ارتفعت في الآونة الأخيرة موجة الإضرابات عن الطعام التي خاضها ولا يزال العشرات من معتقلي "السلفية الجهادية" في عدة سجون المغرب، وهي أشكال احتجاجية تتجدد بين الفينة والأخرى يطالب من خلالها المعتقلون الإسلاميون بحقوق يعتبرونها بسيطة، من قبيل توزيعهم بعيدا عن معتقلي الحق العام وتنقيلهم إلى سجون قريبة من ذويهم وتمتيعهم بالخلوة الشرعية وتمكين أهلهم من الزيارة بشكل دائم ومن دون تفتيش.. وهي حقوق يتوسطها في بعض الحالات مطالب بالإفراج وإنهاء حالة الاعتقال التي تستند على قانون مكافحة الإرهاب المثير للجدل. وحسب مصادر حقوقية، فإن هذه الإضرابات غير منظمة بل عشوائية، في مقابل تواجه إدارة السجون تلك الحالات، بحسب المصادر ذاتها، باللامبالاة و"الكذب" في بعض الأحيان، "فمندوب السجون مثلا أخبر عبد العالي حامي الدين، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، حين اتصل به عن حالة الصحية للمعتقل توفيق إتريب، وأخبره بأنه يأكل ويشرب وغير مضرب عن الطعام..". هذا وسبق لتيار السلفية الجهادية داخل السجون خوض إضراب وطني صيف العام الماضي، كرَدّ فعل على استثناءهم من لائحة العفو الملكي وعلى التصريحات التلفزية لوزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، التي نفى فيها وجود أي معتقل رأي سياسي داخل سجون بنهاشم. وساطات لإنهاء الإضرابات.. الرويسي والكتاني والحدوشي وهيئات حقوقية كانت أطرافا تدخلت غير ما مرة من أجل إقناع المضربين السلفيين لإيقاف إضراباتهم، كان آخرها تدخل عمر الحدوشي الذي أقنع المضربين عن الطعام بسجن سطات بالتوقف عن الاحتجاج وتدخله لدى المندوبية العامة لإدارة السجون من أجل تلبية مطالبهم المتمثلة في التنقل قرب عائلاتهم بسجن عكاشة بالدار البيضاء. في حين سبق للكتاني أن ناشد المُعتقلين الإسلاميّين المُضربين عن الطعام بسجنَيّ سلا 2 وسطات بفك الإضراب، واعدا إياهم بالسعي في فتح حوار مباشر مع مندوب إدارة السجون وإعادة الإدماج. ويقول عمر الحدوشي في تصريح لهسبريس، أن موجة الإضرابات الأخيرة لهؤلاء المعتقلين تبقى فردية وغير منظمة أو موحدة على الصعيد الوطني، "ليس مثلما حدث حين كنا معتقلين بسجن القنيطرة ونفذنا إضرابا وطنيا عن الطعام في 20 سجن تقريبا من أجل تحسين وضعيتنا داخل السجون"، مضيفا أن مطالب الحالية لتلك الفئة جد بسيطة "ولو أرادوا تنفيذ إضراب وطني تصعيدي لتمكنوا من ذلك بالفعل". تحذيرات من موت المعتقلين المحتجين.. وتفيد منظمة "العدالة للمغرب"، التي تأسست في 2004، بأن حالة المعتقل جواد بن زيان، المضرب عن الطعام بسجن سلا 2 منذ 12 يناير الجاري، في حالة جد متدهورة استدعت نقله إلى مستشفى السويسي بالرباط على كرسي متنقل وهو في حالة غيبوبة، بسبب انخفاض الضغط ونسبة السكر.. فيما يوجد المعتقل عبد اللطيف اللقب "في حالة خطيرة لا يستطيع القيام من مكانه و يعاني من احمرار في عينيه و فقد حوالي 15 كلغ من وزنه"، كما أدى إضراب حسن اليونسي، المعتقل احتياطيا "كزعيم لجماعة أنصار الشريعة بالمغرب"، عن الطعام إلى "تقيُّئه الدم".. ومن جهتها، أفاد منتدى الكرامة لحقوق الإنسان بأن صحة معتقلين آخرين مضربين عن الطعام منذ دجنبر الماضي، بسجن بوركايز بفاس ومركز الإصلاح والتهذيب "علي مومن" بسطات، في تدهور مستمر، وهم المطالبون بترحيلهم قرب عائلاتهم. وهي حالات دفعت حذرت منظمة "العدالة للمغرب" الحقوقية، مما سمته الحالة