رشيد بوصيري / مؤسس موقع قطاع الطاقة ل " المشعل " "" مشكلاتنا أننا "نحاول" حل الأزمات من خلال غض الطرف عنها وكأنها ستحل من تلقاء نفسها تأسس موقع www.senergie.org في نظرك هل المغرب مقبل على أزمة طاقية كهربائية؟ للأسف، نحن نعيش الأزمة منذ مدة. ولم يفلح السياسيون المتعاقبون على تدبير ملف الكهرباء بالمغرب سوى في إنكارها وبالتالي تأجيل انفجارها إلى حين، هل نسي المغاربة تصريح وزير الطاقة السابق في يناير من 2007 عندما أعلن أن المغرب في منأى عن أية أزمة كهربائية وأن وزارته أخذت كل احتياطياتها وأعدت عدتها لتجنب المواطنين خطر انقطاع الكهرباء؟ ألم تبدأ في ذات السنة عملية تخفيف الحمال على الشبكة (Délestage) التي تعني حرمان مناطق وأحياء بأكملها من الكهرباء، وبذلك بدأ المغاربة يرجعون بذاكرتهم إلى تسعينيات القرن الماضي! واحدة من مشكلاتنا هي أننا "نحاول" حل الأزمات من خلال غض الطرف عنها، وكأنها ستحل من تلقائها، تلك طريقة تقليدية في التعامل مع الأزمات، وبسياسة النعامة هذه تجاوزنا المراحل الأولى لأزمة الكهرباء، ونحن نعيش الآن مرحلة النضج. ما هي درجة حدتها و فحواها؟ معلوم أن المغرب ينمو فيه الطلب على الكهرباء بنسبة 8 % في السنة، وهي تمثل 1587 جيغاواط/ساعة بين سنتي 2005 و 2006، هذه النسبة تفوق إنتاج كل سدود المغرب مجتمعة في سنة مطيرة كسنة 2006، في الدول المتقدمة تعتبر نسبة النمو هذه جد متوسطة، أما عندنا فإنها الوجه الأول للمشكل، والوجه الثاني هو أن المغرب تأخر كثيرا في الاستثمار الكهربائي، أي أننا لم نقم في العشرية الماضية بتهيئة وسائل الإنتاج التي نسد بها حاجتنا الحالية من الطاقة. فوقعنا بشكل اضطراري في اختلال ميزان العرض والطلب. هذا هو العنصر الظاهر من جبل الجليد، أما بالنسبة للباطن فالمشكل أعمق بكثير، لأن تدارك هذا التأخر يتطلب اعتمادات مالية ضخمة، ويتطلب تحررا من أي تبعية مالية أو سياسية و يتطلب أخيرا سرعة كبيرة في الأداء، وفي نظري هذه العناصر مجتمعة تكاد تكون منعدمة. لم يعد خافيا على أحد أن المكتب الوطني للكهرباء يعاني من أزمة مالية خانقة لأسباب، منها أن هذا الأخير وقع تحت رحمة شركات الامتياز التي تنتج أكثر من 60 % من احتياجات المغرب للكهرباء، وهذه النسبة تستأثر بحظ وافر من ميزانية المكتب، ومع ذلك فالمكتب مرتبط بشروط تعاقدية معتلة، على سبيل المثال: المكتب الوطني للكهرباء يؤدي للسوق الخارجية غالبية فاتورة الفحم الحجري التي تحرك بها "تربينات" محطة جليك الإماراتية، ويؤدي على ذلك ضريبة الاستهلاك الداخلي للدولة. فالمكتب مرتهن لمدة 19 سنة قادمة لبنود هذا التعاقد من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكنه تخفيف أعبائه المالية بزيادة تعريفة الكهرباء رغم لهيب المحروقات التي يستصدر أغلبها من الخارج، لأن القدرة الشرائية للمواطن منهكة أساسا ولأن سوق الكهرباء عندنا غير محررة. بين هذه الإكراهات يتم تدبير قطاع الكهرباء في المغرب، وبسببها يسهر عمال وأطر المكتب الوطني للكهرباء للحفاظ على التوازن الكامل بين العرض والطلب وعلى مدار الساعة لأن اختلاله يتسبب مباشرة في الانقطاع الكلي (Black out)، ورغم هذا الإنجاز فهم يعيشون ظروفا اجتماعية مجحفة، وهذا وجه آخر للأزمة. هل هي عابرة أم بنيوية؟ و من المسؤول عنها؟ دعني أرجع بك إلى سنة 1994 التي شهدت في نظري الإرهاصات الأولى لولادة الأزمة الطاقية بالمغرب، من خلال التركيز على ثلاث تغييرات شهدها القطاع في تلك السنة، أولا تم تغيير المدير العام آنذاك، وثانيا سيتم تغيير القانون المنشئ للمكتب لإنهاء احتكار هذا الأخير لوسائل الإنتاج، ثم أخيرا سيتم تحويل محطة الجرف الأصفر إلى القطاع الخاص من خلال شروط رأينا بعضها أعلاه، هذا "الإنجاز" الكبير تجد أن بعض الساسة من يفخر به، إن أحسنا الظن قلنا إن سبب الأزمة هو سوء التقدير وعشوائية التدبير. كيف لا تكون هناك أزمة بنيوية ونحن أصبحنا لا ننتج سوى 35% من كهربائنا وحتى هذه النسبة تبدو مهددة، إذا لم يجد المكتب مصادر لتمويل استثماراته وسداد ديونه؟ كيف لا تكون كذلك وبعض الأطراف تسعى لاحتواء الأزمة وتحويل مسارها رغبة في الابتزاز، من منا اطلع على التقارير المشفوع بها لقانون مالية 2008 يرى كيف يراد لهذا القطاع أن تحل أزماته؟ هل أضحى مفروضا على بلادنا أن تعيش تبعية طاقية كهربائية للخارج؟ جانب من التبعية مفروض علينا حتى حين، لأن الله الذي حبا هذا البلد بكل النعم، منع عنه البترول لحكمة يعلمها، هذه المادة التي نستورد جلها تثقل كاهل اقتصادنا خاصة في ظل ظروف دولية تبتز بها الشعوب المستضعفة من طرف المضاربين الكبار، ولعل هذا من "بركات" الليبرالية التي تطورت فأصبحت متوحشة. والجانب الآخر من التبعية نصنعه بأيدينا من خلال الاختيارات المجانبة للصواب والتي يفتقد فيها البعد الإستراتيجي للسياسة والاقتصاد، مثلا سمعنا أن المغرب أنشأ محطة كهربائية في منطقة عين بني مطهر التي ستنتج الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية والغاز الطبيعي، لكننا لم نسمع من أين سيأتي المغرب بالغاز، وتمنيت أن تكون الجارة الجزائر قد وافقت على هذا التوريد، خاصة وأن الساسة الذين اختاروا موقعا قريبا من أنبوب الغاز الجزائري هم على علم بالإكراهات السياسية والتجارية بيننا وبين القطر الشقيق، لكن الجواب جاء به رئيس فدرالية الطاقة الذي صرح في مطلع الأسبوع الماضي بأن الجزائر رفضت تخصيص حصة من غازها الطبيعي للمغرب وأن الشركات العاملة في مجال النفط اقترحت على الحكومة أن تستورد الغاز من نيجريا!