أما قبل … من عالم الإفتراض إلى عالم الواقع خرجت حركة العشرين من فبراير لتطالب في زمن خنوع الأحزاب المغربية وتعالي الخوف المسيطر على الكل بمطالب سياسية اقتصادية اجتماعية ولتجعل من يوم 20 فبراير 2011 موعدا يضرب لكل من يلتمس التغيير بهذا الوطن ، هاجمها البعض قبل انطلاقتها ، اقتحموا الحياة الخاصة لبعض أفرادها ، حاولوا رميها بسهام التخوين تارة وبسهام التكفير تارة أخرى فما التفتت لهم ، بل مضت تشق طريقها بعزم وثبات نحو اليوم الموعود 20 فبراير 2011. شخصيا آمنت قبل أول تظاهرة للحركة بما جاء في دعوتها من مطالب ورؤى ، ولأنني ولطالما كتبت عن نفس المطالب ودافعت عنها ، اعتبرت نفسي عضوا في هذه الحركة ” الافتراضية الواقعية ” ، وسررت بوجود شبان مغاربة ” افتراضيين ” لهم وعي سياسي قادر على أن يَمِيز الخبيث من الطيب ويُميّز الغث من السمين ، وقررت بصفتي مواطنا مغربيا وشابا من شباب ” الفايسبوك ” النزول إلى الشارع للتظاهر سلميا وفق الموعد المضروب والخطة المرسومة ، وتحملت ما جاء بعد هذا القرار من استفزاز وتصنيف وتخوين وتفسيق وتهديد ، وكان كل أملي يتجلى في القيام بتغيير سلمي يثبت للكل على أننا بالفعل نشكل الاستثناء في العالم العربي ، غير أن تهافت البعض في الحركة على زعامة ورقية ومنذ أيامها الأولى ، وعدم التزام البعض الآخر بسقف مطالب الحركة ” أبناء باراكا ومن والاهم ” ، وانتهاج البعض الآخر لسنة ” الخليفي ” في الميل مع كل ريح فيه رائحة النقد الجيبي ، وعدم وضع النقاط على الحروف بين مكونات الحركة ” شي كيشرق وشي كا يغرب ” ، أضف إلى ذلك ما كانت تعرفه بعض الجموعات من كولسة مسبقة ، كل ذلك وغيره كان كافيا لأن أنسحب منها بصفة نهائية … أما بعد … لا يجادل اثنان في أن للفبرايريين نصيب كبير من التغيير الذي تشهده بلادنا ولا ينكر ذلك إلا جاحد ، لكن رغم احترامي لكل من يناضل بصدق ويناضل من أجل هذا البلد فقط وهؤلاء قلة قليلة داخل 20 فبراير إلا أنني أرى أن ما حققته 20 فبراير طيلة خرجاتها ووقفاتها ومظاهراتها يكمن فيما يلي : حققت انتصار المخزن على النضال وبخبث ودهاء حققت مصالح البعض ممن استفادوا من تمويلات الداخل والخارج قبل خطاب التاسع من مارس . حققت عودة ” السلفية ” بعد طول خناق وتضييق إلى معترك السياسة بشقيها المخزني والمستقل . حققت تشتيت وتفتيت وتفكيك النضال ، ولم تستطع توحيد صفوفها على مطالب معينة وموحدة . حققت حقيقة استحالة التعايش بين الإسلاميين وبين اليساريين وأكدت مقولة ” الوجه المشروك لا يغسل أبدا ” . حققت أعلى نسبة من المتابعة وأعلى نسبة من المشاركة في التظاهرات وأعلى نقطة في الإندحار السريع لهذه النسبة والمتابعة . حققت أحلام البعض فظهر على الشاشات وحاورته الفضائيات ، وعجزت في المقابل عن تحقيق أحلام الثلة العريضة من مؤسسيها وأبنائها . نعم لقد كانت رياح حركة العشرين من فبراير بردا وسلاما على المغرب والنظام معا ، وشكل النظام المغربي الاستثناء في كل شيئ ، فقد التف على مطالب ” الثوريين ” وفرق صفهم وقسم مطالبهم ، وأقنع الجميع في نهاية التفافه وتقسيمه وتفريقه بضرورورة الاحتكام إلى دستور صاغه على ” هواه هو ” وألزم الجميع بالالتزام به ، وعبّد الطريق لملكيين أكثر من الملك للوصول إلى سدة الحكم ، فكانت النتيجة على المستوى السياسي وفاء دائم لعهد الحسن الثاني ، وإخلاص منقطع النظير للدساتير الممنوحة ، وجمع متواصل للسلط في يد واحدة ، وعجز بين للحكومة والبرلمان، وتغييب تام لسيادة الشعب ، وتكريس لواقع الأزمات الاقتصادية والانتهاكات الحقوقية التي رافقت المغرب منذ استقلاله . أسباب الثورة قائمة سألت أمي التي لم تطإ المدارس يوما ” ماذا تغير في حياتنا “قبل وبعد 20 فبراير ، فقالت ببسيط العبارة ” والو ” ، وسألت أبي نفس السؤال ، سألته وهو الذي يأمرني كل صباح ومساء بأن أدخل في أسواق رأسي فأجاب ” والو ” ، وسألت إخوتي وبعض الزملاء والأصدقاء وبعض من قالوا ” نعم ” للدستور وبعض من يصفقون بحرارة لبنكيران وفريقه الحكومي فقالوا جميعا ” والو” … فماذا تغير من حياتنا ؟؟؟ لا شيئ مادام الكل يجمع على أن مغرب اليوم هو مغرب الملايين العاطلة عن العمل ، الغارقة في بحار من المخدرات واليأس والملل، القابعة تحت خط الفقر والفاقة، الباحثة عن بارقة أمل وسط ملايين الوعود التي تطلق يمينا ويسارا ، مغرب هش من كل النواحي والزوايا ، تترجم هشاشته وأزماته بين الفينة والأخرى في مظاهرات يطغى عليها الطابع الاجتماعي والمطالب الاجتماعية ،وتجابه بمقاربات أمنية ملؤها القمع والردع ،لتنقلب بسرعة إلى مطالب ذات طابع سياسية ، وهو ما يجعل من هبوب رياح الربيع العربي على أرض المغرب أمرا واردا ما دام الحال لا يتغير أبدا . يناير وسياسة النسخ واللصق: اليوم وبعد أفول نجم حركة العشرين من فبراير وترحم الكثير من أبنائها عليها سواء في الداخل أو في الخارج ، نجد نفس المحاولات والنداءات التي كانت تقوم بها النواة الأولى لحركة 20 فبراير في أيامها الأولى تتكرر من جديد ، إذ أطلق شباب مغربي على موقع اليوتوب وصفحات الفايسبوك ما سموه “نداء للنزول إلى الشارع يوم 13 يناير المقبل من أجل تغيير جذري”،وحين تأملت في النداء الذي يدعو فيها شاب باللهجة المحلية المغاربة إلى “الاستيقاظ من سُباتهم”، واستيعاب ما يجري في البلاد ، تساءلت بكل بساطة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي : “من يكون هؤلاء ” ، وحين لم يجبني أحد برد يشفي الغليل ،وحين تهرب أصحاب النداء عن أسئلة وجهتها لهم من قبيل ” من أنتم ، ولماذا لا تكشفون عن هوياتكم ؟؟؟ ” أدركت أن أصحاب النداء متيمون جدا بسياسة النسخ واللصق ، وتيقنت بعد تتبع شعاراتهم ونداءاتهم أنهم يخبطون خبط عشواء ، لأنهم ذاهبون لإعادة صنع ما أنتجته حركة 20 فبراير . الثورة لن تنجح … نعم يتفق الكثيرون وأنا معهم مع بعض ما جاء في النداء من كون “الشعب المغربي يعيش اليوم واقعا مأساويا في كل ثانية، وذلك بتردي الحالة الاجتماعية للأغلبية الساحقة التي تتعمق حدتها بغلاء الأسعار، وتدني الأجور وتفشي البطالة حتى في صفوف حملة الشواهد العليا الذين تقابل مطالبهم العادلة والمشروعة بالتعامل اللا إنساني من طرف النظام القائم”. ، لكن حتى وإن كانت أسباب ” الربيع العربي ” قائمة في المغرب إلا أنها لن تنجح في نظري لأسباب أهمها ارتفاع نسبة الأمية بشتى أنواعها وأصنافها في صفوف المجتمع المغربي وتشبت ثلة من هذا الشعب بالنظام الملكي بصيغته الحالية ورفضها لأي نقاش حوله ، وكذا تأثر فئات عريضة من الشعب بما جرى ويجري من مجازر في بعض دول الربيع العربي سوريا مثلا وهو أمر كبح جماح الرغبة في “الثورة “عند الكثيرين هنا ، أضف إلى ذلك أن وصول شعبويين للحكومة وتهييئ شعبويين آخرين لحكومات مستقبلية من جهة وعدم وضوح الثائرين وعدم اتفاقهم على مشروع واحد وغموض مطالبهم وأهدافهم وانطباق مقولة ” كلها كايلغي بلغاه ” عليهم من جهة أخرى سيؤثرلا محالة بالسلب على كل حراك مستقبلي ، ولن يكون إلا نسخا ولصقا (copiécollé ) لتجارب فاشلة … وهذا أمر كافي يجعل المرء يقرر عدم الاستجابة للنداء وأهله حتى لا يكون مثلهم يخبط خبط عشواء . على سبيل الختم … حين تسأل المتظاهرين والمحتجين والمواطنين ، فردا فردا وزنقة زنقة عن المغرب الذي يريدون فحتما ستجد أجوبة متنوعة ومختلفة لكنك ستقف بعد تجميعها على أن المغرب الذي يحلم به الكل ويتمناه الجميع هو ذلك المغرب الذي يسيره أبناؤه لا الغرباء عنه ، مغرب تسري بأرجائه الشفافية والمساواة والحرية ، ويسهر على خيراته وإيراداته وكنوزه كل ذي فضل مشهور بالثقة غير مشار إليه بأصابع الاتهام والتجريح والتخوين ، ويحتكم فيه إلى قوانين تخرج من رحم دستور غير ممنوح تتفق على بنوده وفصوله كل مكونات الشعب وتراعى فيه مصلحة الوطن والمواطن أولا وأخيرا، وتنتهج فيه سياسات تبنى للمعلوم لا للمجهول المريب ، سياسات تساهم في تنمية البلد ككل لا في نماء رصيد فرد أو ثلة أو فئة معينة ، وتضرب بيد من حديد على كل من يسعى في أرضه بالفساد والإفساد ، هذا هو المغرب الذي تحلم به فئات عريضة من الشعب ، وهذا هو المغرب الذي يتمناه السياسيون الحقيقيون والمناضلون الشرفاء والمثقفون الكرماء ، وطبعا هذا المغرب لن يكون واقعا حيا وملموسا بالصمت المهين ، ولن يتحقق بمظاهرات تحرك من الخارج ، وتقلد الغير وتميع النضال وتبحث عن مصالح شخصية ومنافع ذاتية . والله أعلم . http://www.goulha.com/