الصحية "المتدهورة" التي وصل إليها عدد من المعتقلين الإسلاميين المضربين عن الطعام بسجن سلا 2 والمطالبين بالإفراج عنهم، مستنكرة في الوقت نفسه "سياسة اللامبالاة التي تنتهجها إدارة السجن". من جهته، أوضح منتدى الكرامة لحقوق الإنسان أنه بعد تلقيه ردا من المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بنفي دخول المعتقل توفيق إتريب في إضراب عن الطعام، تأكد بعد إفادات متعددة أن المعتقل يتعرض لإغماءات متكررة يفقد معها الوعي الكامل استدعت نقله إلى المستشفى. الحالة دفعت المنتدى إلى تحميل مندوبية السجون مسؤولية مصير إتريب والتحذير من خطورة وضعه، والدعوة إلى التدخل العاجل لإنقاذ حياته والاستجابة لمطالبه المشروعة في التواجد إلى جانب المعتقلين الإسلاميين، أو تمكينه من زنزانة انفرادية. أبرز مسارات ملف معتقلي السلفية الجهادية.. بعد صدور قانون مكافحة الإرهاب رقم 03-03 بظهير شريف في 28 ماي 2003 بعد مصادقة مجلسي النواب والمستشارين في عهد حكومة ادريس جطو، سرت مقتضياته على أزيد من 2300 شخص بالمغرب إلى حدود الآن، أدين فيها المعتقلون الذي لقبوا وقتها ب"السلفية الجهادية" بأحكام سجنية تراوحت ما بين الإعدام والمؤبد وعقوبات امتدت إلى 30 سنة، إضافة إلى التبرئة والعفو الملكي.. ويعتبر المعتقلون أنفسهم وبموجب قانون الإرهاب "معتقلين من نوع خاص" وبموجب الأعراف "معتقلي الرأي والعقيدة"، وهو ما يقضي بالتالي إلى سجن هؤلاء في أماكن خاصة وتمتيعهم بمجموعة من الحقوق مثل أي معتقل للرأي والسياسة، رغم أن عدة جمعيات حقوقية تأكت من أن معتقلي "السلفية الجهادية" مروا من محاكمات غير عادلة وتعرضوا للاختطاف والتعذيب والإكراه على توقيع محاضر.. في 17 فبراير 2011، قام المعتقلون بتنفيذ اعتصام احتجاجي بسجن سلا1، أثمر عن اتفاق 25 مارس 2011 ما بينهم وبين ممثلين عن مندوبية إدارة السجون ووزارة العدل والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بموجبه يتم دراسة الملف في إطلاق سراح المعتقلين في شكل دفعات. وفي 14 أبريل 2011، أطلق سراح الدفعة الأولى من المعتقلين، والبالغ عددهم 196، بطلب تقدم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان مباشرة بعد تعيين إدريس اليازمي رئيسا له ومحمد الصبار أمينا عاما، من بينهم المعتقلين السياسين الخمسة على خلفية ملف "خلية بليرج": المصطفى المعتصم الأمين العام لحزب البديل الحضري، ومحمد المرواني رئيس حزب الأمة، ومحمد أمين الركالة العضو بالحزب ذاته، وماء العينين العبادلة عضو المجلس الوطني للعدالة والتنمية وعبد الحفيظ السريتي مراسل قناة المنار، بالإضافة إلى محمد الفزازي وعبد الكريم الشاذلي أبرز شيوخ "السلفية الجهادية"، ليتم الإفراج فيما بعد في فبراير 2012 عن 3 شيوخ آخرين٬ بعد عفو ملكي بمناسبة ذكرى المولد النبوي٬ هم حسن الكتاني وعمر الحدوشي وأبو حفص عبد الوهاب رفيقي. وفي الوقت الذي انتظر فيه الفاعلون الدفعة الثانية من المفرج عنهم، "افتعلت مندوبية السجون حدثا بسجن سلا1 اتهمت من خلاله السجناء بالتمرد في 16 و17 ماي 2011"، يقول محمد حقيقي، المدير التنفيذي لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان في تصريح لهسبريس، وهو ما دفع المندوبية إلى إلغاء اتفاق 25 مارس "وإشغال المعتقلين بمطالب داخلية عوض مطلب إطلاق السراح". حقيقي: تفعيل مبادرة تصالحية مشتركة وقال محمد حقيقي، المدير