابعة و يحيله إلى المرفق العمومي المختص. ثم ثالثاً و في حال كان المذنب أهلاً للمحاكمة، فهنا نسائل المحاكمة العادلة و حق الدفاع و كذلك حق الطعن و الإستئناف. و ليس من الحكمة أن يرى الريسوني جماعة من أهل القرية أو المدشر في أمته و معهم الوالي أو القائد بأنهم خبراء في علم الإجرام و خبراء في الطب و القانون كذلك..
إنه و بناء على ما ذكرناه تسليماً بوجود "أمة" الريسوني، نستنتج أنها أمة عوامها لهم المكزية على حساب متعلميها في شكل جماعات متناحرة مع العالم و مع نفسها. انها أمة رجعية لا يستوعبها الخيال فما بالك من الواقع. هذا الواقع الذي تجاوز مفهوم الأمة بما ذكر من معنى بعدما أصبح مفهوم المواطن و المواطنة و الحق و القانون و المؤسسات و النظام هو المركز. مركز لا يمكن أن ننفي دور أمة المواطنين على اختلاف مكوناتها في امداده بأسباب الوجود سواء كان من خلال الإنتخاب أو الضرائب أو المشاركة المنظمة. الأوطان هذه الايام تحتاج إلى الإيمان بسيادة القانون و ليس سيادة القرى و المداشر. و هذا ما ذهب الدكتور الريسوني إلى عكسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.