علَى الرُّغمِ من كونِ بني عمارت واحدةً من الجماعات التَّابعة ترابياً لإقليمالحسيمة، إلاًّ أن الثمانين كيلومتراً التي تبعدُ بها عن المدينة، لا يتأتَّى قطعها إلا في ساعتين من الزمن، بعدَ دفعِ مائة درهم لسيارة الأجرة الكبيرة، ثمناً للذهاب والإياب إلى البلدة، القابعة في قلب الريف، والرابضة عندَ أسفل مرتفع تيزي فري القارس، حيثُ تحكِي الكثير من الملامح، قصةَ أرضٍ كانت قبل عقود خلت آهلة بعشرات الآلاف من السكان، واستحالت اليومَ وقد تحققَ ما كانَ بالأمس ضرباً من الخيال، شبهَ خاويةٍ على عروشها، بِساكنة لا تتجاوز عشرة آلاف. وتيرة الهجرة المرتفعة تعكسها الإحصاءات الرسمية، فبمقارنة مجموع السكان من خلال نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2004 التي بلغت 8084 نسمة، في حين كان مجموع الساكنة خلال إحصاء سنة 1994 ما مجموعه 9721 نسمة. يتبين مدى ارتفاع نسبة" الهدر" السكاني الذي بلغ 1637 نسمة أي بنسبة 16.83%. تحولُ بني عمارت منذ السبعينات إلى منطقة طاردةٍ للسكان، كانَ لهُ الأثر البالغ على اقتصاد المنطقة، كما يؤكدُ ذلكَ السكان، الذين التقت بهم هسبريس، في تأكيدهم أنَّ يومَ الإثنين؛ وهوَ موعدُ السوق الأسبوعي، الذي كانَ يغصُّ بتجار يكلونَ من فرك أيديهم وهمْ يجنونَ الأرباحَ من تجارتهم المنتعشة، أصبحُوا اليومَ يشكونَ حالة الكساد، فبالكاد يبيعُ الواحد منهم، ثلثَ ما كانَ يبيعُ بالأمس أو أدنى، وذلكَ عائدٌ إلى موجة هجرة كبيرة عرفتها المنطقة، بحيثُ يربُو عددُ من غادروا بني عمارت في إطار الهجرتين الداخلية والخارجية علَى ثلاثينَ ألفاً، وهوَ رقمٌ قياسيّ. سكانُ بني عمارت الذينَ تحدثت إليهم هسبريس يعزونَ تنَامي الهجرة طيلةَ عقود، إلى ضعف البنية التحتية وهشاشة الاقتصاد المحلي، فالناشطَ الجمعوي والفلاحي محمد اليوسفي، الذي يلقبهُ أهلُ البلدة بالروبيي، يرى أن الهجرة كانت مبررة، في استحضاره لصور هشاشة البنية الطرقية، وتهالك طريق جديدة جرى تعبيدهَا قبل خمس سنوات، كمَا أنَّ المخططَ الأخضر الذي تمَّ إطلاقه، يبست شجيراته المغروسة، والسكان يخشونَ اليومَ من القبول بأشطر أخرَى من المخطط، بعدما رأوا بوادره غير المشجعة، زد على ذلكَ الانقطاعَ المتكرر للتيار الكهربائي، وهيَ أمورٌ دفعتْ في مجملِها المواطنَ العمارتي إلى الهجرة صوبَ أقاليم الشمال، أو اضطرته إلى تيميم شطر بلدٍ أوربي. مصطفَى اليوسفي، وهوَ مهاجرٌ من بني عمارت يقيمُ بفرنسَا، قالَ في حديثه لهسبريس، إنَّ الجانب المادّي والاقتصاديَ يبقى عاملاً حاسماً في تفسير موجة الهجرة التي عرفتها بني عمارت، قائلاً "أعيش هنا في فرنسا جسديا أما روحياً فإنني هناك في كل لحظة، لكن هذا الحكم لا يسري إلا على الجيل الأول، أو من هاجر فى خريف عمره مثلي، أما من ولد هنا في فرنسا، فمصيره مصير الوطواط الذي يهرب الى الفئران فينكرونه قائلين له إنك من الطيور، وحينَما يهرب إلى الطيور ينكرونه أيضا قائلين له إنك من الفئران". أماّ الجيل الثالثُ أو الرَّابعُ فقدْ هجرَ حتى المائدة واللسان، اللتين لا تجمعانه بوالديه