بحلول سنة 2013 تكون حكومة الأستاذ عبد الالاه بنكيران قد أنهت سنتها الأولى بالتمام و الكمال ، و هي سنة علق عليها المغاربة آمالا غير مسبوقة لثلاثة أسباب : - كون الأمر يتعلق بأول حكومة تتشكل بعد اصدار دستور جديد و في سياق متميز و استثنائي وطنيا و اقليميا و جهويا ، وكونها حكومة تنبثق عن صناديق الاقتراع ، - ارتفاع سقف انتظارات المواطنين بفعل افراط مختلف الأحزاب السياسية ، أثناء الحملة الاستفتائية المتعلقة بالدستور الجديد، في تثمين الفوائد المنتظرة من هذا الدستور ، - افراط الحزب الذي يقود الحكومة في الترويج للوعود في برنامجه الانتخابي بمناسبة الانتخابات التشريعية المؤدية الى تصدر هذا الحزب للنتائج. و نتيجة لهذه الأسباب كان من الطبيعي أن ينتظر الجميع تحقيق الحكومة أثناء سنتها الأولى لمنجزات يكون لها وقع ملموس على حياة المواطن ، و من تم تزايد الاهتمام بحصيلة الحكومة خلال هذه المدة . فتزايد عدد المقالات و التقارير و التصريحات التي تزعم تقييم الحصيلة الحكومية . و لئن كان بعضها يتميز بأهميته و رصانته ، فان البعض الآخر يبقى بعيدا عن التقييم الموضوعي ، لكون هذه العملية لها ضوابط علمية دقيقة و تتطلب الالتزام بمنهجية خاصة ، و هو ما لا يتم احترامه في الغالب، فهناك من ينصب نفسه باحثا أو منظرا أو محللا فيطلق الكلام على عواهنه دون الحفاظ على المسافة اللازمة للموضوعية و التجرد مما يسقطه في متاهات الديماغوجية و الانتهازية و ينزع بالتالي عن آرائه نكهة التحليل المفيد. ومراعاة لهذه الملاحظة لا ندعي في هذا المقام القيام بتقييم الحصيلة الحكومية بقدرما نحاول المساهمة في اغناء النقاش العمومي حول موضوع يستأثر باهتمام جميع المواطنين. من هذا المنطلق يمكن استنتاج أن مختلف المؤشرات تفيد تباين وجهات النظر حول الحصيلة الحكومية بين مؤيدين و معارضين . فالمؤيدون يؤكدون على الحصيلة الايجابية للحكومة ، و يعززون رأيهم بالاستناد على التدابير الحكومية في المجالات التالية: - محاربة الريع خاصة فيما يتعلق بنشر قوائم المستفيدين من رخص النقل و المقالع ، و قرارات المنع من الجمع بين المهام في القطاع العام و القطاع الخاص في مجال الصحة و التعليم ، و قرار الاقتطاع من أجور الموظفين لضمان استمرارية المرفق العمومي، - دعم الاستثمارات و اصلاح نظام الصفقات العمومية ، - تعزيز المجال الاجتماعي عبر نظام المساعدة الطبية RAMED و صندوق التكافل العائلي و الزيادة في منح الطلبة. - دعم المقاربة التشاركية في مجالات اصلاح القضاء و القانون التنظيمي للمالية و سياسة المدينة. لكن هذه التدابير تبقى في نظر المعارضين غير مرضية لكون أغلبها يكرس طابع الاستمرارية و لا ترقى الى تقديم أجوبة حقيقية على انتظارات المواطنين ، كما أنها تبقى في مجملها محدودة و لا تترجم بكيفية حقيقية لا الوعود الانتخابية للأحزاب المكونة للائتلاف الحكومي و لا البرنامج الحكومي. و لفهم هذا التباين في وجهات النظر لا بد من استحضار ثلاث حقائق : الحقيقة الأولى تتعلق بطبيعة تشكيلة الحكومة وما تتسم به من تناقضات بين أهم مكوناتها مما أدى الى غياب الانسجام الحكومي الذي يعتبر ضمانة أساسية لنجاح أية حكومة ائتلافية في تنفيذ برنامجها وفق تصور منسجم و مترابط. وفي غياب هذا الانسجام لا يمكن الاطمئنان للأداء الحكومي خاصة و أن هناك من مكوناتها من يعبر عن عدم رضاه عن هذا الأداء بل لا يتردد في انتقاد عدد من القرارات الحكومية بكيفية شرسة و يتبرأ منها. الحقيقة الثانية تتعلق بغياب أجندة حكومية محددة الأولويات ، وذلك ناتج عن تفكك البرنامج الحكومي و خضوعه لمنطق الترضيات