إن المتتبع لطبيعة التدخلات الأمنية في حالة حدوث اضطرابات بل إضرابات عادية تستهدف تحقيق مطالب اجتماعية بسيطة، وما يرافق تلك التدخلات من همجية قل نظيرها وعلى الخصوص الأساليب التي أضحت تشكل عناوين بارزة لدى عموم الصحف الحزبية والمستقلة، ومواقف سطرتها عدد من الهيئات السياسية والحقوقية والمدنية. "" ولعل الشهرين الأخيرين عرف حدثين أو مشهدين يؤشران على مدى قوة انتهاك أبسط الحقوق المكفولة دستوريا، ويؤشر على مدى الاستخفاف بكل الخطابات التي سادت بعيد تولي الملك محمد السادس للعرش، حيث لم يكد يخلو خطاب من الخطب الملكية من التأكيد على أهمية الحرص على الحقوق الأساسية للمواطنين في كل مستوياتها. إلا أن هذا الخطاب لم يكد يصمد أمام الممارسة اليومية للساهرين على حماية وتطبيق القانون حيث شكلوا حينها منطقا ودستورا خاص بهم على خلاف ما هو مكتوب أو ما هو معلن في الخطاب الرسمي. ولعلنا باسترجاع عدد من الوقائع والأحداث التي عرفت تدخلات عنيفة لرجال الأمن ؛ (ولا نقصد هنا فرقة بعينها رجال الأمن- القوات المساعدة – قوات التدخل السريع..) وأهم تلك الوقائع إتباعا نستحضر أحداث اقتحام الحي الجامعي بوجده واقتحام الحي الجامعي بفاس والحي الجامعي بالسويسي والحي الجامعي بمراكش. وكلها أحداث اتهمت بمناسبتها الدولة بتجاوز كل الحدود القانونية والأخلاقية في ممارسة مهامها، ولعل المشترك بين كل تلك الحالات كما رصدته الصحف الوطنية والهيئات الحقوقية ما رافقها إضافة إلى شدة التدخل والقمع حالات لا تحصى من النهب والسلب من قبل بعض الفرق الأمنية وعلى الخصوص المحسوبة على القوات المساعدة. ولعل القاسم المشترك بين تلك التدخلات وما جرى في أحداث سيدي ايفني الأخيرة، انتهاك لحرمة البيوت والاعتقال من دون احترام للضوابط الدستورية قبل القانونية، ومن تم تداس كل الضوابط وكل الحقوق بأقدام رجال يفترض فيهم أن يكون حماة لدولة الحق والقانون، وان يستشعر الناس بالأمان في وجودهم. جميعنا صدقنا خطابات حقوق الإنسان الرسمية، وجميعنا انتظر ذلك اليوم الذي يقف فيه أصحاب البذل العسكرية عند تطبيق القانون، وان تكون الأخلاق والضمائر هي الحاكمة والفيصل عند كل ممارسة، وان وقعت تجاوزات فالمطلوب أن تتحرك جهات محايدة لتطبيق القانون ومحاسبة كل من قام بتلك التجاوزات ما دام تناقلها تجاوز حد التواتر بل وصل حد الإجماع من خلال التغطيات الصحفية للجرائد اليومية والأسبوعية. لكن ما حصل عكس ذلك فقد انبرى كبار المسئولين للدفاع عن الخروقات والانتهاكات الجسيمة للحقوق الفردية والجماعية. أي دولة تلك التي يروي مواطنوها بالعلن لا بالسر شهادات عن حالات من التحرش والإهانة والاغتصاب في ضيافة أمنها وفي قلب مؤسسات الدولة العمومية ورموز أمنها واستقرارها. بأي حق وبأي قانون يعاقب السكان عقابا جماعيا حتى وان تأسست تدخلات الدولة على منطق أو اكتسبت مشروعيتها، أي قانون ذلك الذي يسمح لرجالات الأمن باقتحام البيوت واهانة ساكنيها، ولا يفتح ولو تحقيق بسيط في الموضوع. خلال أحداث جامعة وجدة الأليمة سنة 2004 حيث تصادف وجودي بالجامعة مع حالات القمع الشديد وقفنا عند حالات من شكوى لطالبات تعرضن للتعنيف والاهانة والسطو على بعض ممتلكات الطالبات على الرغم م بساطتها، فبأي حق تنتهك حرمات النساء؛ فحتى في أوج اندلاع الحروب يمنع انتهاك حرماتهن والاعتداء عليهن، وبأي حق يعتدى على امرأة مسنة تجاوزت السبعين؟. ألم يحن الأوان لتعلن كل القوى أن لا معنى للحديث عن دستور وعن قانون وجب احترامه، فلا معنى لان نضمن هذا الدستور نصا من قبيل الفصل العاشر الذي يقضي ب" لا يلقى القبض على أحد ولا يعتقل ولا يعاقب إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون. المنزل لا تنتهك حرمته ولا تفتيش ولا تحقيق إلا طبق الشروط والإجراءات المنصوص عليها في القانون." وبالنظر إلى خلفيات الاحتجاجات التي كانت وراء أحداث ايفني وشبيهتها حقين أساسيين وكلاهما منصوص عليهما دستوريا في الفصل الثالث عشر "التربية والشغل حق للمواطنين على السواء"، ففي الجامعة طالب الطلاب ولازالوا يطالبون بحقهم في تعليم حديث وخدمات اجتماعية تكفل لهم الاستفادة من هذا الحق على أكمل وجه، وطالبوا ولازالوا بإصلاح جامعي يكفل لهم تعليم جيد. وفي أحداث سيدي ايفني طالب الشباب ولا أظنهم سيتوقفون عن ذلك بحقهم في الشغل الذي يضمن لهم حياة كريمة ويحقق لهم الإحساس بالانتماء لهذا الوطن لكن وبدل الاستماع والإنصات إلى مطالب الشباب طلابا كانوا أو عاطلين لجأ القائمون على تدبير هذه الملفات إلى التعاطي مع هذه المطالب بمنطق ومقاربة أمنية محضة لم تترك للعامل السياسي والتفاوضي أي مجال للتدخل والفعل. وأخيرا لقد أعدم رجالات اضريس والعنيكري المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من خلال إعمالهم لقواتهم بعيدا عن القانون وبعيدا عن مقاربة المطالب الاجتماعية بمقاربة اجتماعية تشاورية، فقد كانت الرسالة واضحة ومقروءة ولا لبس فيها، كانت مقدمتها في صفرو وانتفاضات الأطلس واليوم هاهم يقدموا لنا عرضها بسيدي ايفني، ولا ندري أين ولا كيف ستكون خاتمة هذا العرض الحكومي في زمن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. ختاما لا ندري هل هي صدفة أن تكون نفس اليد التي أوكل لها تنفيذ مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية هي نفسها التي أوكل لها إسكات كل المطالب الاجتماعية؟. ولا ندري هل تتحرك القوى السياسية بالبلد بنفس الحماسة التي صفقت بها للمبادرة الوطنية لتندد بما يقع في حق الفئات الشعبية البسيطة المطالبة بجزء من حقها في التنمية البشرية والتي ليست سوى الحق في العيش الكريم؟. مصطفى الفرجاني [email protected]