فكيفَ بالأحرى القرية الأصلية. في المقابل، بقيَ الجيل الأول علَى حاله حسبَ مصطفى، مثل قهوة سمر لم يتبدل حسب وصفه، فإن شئت معرفة شخصية عمارتية فى سنوات الستينات فما عليك إلا زيارة فرنسا، إذ يرفضُ المهاجرُ كل تغيير يراه ناتجاً عن "الأوربى الكافر"، مختاراً أن يبقى "عمارتياً حراً" وقحاً، كما يحلُو لهُ أن يسَمِّيَ نفسهُ. وهوَ ما يؤكِّدُ انتفاء الاستمرارية التاريخية، ويثبتُ بالتالي وجودَ قطيعةٍ ثقافية وهوياتية بين مختلف الأجيال التي هاجرت من بني عمارت. رئيسُ الفريق الاستقلالي، نور الدين مضيان، الذي يرأس المجلسَ الجماعيَّ لبني عمارت، قالَ في تصريحٍ لهسبريس إنَّ ثورةً على مختلف الأصعدة شهدتها الجماعة منذُ توليه رئاستها عامَ 1996، فيما يتصلُ بفكِّ العزلة وأوراش التنمية، مؤكداً أنَّ همَّهُ الأول ظلَّ على الدوام ماثلاً في إيجاد سبيلٍ يعادُ بهِ الاعتبار إلى المنطقة المناضلة، وأضافَ مضيان أنَّ البنية الطرقية التي كانت لا تتعدى طريقاً واحدة إلى ترجيست، أصبحت معززة اليوم بعدة منافذ منها، طريقٌ جديدة إلى تارجيست، وأخرى إلى الحسيمة عبرَ زاوية سيدي عبد القادر، وطريق إلى تاونات مروراً بطاهر السوق. القياديُّ الاستقلاليُّ أردفَ أنهُ نجحَ في استقدام مجموعةِ من المشاريع التي كانَ لهَا الأثرُ البَيِّنُ في خفض نسبة الهدر المدرسي، فبعدما كانَ التلميذُ ببني عمارت يضطرُّ مباشرة بعد إتمامه ست سنوات بالمرحلة الابتدائية، إلى السفر لإكمال المرحلتين الإعدادية والثانوية، أصبح اليومَ مُمَكَّناً من الحصول على شهادة البكالوريا حيثُ هوَ. كما أشارَ مضيان إلى إحداث عدة منشئات كدار للشباب ودار للمرأة، علاوةً على دور للطالب. وفي سياقٍ متصل، أضافَ مضيان أنَّهُ وصلَ خلال ترؤسهِ للمجلس الجماعي إلى مبتغى له، بتعميم الكهرباء على كافة الدواوير المحيطة ببني عمارت، واليومَ لا يوجدُ إلا 13 بيتاً مفترقاً دونَ كهرباء في محيطِ الجماعة. فيمَا رصد لمشروع إمداد السكان بالماء الصالح للشرب ميزانية قدرهَا مليار و400 مليون سنتيم، ولولَا البحث عن مصادر خارج المنطقة، لمَا أمكنَ تحقيقُ شيءِ حسبَ المسؤول نفسه، بسبب تواضع الموارد الذاتية للجماعة، التي لا تتجاوزُ 18 مليون سنتيم سنويا. وبشأن انعكاس الهجرة سلباً على المنطقة، قالَ مضيان، إن بني عمارت عرفت موجة هجرة كبيرة قبل وصوله إلى رئاسة المجلس الجماعي، فالفترة الممتدة من السبعينات حتَّى التسعينات شهدت نزوحَ زهاء 20.000 نسمة؛ أيْ مَا يعَادلُ الثلثين، في إطار الهجرتين الداخلية والخارجية، وبما أنَّ الظروفَ قد أصبحت اللحظة على حظِّ من التطور، فإنَّ مضيان يأمل في أن يعودَ المهاجرونَ برساميلهم للدفع قدماً بالاستثمارُ بمَا يعودُ خيراً على المنطقة. في غضون ذلكَ، يرَى الناشط الجمعوي بالمنطقة عبد الرحيم السعيدي أنّ انتماء الجماعة الى العالم القروي هوَ عنوان العجز التنموي بالمغرب، فالجماعة معزولة عن المحاور الطرقية الوطنية، ولا ترتبطُ بباقي الجماعات إلا بطرق ثانوية هشة في حالة مزرية و تزداد معاناة الساكنة خلال فصل الشتاء حيث يصبحُ من المجدي التذكير حسب السعيدي، بالموقع الجغرافي التاريخي الهام للمنطقة بوجودها كنقطة وصل بين الأقاليم الثلاثة للجهة، وهوَ أمرٌ يثبتُ جدوى إنجاز طريق جهوية تربط إقليمالحسيمة بتازة من المدار الطرقي المتوسطي عبر ترجيست مرورا ببني عمارت، وإلى أكنول كمحور طرقي من شأنه أنْ يرفعَ العزلة عن عشرات الجماعات الترابية بأقاليم الجهة. السعيدي أشارَ في حديثه لهسبريس إلى أنَّ غياباً يسجلُ للبرامج الفلاحية المندمجة، فرغمَ كون معظم ساكنة بني عمارت تمارس النشاط الفلاحي، تبقَى البرامج الموجهة للنهوضِ بالقطاع سواء من حيث التوجه نحو الزراعات ذات الأهمية التسويقة أو غياب التأطير، والمواكبة، غائبةً، ورغم استفادة الجماعة من مشروع قيد الإنجاز "مشروع تلا ميلوس" في اطار مشاريع "المغرب الأخضر"إلا أن هذا المشروع يعرف اختلالات كبيرة إذ لم تتضح بعد سنته الثالثة إمكانية نجاحه مما يطرح أسئلة كبيرة تتعلق باحترام المعايير الخاصة بالغرس واختيار الشتلات الصالحة ، فيمَا كانَ من شأن المشروعِ أن يتحولَ إلى نموذج لما يمكن أن يحققه الانتقال من نمط الزراعة القائم عل الحبوب إلى الأشجار المثمرة وما يمكن أن يحدثه من تحسن في مداخيل الفلاحين، إلا أن الإختلالات تهدد بتحويله إلى نموذج فاشل يفوت على المستفيدين والمنطقة كل فرص الاستفادة من البرامج الوطنية المخصصة للنهوض بالقطاع الفلاحي. وعلى صعيدٍ آخر، ذهبَ السعيدي إلى أنَّ يختلف واقع التعليم بالجماعة لا يختلفُ عمَّا يمُّزُ القطاع بالعالم القروي، رغم بعض التحسينات على مستوى العرض التربوي بالمنطقة، بإحداث ثانوية تأهيلية كان لها نتائج جد إيجابية على عدد الحاصلين على البكالوريا خصوصا الإناث، إلا أن التطور دونَ مستوى تغطية العجز الحاصل في بنيات الاستقبال، إذ تفتقر الثانوية إلى داخلية عز تحقيقها رغم الوعود الكثيرة مما يساهم في الهدر المرسي ويفرض على الراغبين في متابعة الدراسة من خارج الجماعة، السكن في بيوت كراء تنعدم فيها شروط السكن الكريم، ويجعلهم عرضةً للإنحراف. علاوةً على ما يعانيه القطاع من ضعف كبير على مستوى الخدمات المقدمة، اذ لا تتجاوز تقديم الفحوصات الأولية والمشكل الكبير هو عدم الاستقرار الحاصل في تعيين الموارد البشرية. أمّا المجتمع المدني بالمنطقة فيبقى ضعيفا وفقَ ما أكدهُ السعيدي لهسبريس، من حيث تحقيق التراكمات، إذ أن أغلب الجمعيات رغم كثرتها لم تتجاوز مرحلة التأسيس وأخرى تم احداثها بغية تنفيذ أجندات مرحلية، اختفت بعدها دون تقديم مبادرة تذكر وتبقى جمعية ثويزا كتجربة جمعوية فريدة، قالَ إنهُ يتشرف بالاِنتماء إليها إذ إنَّ الجمعية ساهمت من خلال موقعها كأول اطار جمعوي يتمتع بالاستقلالية، و تأسست سنة 2000، لتشرعَ منذ تلكَ اللحظة في خلق دينامية للتنشيط الاجتماعي و الثقافي، بيدَ أنَّ المجهود المبذول حسب الجمعوي نفسه، لم يقابلْ يتقييم موضوعي من لدن القائمين على الشأن المحلي رغمَ استعداد الجمعية الدائم للتعاون، وهوَ ما يرجعهُ السعيدي، إلى تحكم منطق الولاء للمجلس الجماعي في منح الدعم العمومي.