قالَ الدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية ومدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات بكلية الحقوق في جامعة القاضي عياض بمراكش، إنَّ حكومة عبد الإله بنكيران أتت في سياق جد مختلف، ووضعٍ موسوم بحراك على شتّى الأصعدة، رافقته جرأة كبيرة في طرح المطالب الاجتماعية والسياسية، مضيفاً أن حزب العدالة والتنمية المتزعم للحكومة، استفادَ من صلاحيات دستورية واسعة، وهامش أكبر للتحرك، وهوَ ما مكنَ من امتصاص جزء كبير من الغضب، والحد من تبعات الحراك الإقليمي في دول ما يعرف ب"الربيع العربي". الأكاديمي المغربي، أردفَ في حديثٍ لهسبريس، أنَّ إسلاميي المغرب، استفادوا بشكلٍ كبير من قدرتهم التنظيمية، التي استطاعوا أن يراكموها بفضل دخولهم إلى معترك الانتخابات المحلية، مظهرينَ من خلالها عقبَ توليهم المسؤولية في أكثر من جماعة محلية، نظافة أيديهم وتعففهم عن الاختلاس، بيدَ أن الوصولَ إلى السلطة في السياقِ الحالي، يطرحُ أكثرَ من تحدِّ أمام الحكومة، بفعل وجود انتظارات كثيرة، واستعجالية أوضاع بعض القطاعات، كما هوَ الشأن بالنسبة إلى التشغيل والصحة. وعمَّا إذا كانَ من شأن الحكومية الملتحية أن تحدثَ ارتدادً على مستوى الحريات والحقوق، ذهبَ لكريني إلى أنَّ مكانة الملك المغربي في النسق الدستوري المغربي تسحبُ البساط من تحت أي مكون سياسي أو حزبي على تدبير الشؤون الدينية أو ادعاء حماية الدين الإسلامي بالمغرب؛ فالمادة الواحدة والأربعين من الدستور تنصُّ على أن "الملكَ أميرُ المؤمنين وحامي حمى الملة والدين؛ والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية.."، وهو الذي يرأس فضلاً عن ذلكَ المجلس العلمي، كما أن الدستور يمنع في فصله السابع تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني.. بِما لا يذرُ أية فرصة لاستغلال الدين سياسيا، والاستفرادِ به من لدن حزب من الأحزاب؛ فيما نجد أن الحزب يقدم نفسه ضمن ورقته المذهبية كحزب سياسي مدني منفتح على محيطه؛ كما أن التحالف الحكومي الحالي في تشكيلته المتباينة من حيث مرجعياتها وإديولوجياتها تشكّل حصنا في حد ذاتها ضد أي استئثار بالتدبير أو ترسيخ الرؤية الواحدة فالأمر يتعلق ببرنامج حكومي صوّت عليه البرلمان لا برنامج يعني حزبا معينا، كما أن التحالف الحكومي الحالي في تشكيلته المتباينة من حيث مرجعياتها وإديولوجياتها تشكّل حصنا في حد ذاتها ضد أي استئثار بالتدبير أو ترسيخ الرؤية الواحدة؛ فالأمر يتعلق ببرنامج عمل حكومي صوت عليه البرلمان وسياسات عمومية يواكبها ولا يتعلق ببرنامج لحزب معين. لكريني، أشارَ في معرضِ حديثه لهسبريس إلى أنَّ السياق السياسي المغربي الراهن، وما يعتملُ فيه من حراك ونقاشات سياسية وعمومية جريئة، لم تعد فيها خطابات الإصلاح مقتصرة على النخبة، وإنما أصبحت مفتوحة أمام جميع شرائح المجتمع، التي تدلي بدولها في النقاش السياسي والمجتمعي، وهيَ أمورٌ تقطعُ في تظافرهاَ الطريق على كلِّ حزبٍ يسعى إلى الهيمنة، فالوضعُ في المغرب يختلف عما حصلَ في الدول التي أطيحَ فيها بأنظمة، ووصلت فيها الحركات الإسلامية بشكل مباشر إلى الحكم، وفي ذلكَ مكمنُ فرادة النموذج المغربي. وفقَ المتحدث الذي أكدَ أن حزبَ المصباح حزبٌ مدني، يعمل في إطار ما تتيحهُ قواعد اللعبة. وبشأن ما يثارُ حولَ وجودِ جهاتٍ تشوش على العمل الحكومي، والتي ينعتُها بنكيران بالتماسيحٌ والعفاريت، زادَ لكريني، أنَّه من الطبيعي جداً أن تستتبعَ أي مرحلة انتقالية مجموعةً من الارتباكات، بيدَ أنهُ من غير المقبول، أن تخرجُ الحكومة بتصريحات غامضة تشيرُ فيها إلى وجود "تماسيح وعفاريت"، لأنَّ المشروعية التي منحها الناخبون لحزب المصباح، يفترضُ أن تجعلهُ يمضي بثبات في تنزيل المقتضيات الدستورية، وترسيخ دولة المؤسسات دونَ التشكّي من جهات مجهولة تضايق الحكومة، كما أن الاستمرار في التشكي يمكن أن يقرأ حسبَ الأستاذ لكريني، كمحاولة لتصريف الفشل والتنصل من المسؤولية الملقاة على عاتق الحكومة، التي رأى أنَّ لا مجالَ أمامها للتلكؤ. أمَّا فيما يخصُّ الحديث عن إشكالات داخلية تواجهها الحكومة بسبب ضعف التضامن الحكومي، وصدور انتقادات للحكومة من قبل نواب الأغلبية، أكدَ لكريني، أنَّ التحالف الحكومي يظل هشّا شأنه شأن التحالف الثماني التي التأم قبيل استحقاقات 25 نونبر في خضم تدابير وأحداث متسارعة تسابق تحولات "الربيع العربي"، فرغم أن الائتلاف الحكومي الحالي يضمُّ قوًى سياسية من مختلف الحساسيات، لكنَّ المسؤولية التضامنية للحكومة تفرضُ نفسها بشدة، أما انتقادات بعض النواب المنتمين لأحزاب الموجهة للعمل حكومي ورغم أنها تعكس هشاشة التحالف؛ فمردها إلى بعض الحسابات الانتخابية والسياسية الضيقة، وبخاصة وأنها تفرغ عمل المعارضة البرلمانية والمسؤولية التضامنية للحكومة من مدلوليهما. وبشأن ملف الفساد، سارَ لكريني إلى القول إنَّه أصبحَ ظاهرةً تناقشها مختلف فئات المجتمع، ولم يعد تداولها حكراً على النخبة، ففي الوقت الذي تؤكدُ فيه تقارير صادرة عن أكثر من جهة استشراء الفساد في مرافق الدولة، وهوَ أمرٌ لن يحلَّ بينَ عشية وضحاها، حسبَ الباحث، الذي رأى في بعض خطوات الحكومة، كنشر لوائح المستفيدين من مؤذونيات النقل ورخص استغلال مقالع الرمال مدخلاً إلى إرساء دعائم الشفافية. غيرَ أنَّ اختلالات كثيرة لا زالت تتبدَّى حسب لكريني على المستوى القانوني في علاقة ذلك بملف الصفقات العمومية وتدبير الشؤون المحلية، فعندَ استحضارَ ملف استفادة وزير المالية السابق صلاح الدين مزوار وخازن المملكة نور الدين بنسودة، واستقراء المسار الذي أخذه الملف بالسير إلى متابعة الموظف الويز بتهمة إفشاء السّر المهني بدلَ المسؤولين، تظهرُ الحاجةَ إلى توفير ضمانات تؤطر الحق في الولوج إلى المعلومة، وتطوير القوانين انسجاما مع المستجدات الدستورية؛ باعتبار ذلك مدخلاً لإعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. والدولةُ مطالبةٌ في ذلكَ حسب لكريني، بتعزيز استقلالية القضاء باعتباره أساس كل تنمية وديمقراطية واعدة. وأكّد الباحث أن مكافحة الفساد هي مهمة جماعية تفترض انخراط الجميع؛ وتتطلب تبنّي مقاربتين اثنتين؛ أولاهما عمودية تقوم على تطوير المنظومة القانونية وممارسة الرقابة الفعّالة وفضح كل من تورط في الفساد، والثانية أفقية تعمل على ترسيخ ثقافة المسؤولية والمحاسبة من خلال الملتقيات والإعلام.. لأنَّ مبدأ "عفا اللهُ عمَّا سلف" بهذا الشكل غيرُ مقبول، لأن إصدار العفو يفترض أن يتم من الجهة المخولة له دستوريا وبعد إصدار الأحكام القضائية، وهو -العفو- لا يمكن أن يصادر حق المواطن في معرفة الجرائم التي تمَّ ارتكابها، ومعرفة الأشخاص المسؤولين عنها في هذا الشأن. لكريني، شددَ رغمَ القراءة التي قدمها لحصيلة الحكومة بعدَ عام مرَّ على تنصيبها، أنه من غير الموضوعي العمدُ إلى تقييم التجربة في الوقت الراهن بصورة منصفة، لأنَّ التحديات الماثلة أمامها كبيرة جداً، وبعض الجهات التي لا تكف عن توجيه سهامِ النقد لها، تتحملُّ مسؤولية إيصال المغرب إلى ما هوَ عليه الآن. فنجاحُ الحكومة إن تأتَّى حسب الباحث سيدعم الانتقال الديمقراطي الذي طال، وإن تعذرَ فإن الأمور ستؤول إلى متاهات لا أحد يدري بمآلها.