و جبر الخواطرمما أبعده عن ترجمة الوعود الانتخابية للأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي خاصة البرنامج الانتخابي للحزب الذي يقود الحكومة ، و هو ما أدى الى عدم وضوح أولويات هذا البرنامج و عدم تقديم حلول ملموسة للقضايا المطروحة ، و من المؤكد أن أية حكومة يكون لها برنامج بهذه المواصفات يكون أداؤها ارتجاليا و لا تتمكن من تحقيق منجزات مرضية. الحقيقة الثالثة تتعلق بتدبدب منهجية الاشتغال الحكومي نتيجة لعدم التزام الوزراء منذ تشكيل الحكومة بضوابط العمل الحكومي الجاد و الفعال دون أضواء أو ضوضاء ، وقد نتج عن كل ذلك كثرة التصريحات و الخرجات الاعلامية المثيرة أحيانا و المزعجة أحيانا أخرى الى غاية أن البعض اعتبرها بمثابة فرقعات هوائية بل هناك من اعتبر أن هذه التصريحات تشغل الرأي العام بقضايا جانبية دون ايجاد حلول حقيقية للمشاكل المطروحة ، كما أن اشتغال بعض الوزراء يطغى عليه الطابع الاشهاري المقرون أحيانا بالخطاب التهديدي وأحيانا بالخطاب الفضائحي مما يثير الضجيج و الجدل لدى مختلف الأوساط بدون فائدة ، لكون العبرة بالأفعال لا بالأقوال . و من الملاحظ أن هذه الممارسة تبرز عدم استيعاب هؤلاء الوزراء لما تفرضه عليهم المناصب التي يتولونها بما في ذلك ممارسة السلطة وما تنطوي عليه من اتخاذ القرارات اللازمة لمعالجة الملفات و القضايا ، فهم وزراء و يتعين عليهم بهذه الصفة تحمل المسؤولية لاتخاذ ما يلزم من تدابير لحسن تدبير الشأن العام و ليس التهديد أو توجيه التهم الى الغيرأو القاء اللوم على ارث الحكومات السابقة. و في غياب استيعاب ذلك يستمر لدى بعض الوزراء خطاب المعارضة عوض انتاج خطاب حكومي مسؤول و جاد. و باستحضار هذه الحقائق نرى أنه من المفيد التذكير ببعض المؤشرات التي من شأنها المساعدة على ادراك بعض مكامن الخلل في الأداء الحكومي خلال السنة المنصرمة ، و يتعلق الأمر بما يلي : أولا : عدم قدرة الحكومة على مدى سنة كاملة على المبادرة الى تفعيل أحكام الدستور الجديد خاصة فيما يتعلق باعداد مشاريع القوانين التنظيمية الخاصة بالقضايا التي تستأثر باهتمام واسع للمواطنين ، فباستثناء قانون تنظيمي واحد و هو المتعلق بالتعيين في المناصب العليا ، لم تبادر الحكومة لحد الآن الى اعداد أي مشروع في هذا المجال ، مما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك الصعوبات التي تواجهها الحكومة فيما يتعلق بتفعيل الدستور ، وهي صعوبات معقدة نظرا لما يطرحه هذا التفعيل من تحديات كبرى أمام الحكومة . ثانيا : غياب مبادرات حكومية ملموسة لوضع سياسات عمومية في مختلف القطاعات ، فقد اقتصرت هذه الحكومة على استكمال تنفيذ بعض البرامج التي بدأتها الحكومة السابقة خاصة برنامج المساعدة الطبية و صندوق التكافل العائلي و صندوق التماسك الاجتماعي. ثالثا : ضعف التحكم في المؤشرات الاقتصادية و المالية أمام وضع اقتصادي صعب و أزمة مالية و اقتصادية دولية خانقة . ففضلا عن تضارب الأرقام المتعلقة بنسبة النمو حيث حصرت الحكومة منذ البداية نسبة النمو لسنة 2012 في 5 في المائة ثم ما لبثت أن قلصتها إلى 4.2 في المائة ، بينما توقع بنك المغرب بأن تتدنى نسبة النمو إلى 3 في المائة ، فان الحكومة لم تتمكن من تحديد استراتيجية واضحة لمعالجة مشكل تقلص حجم الموجودات الخارجية ( أقل من أربعة أشهر) ، و مشكل ميزان الاداءات ، ومشاكل الاستثمار و السياحة و غيرها من القضايا الاقتصادية المعقدة . رابعا : غياب سياسة اجتماعية مندمجة تراعي التقائية البرامج و قادرة على معالجة الاختلالات والتهميش والاقصاء لفئات عريضة سواء في