تحولت الفضاءات الجمعوية بإقليم الحوز إلى ساحات لحروب طاحنة يين مختلف تشكيلات جمعيات المجتمع المدني، بعد صدور مذكرة عاملية تدعو إلى تجديد مكاتبها المترهلة، ترهل بطون اقتاتت على خيراتها حتى بشمت، ومعها الفضاء الإقليمي المنتهي الصلاحية بعد إفشال جمع "غير عام" لتجديد مكتبه، طبعا هذه الحروب المستعرة وتهافت رؤوس كبيرة على عضوية المكتب المسير للفضاء الاقليمي ليس حبا في سواد عيون ساكنة غالبيتهم يرزح تحت وطأة الفقر والقهر، ولا ابتغاء مصلحة عامة ابتذلت من كثرة ما لاكتها ألسن فاسدين لا هم لهم سوى تضخيم ثرواتهم الخاصة، ولكن عضويته غنيمة كبرى لكائنات طوحت بها الرياح إلى المجال الجمعوي وإن كانت لا تؤمن ب "التطوع" أو "في سبيل الله". إنها تخول لك " التبراع والتمخميخ" في مختلف دول العالم دون أن تدفع ريالا من جيبك، إنه يعني "اللعب" بميزانية سمينة والتصرف في "مساعدات خارجية" بمئات الملايين، ويعني فيما يعنيه أيضا امتلاك ناصية بقرة حلوب اسمها " المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" التي لم تغير من واقع الانسان أو حتى الحيوان شيئا، ولم تنم سوى جيوب المفسدين وأرصدتهم المالية، من خلال مشاريع وهمية أو أنشطة لاتساوي عشر معشار ما أنفق عليه من أموال دافعي الضرائب. وأرغمت الجمعيات على إتقان فن الكدية وتسول الدعم على أعتاب القسم الاقتصادي والاجتماعي بالعمالة، والإذعان لشرط الوصاية المالية حين يقوم مسؤولوها المبجلون بعقد صفقات المشروع نيابة عن الجمعيات "المحظوظة". هذا كله أسال لعاب اللاعبين في الساحة السياسية الجمعوية - لأن شعرة معاوية التي تفصل بين السياسي والجمعوي منقطعة أصلا- دون تغييب لاعب أساسي يمسك بالخيوط، ويتواجد في كل الخطوط متمثلا في المخزن، ذلك أن مسؤولين إقليميين بوزارة الداخلية - التي تقع تحت مسؤولية العنصر مجازا لا حقيقة – لم ينأوا بأنفسهم عن هذا الصراع، ويتركوا المجال للديموقراطية تحسم النتائج، بل كان تحيزهم لجهات محددة مكشوفا، سيما اتجاه رؤساء الجماعات، ولعلم القارئ فمن العجائب التي ينفرد بها الحوز أنه ما من رئيس جماعة في كافة جماعاته إلا ويرأس فضاء جماعيا أو باشويا، أو "يفوض" من يرأسه من المقربين وخلاف ذلك نادر قليل– والشاذ لاحكم له كما يقول الفقهاء- بل تفتقت عبقرية أعضاء بلدية أمزميز عن تكوين كل عضو منهم لجمعية خاصة به، ثم تشبيكها في إطار فدرالية ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب، وحصلت منذ نشوئها على مشاريع مولتها المبادرة الوطنية بعشرات الملايين، منها فضيحة مشروع الدكاكين التي بنيت فوق أرض لاتملكها، أوقفت قبل سنتين، وتسببت في إفلاس المقاول الذي لم يتسلم مستحقاته إلى حد كتابة هذه السطور، وفقد عماله مورد رزقهم. ولعل خوف بعض مسؤولي الداخلية من نفحة التغيير الذي يتزعمه شباب الإقليم، وأطاحت برؤوس الفضاءات الجمعوية المحلية، خاصة بأمزميز وأيت أورير... قد أربكت حساباتهم ودفعت بهم إلى تدخلات فجة. ففي أمزميز رفض السيد الباشا