التنفيذي لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان، إن الاحتقان في السجون المغربية راجع إلى سوء تدبير المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج للمجتمع السجني وتبنيها لمقاربة أمنية، مضيفا أنها اختارت سياسة الهروب إلى الأمام بعدم تبني مقاربة الإدماج والحوار والانفتاح على مطالب السجناء، مشيرا إلى مندوبية بنهاشم بأصبع الاتهام في منع مجموعة من السجناء الإسلاميين من حقوقهم "كتشتيتهم مع معتقلي الحق العام وتجريد أسرهم من الملابس خلال التفتيش وقت الزيارة..". وجدد حقيقي الدعوة إلى الهيئات الرسمية المتدخلة في ملف "معتقلي السلفية الجهادية"، وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان ووزارة الداخلية والعدل والحريات والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، إلى دراسة الملفات واتخاذ قرارات العفو في حق تلك الفئة من المعتقلين وجبر ضررهم وإعطاء نفَس جديد لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، مع توفير ضمانات عدم إعادة سيناريو انتهاكات سنوات الرصاص، على حد تعبير الحقوقي. ودعا حقيقي إلى تفعيل مقاربة تصالحية مشتركة بانخراط كل الجهات الرسمية وباقي الفاعلين الحقوقيين، مشيرا إلى أن مبادرة سابقة طرحت مع أحمد حرزني، الذي كان رئيسا للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان خلفا للراحل بنزكري، اعتمدت على طرح 3 أسئلة كبرى على المعتقلين السلفيين: الموقف من العمليات الإرهابية والموقف من المجتمع والموقف من إمارة المؤمنين، موضحا أن منتدى الكرامة توصل على إثرها بحوالي 180 رسالة جوابية من لدن المعتقلين، "لكن المبادرة لم تستمر بعد تدخل جهات أمنية على الخط"، معتبرا أن جل المبادرات المطروحة أخيرا من طرف هيئات حقوقية وسياسيين تفتقد لمتتم العمليات "الذي هو المندوبية والجهات الرسمية". تدابير مندوبية السجون تجاه السجناء.. من ناحيتها، تقول المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بأنها تولي اهتماما كبيرا لجانب الرعاية الصحية، "حيث تبذل مجهودات مهمة لأجل توفير التغطية الصحية اللازمة للمعتقلين بكل المؤسسات السجنية بتعاون مع القطاع الوصي"، حسب ما ينص على ذلك نظام تدبير شؤون النزلاء التابع للمندوبية، مشيرة إلى أنها تجند عددا من الأطر الطبية "تسهر على تقديم الفحوصات الطبية اللازمة للسجناء بالإضافة إلى استشفاء من تستدعي حالتهم الصحية ذلك"، بمعدل طبيب لكل 477 سجينا٬ وممرض لكل 270 سجينا ٬ وطبيب في جراحة الأسنان لكل 997 سجينا، فيما تكلف حصة الأدوية لكل سجين 370 درهما سنويا. أما عن قضية الزيارات العائلية، فتفيد معطيات المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج أنها تمنح رخص استثنائية للخروج لمدة لا تتعدى 10 أيام، للمعتقلين الذين قضوا نصف العقوبة والمتميزين بحسن السلوك، "كما يسمح لهم بزيارة الأقارب المرضى وحضور مراسيم الدفن"، إضافة إلى "تمكين المعتقل المتزوج الذي يتميز بحسن السلوك من الخلوة الشرعية"، وذلك في إطار ما دعته المندوبية "التدابير التشجيعية للحفاظ على الروابط العائلية للسجين". وفي تقرير لها صادر السنة الماضية، نفت المندوبية أن تكون هناك سياسة ممنهجة لتعذيب السجناء٬ مفيدة أن "هناك سجناء يعتبرون التفتيش اليدوي وإجبار المتنطعين منهم باستعمال القوة المجازة قانونا على الدخول إلى زنازنهم تعذيبا".