المدن أو في العالم القروي خاصة فيما يتعلق بالسكن اللائق و التمدرس و الصحة و محاربة الأمية والبطالة. و قد كان لقرار الزيادة في ثمن المحروقات بنسبة 20 في المائة آثارا سلبية على القوة الشرائية للمواطنين بمختلف شرائحهم ، و ذلك نتيجة لارتفاع أسعار المواد و البضائع خاصة الاستهلاكية منها بكيفية مهولة . الى ذلك يضاف تجميد الحكومة للحوار الاجتماعي مع المركزيات النقابية مما أجج التوتر الاجتماعي بكيفية أدت الى اتساع نطاق الاحتجاجات و الاضرابات في مختلف القطاعات ، و مما زاد من حدة الاحتقان الاجتماعي قرار الحكومة بالاقتطاع من أجور المضربين عن العمل في غياب قانون تنظيمي للاضراب . خامسا : تراجع الحقوق و الحريات بفعل غياب سياسة حكومية مترابطة لتعزيز التراكمات و المكتسبات التي حققتها بلادنا في مجال حقوق الانسان ، و غياب تدابير استباقية للوقاية من التوتر و الاحتقان الاجتماعي مما أدى خلال سنة 2012 الى أكثر من 18000 احتجاج و تظاهرة سلمية، و أمام ارتفاع هذا العدد تزايدت حالات التجاوزات التي ارتكبتها القوات العمومية سواء خلال التدخلات الأمنية ضد المعطلين أو خلال مواجهة التوترات الاجتماعية التي شهدتها بعض المناطق. و بالفعل أصبح تعنيف المحتجين في أغلب الحالات أمرا مألوفا ليس فقط في شوارع الرباط بل في مناطق أخرى كما وقع في تازة و بني بوعياش و مراكش ، بل طال التعنيف الصحافيين و حتى البرلمانيين في شخص النائب عبد الصمد الادريسي ، و هو ما تتحمل عنه الحكومة المسؤولية كاملة ، فلو وقعت مثل هذه الأحداث في الدول التي تحترم فيه الحكومات نفسها لما تردد رئيس الحكومة في تقديم استقالته. سادسا : سيادة جو الترقب و الخوف الذي ساد طوال سنة 2012 أوساط واسعة من المجتمع بسبب رفع شعار محاربة الفساد الذي روجت له الحكومة بكيفية مبالغ فيها و كأن المغرب بؤرة للفساد و المفسدين تم التراجع عن ذلك بقرار " عفى الله عما سلف "، ولئن كان هذا الترويج لم يتجاوز التصريحات دون القيام باية مبادرات ملموسة لمحاربة الفساد المروج له فان الترويج للحكامة بدون حكمة ينقلب الى مفاسد حقيقية ، و بالفعل فقد أدى ذلك الى الانتظارية و الترقب فضلا عن تعطيل وثيرة الاستثمار و التأثير على السياحة و غيرها من المجالات الحيوية. عموما تميز أداء الحكومة خلال السنة المنصرمة بتكريس الاستمرارية ومحدودية المبادرات الجريئة للاصلاحات الهيكلية مع بعض القرارات الترميمية والجزئية في غياب أجندة محددة للتغيير و الاصلاح ، صحيح أنه لا يمكن خلال سنة واحدة تغيير ملامح الحياة الاقتصادية و الاجتماعية ، ولكن على الأقل أن يلمس المواطن بوادر ملموسة للاصلاح . فمن المؤمل أن تدرك الحكومة مكامن الخلل في منهجية اشتغالها بعد سنة من الاختبار و التمرين على الحكم و تبادر الى اعتماد بدائل جديدة لممارسة صلاحياتها بفعالية ونجاعة بما يكفل الاستجابة لانتظارات المواطنين في مختلف المجالات. و لئن كان اليوم هناك شبه اجماع حول رغبة جميع القوى و الفاعلين في نجاح التجربة الحكومية لما ينطوي عليه هذا النجاح من أبعاد مختلفة فان هذا الرهان يرتبط بالدرجة الأولى بتقوية الحكومة و ضمان انسجامها و تماسكها و بقدرة رئيسها على التنسيق المحكم بين مكوناتها ، كما يرتبط بقوة المعارضة و ممارستها لصلاحياتها الدستورية بكيفية بناءة و مسؤولة . و من تم ستشكل سنة 2013 منعطفا خطيرا و حاسما في حياة الحكومة بالنظر الى حجم و تعقد القضايا و الملفات الموجودة في حالة انتظار، و ما تتطلبه من تدابير جريئة و فعالة لمعالجتها بما يكفل كسب رهانات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية .