مرة أخرى تخرج علينا الممثلة المثيرة للجدل لطيفة أحرار بتصريح للصحافة تحاول فيه الدفاع عن مفهوم الإبداع من وجهة نظرها، حيث أكدت أن حرية الإبداع لا تعني الانحلال الخلقي، وأن الحكم على العمل الفني يجب أن يكون بأدوات فنية وليس بواسطة الأخلاق أو الدين.. المشكلة عند أحرار أنها لا تعي أبعاد ما تصرح به أو ما يصدر عنها من تصرفات، وهو ما يفسر سقوطها المستمر في أخطاء فادحة غير مبررة، تثير ردود فعل مستنكرة داخل المجتمع، والأنكى أنها عندما تحاول الدفاع عن نفسها، تقع في تناقضات لا حصر لها. فإذا كانت "بنت الفشوش" - وهو الإسم الذي اشتهرت به لدى الجمهور المغربي- تدرك أنها تعيش في مجتمع مسلم، له قيم وثقافة وحضارة تمتد في التاريخ، فلماذا تصرّ على تقديم أعمال بعيدة عن ثقافة هذا المجتمع وتقاليده؟ وهل حرية الإبداع والفن تعني تجاوز قيم المجتمع والانفلات من الأخلاق؟ ما هي القيمة المضافة للفن إذا لم يقم على أساس أخلاقي؟ الفن كما يعرفه علماء اللغة هو تصوير الطبيعة والسمو بها (وهنا الطبيعة تشمل الإنسان وبيئته)، يقال: فَنَّ فنًّا الشيء: زيّنه. وتبعا للمعنى الحقيقي للفن، فإن الفن أو الإبداع بجميع أجناسه سواء كان أدبا أو مسرحا أو سينما أو موسيقى أو رسما، فإنه بطبيعته يحمل رسالة نبيلة، تهدف للرقي الثقافي والحضاري للأمة، وعندما يحيد الفن عن هذا الهدف، فإنه يصبح عَفَن، أي منتوجا فاسدا ومفسدا للأذواق والعقول، ويتحول إلى عامل هدم للقيم وللموروث الثقافي للمجتمع. وهذا للأسف الفن الذي تدافع عنه أحرار، فن يستثير الغرائز، فن يشيّء المرأة ويحوّلها إلى كائن للمتعة والإغراء، فن يكرّس دونيتها، وما مسرحيتها "كفر ناعوم" عنا ببعيد، حيث تقوم الممثلة في إحدى المشاهد بخلع ثيابها فوق الخشبة دون حياء، ومع ذلك تتحدث عن كون الإبداع لا يعني الانحلال الخلقي. ربما لا تعي جيدا الممثلة أحرار ماذا يعني أن تتوجه بعمل فني إلى مجتمع مسلم، لا يمكنه أن يقبل مثل هذه الأعمال التي تسيء إلى أصالة الفن المغربي، الذي اشتهر بالتزامه بقيم وأعراف البلد، فلم تكن الأسر المغربية تجد حرجا في متابعة الأعمال الفنية المغربية مجتمعة، أما الأعمال التي تخدش حياء الجمهور ولا تحترم عقله وحميميته، فإنها لا تلقى إقبالا يذكر، وإنما تشاهدها فئة قليلة جدا ممن فقدوا القدرة على التمييز بين الفن الجيد الذي يحمل رسالة والفن الردئ. لذلك يجب التأكيد على أن الإبداع إذا لم يحقق الإقناع والإمتاع، فإنه يسقط في الإسفاف والإبتذال، ولا يكون ذلك إلا باحترام عقل الجمهور ووعيه، بتقديم عمل جيد شكلا وموضوعا، يستفيد منه ولا يتصادم مع معتقده. أما ما ذهبت إليه أحرار من أنه لا يجب الحكم على الفن بالأخلاق أو الدين، فإنها تتحدث بكلام خارج السياق المغربي، لأن عملها موجه لمجتمع لا زالت فيه سلطة الدين والأخلاق حاكمة ومؤطرة لجميع مجالاته، والفن لا يمكنه أن يكون فوق سلطة الدين والأخلاق، وإلا لما حصلت ردود الفعل المنتقدة لها. حينما يبتعد الفن عن سلطة الدين والأخلاق، فإنه سيخرج عن الوظيفة الأصلية التي وُجد لأجلها، وهي المساهمة تعزيز وتقوية قيم الخير والفضيلة، وبالتالي سيصبح عامل إفساد وهدم للبناء الأخلاقي للمجتمع، وصدق الشاعر حين قال: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. ليس لدي أدنى شك أن ما قدمته أحرار من أعمال أو ما أدلت به من تصريحات، تعبّر من خلاله عن قناعة علمانية، تنظر إلى الفن كمجال حيوي لإحداث خلخلة في المنظومة القيمية للمجتمع، واستنبات قيم أخرى غربية، لذلك فهي تحاول أن إبعاد الدين والأخلاق عن هذا المجال الفني. وما يؤكد هذا الأمر، هو ما أقدمت عليه السنة الماضية من كشف متعمد عن جسدها أمام الجمهور والصحافة، خلال مشاركتها في المهرجان الدولي بمراكش، ومع ذلك دافعت عن موقفها متعللة بالحرية الشخصية، وهي تعي أن تصرفها يشكل بالنسبة للجمهور المغربي استفزازا وتحرشا... وقد ذكرتني حركتها غير البريئة تلك، بقصة ملكة سبأ "بلقيس" مع سيدنا سليمان على السلام، لما أرادت أن تدخل الصّرْح، فكشفت عن ساقيها، خشية من أن يتبلل طرف ثوبها السفلي، معتقدة أن أرضيته حوض مائي، فتساءلت مع نفسي كيف لامرأة كانت تعبد الشمس، ومع ذلك تغطي جسدها وحريصة على عفتها؟. كما استحضرت قصة المرأة المسلمة التي كانت تُصرَعْ فيتكشف جزء من جسدها، فطلبت من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لكي يشفيها، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم إذا شئت دعوت الله لك وشفيت، وإذا صبرت على ما أصابك فلك الجنة، فاختارت الصبر على البلاء، لكن قال له: ادع الله كي لا أتكشّف، رغم أنها معذورة، لكن حياءها منعها من أن تقبل على نفسها التعري ولو كان ذلك خارج إرادتها. وختاما، رغم أنني لست ناقدا مسرحيا، ولا متخصصا في مجال السينما، ومع ذلك فالواجب الأخلاقي والديني يدعوني لتقييم ونقد بعض الأعمال الفنية الرديئة التي تسيء إلى الفن المغربي، لأنني أحمل جينات هذا الوطن، ويعنيني ما يُقدم من إنتاجات فنية في بلدي، وأريد أن يظل هذا الإنتاج كما عهدته في الماضي، إنتاجا أصيلا وجيدا، يُسهم في تقدم بلدي، لا أن يتحوّل لأداة هدم للقيم والأخلاق.