تسليم وصل تجديد اتحاد الجمعيات التنموية لمكتب انتخب ديموقراطيا من طرف أهم الجمعيات النشيطة والفعاليات الشبابية بالمنطقة، بدعوى عدم توفره على ملف الاتحاد أصلا، علما أن رئيسه السابق - الذي هو طبعا رئيس بلدية أمزميز، ولج عضوية الفضاء الإقليمي من بوابة رئاسة الاتحاد، بل شغل منصب نائب رئيس الفضاء، مما حدا بالشباب إلى القبول بتأسيس الفضاء المحلي بدل تجديده . وإذا سلمنا للسيد الباشا مقالته فهذا الأمر يطرح مسألة واحدة لاغير هي أن السيد رئيس البلدية كان ينتحل صفة خولت له– فوق كونه موظفا شبحا بوزارة التربية الوطنية- امتيازات عدة، وأنفقت عليه وعلى يديه بموجبها أموال طائلة من المال العام. الغريب أن السيد الباشا لم يتردد قيد أنملة، في تسليم وصل إيداع تجديد الاتحاد نفسه لرئيس البلدية الذي ألمَّ به غم كبير لأنه سيحرم من منصب " يخدم " به البلد أرجو ألا يفهم القارئ من "الخَدْمة" معناها الدارجي القدحي – ف"طَبَخَ" جمعا تجديديا "غير عام" لايعرف أحد متى وأين. مبرر السيد الباشا لأعضاء المكتب المسير السابق الذين لم يعلموا بهذا الجمع ولا استدعوا إليه يبدو أغرب، وهو أن المكتب الجديد الذي حصل السيد رئيس البلدية على وصل إيداعه جاء على أنقاض المكتب المنشأ سنة 2001، أي بعد مرور 12 سنة!! وأترك التعليق للقارئ . أما سعادة رئيس الدائرة فيبدو أنه لم يكن سعيدا بنتائج أشغال الجمع العام لتجديد اتحاد الجمعيات بجماعة أولاد امطاع حيث لم تتح الديموقراطية لرئيس الجماعة القروية التربع على عرش الاتحاد، فصب على أحد الفاعلين المحليين جام غضبه، فأرعد وأزبد، وهدد وتوعد، بشكل يذكر كل من يحتاج إلى تذكير أن المفهوم الجديد للسلطة ليس سوى كذبة بلهاء يصدقها الأغمار الأغرار، ومساحيق منتهية الصلاحية تفضح مع الوقت وجها قبيحا لعجوز شمطاء سرعان ما يتكشف بكل ذمامته حين يجد الجد. وثالثة الأثافي الجمع العام لانتخاب مكتب الفضاء الاقليمي الذي شهد معركة حامية الوطيس، ارتكبت فيها مجزرة في حق القانون واهدرت فيه دماء الديموقراطية، وتم انتخاب نفس الأسماء ضمن لائحة معدة مسبقا، صوت لها بالاجماع ممثلو فضاءات جمعوية محلية بعضها لاتملك حتى وصل الايداع المؤقت، وأخرى افتقدت الصفة القانونية للحضور، بمباركة وتواطؤ صارخ لمسؤولي العمالة. الأكيد أنه لو كان بالمغرب مراقبة مالية حقيقية، وربط للمسؤولية بالمحاسبة، وجدية في متابعة ناهبي المال العام، لما كان لهذا السباق المحموم داع، ولأخلت كل الكائنات الطفيلية المجال للفاعلين الجمعويين الصادقين لأداء دورهم في تنمية بشرية حقيقية تستهدف تحرير الإنسان من قيود الخوف والجهل والتخلف، وبث الوعي بمواطنة حقة تتأسس على مبدأ "الواجبات بالأمانة والحقوق بالعدالة"، وهو دور يقض مضاجع المفسدين والانتهازيين لأنهم يدركون تمام الإدراك مآلاته، حتى قال أحدهم وهو رئيس جماعة وفضاء جمعوي ياحسرة – محتجا على رئيس جمعية نشيطة بأحد الدواوير النائية بالإقليم : "أسيدي مالك نتا الي ناعس نغطيوه". [email protected]