كان يوم 29 نوفمبر من 2012 يوما تاريخيا بالنسبة للشعب الفلسطيني من حيث الرمزية التي يعنيها تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على طلب السلطة الفلسطينية بعضوية فلسطين كدولة في المنظمة بصفة ملاحظ، والمفارقة ربما المقصودة أن في مثل هذا اليوم سنة 1947صوتت نفس المنظمة الدولية على قرار التقسيم وإنشاء دولتين مستقلتين فلسطين وإسرائيل. 65 سنة مرت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين وكان التصويت ب33 دولة لصالح قرار التقسيم من بينهم الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفياتي و13 دولة صوتت ضد القرار، في حين امتنعت عن التصويت 10 دول أغلبهم من الدول العربية التي تتقدم اليوم الدعم الدولي لعضوية دولة فلسطين بصفة عضو مراقب أو ملاحظ في الأممالمتحدة ونظريا في حدود 1967 التي ترفضها اسرائيل اليوم. هي عودة إلى أقل من الصفر، لكنها عودة لا تخلو من واقعية مهما أتت متأخرة، وهي مؤشر أن التحولات التي يعرفها العالم تمشي في اتجاه إنصاف جزئي لشعب كان ولايزال ضحية قادته وشركائهم من العرب وغير العرب. ورغم ذلك لايخلو المشهد من سوريالية، وأمريكا الدولة العظمى في العالم تقف بعد 65 سنة في الصف المعاكس لموقفها سنة 1947 وتبقى معزولة في تصويتها لصالح حليفها وشريك أمنها القومي اسرائيل إلى جانب 7 دول صغيرة مثل الجمهورية التشيكية وبعض الجزر المغمورة في المحيط الهادي . أوروبا من جانبها والتي كانت وراء قيام دولة اسرائيل منذ وعد بلفور المشئوم والتي ساندت ولادتها في ماي من سنة 1984 كشف التصويت على الطلب الفلسطيني استمرار انقساماتها وفقدانها لسياسة خارجية موحدة، حيث باءت كل محاولات أشتون بالفشل في الخروج بموقف مشترك بين الأعضاء 27 للتصويت بشكل موحد على الطلب الفلسطيني. ومن 138 دولة صوتت لصالح انضمام الدولة الفلسطينية بصفة ملاحظ و41 امتنعت عن التصويت و 9 دول صوتت ضد الطلب الفلسطيني انقسمت أصوات دول الاتحاد الأوروبي بين 5 دول صوتت بالإيجاب كفرنسا وإسبانيا والبرتغال والدانمارك ولوكسمبورغ وإيطاليا والباقي انقسم بين التصويت بالرفض كالجمهورية التشيكية وهولندا و المترددة التي امتنعت في آخر لحظة عن التصويت كبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وبعض دول البلقان. رغم أن الحدث تاريخي بامتياز ولا أحد يمكن أن ينازع في أهميته الرمزية وحتى القانونية يتعين على أصحاب الشأن وكل الذين وضعنا فلسطين في قلب وجودنا أن نأخد مسافة واقعية من المبالغة والتضخيم في النصر بقدر ما علينا أن نتخلص من المبالغة في جلد الذات على أخطاء الماضي وتكاليفها الباهضة. في هذا السياق أريد الاشارة إلى مُستجدين تلتئم بهما معادلة النصر أو الهزيمة في هذه المرحلة الجديدة من الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. المُستجد الأول يتعلق بتقييم وتقدير قوة العدو الاسرائيلي السياسية والديبلوماسية، وإذا كانت نتائج التصويت على عضوية فلسطين في الأممالمتحدة قد كشفت تراجعها وانكفاءها وعزلتها غير المسبوقة هي وحليفها الأمريكي، فإنها لاتخلو كذلك من كونها إشارة لدعم دولي للمفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية التي وظفها الوفد الفلسطيني بقوة في إقناع معظم الدول الغربية التي ساندت طلبه و حتى بعضها الذي امتنع عن التصويت. المُستجد الثاني يتعلق بالتحولات التي يعرفها العالم ومنطقة الشرق الأوسط الكبير وتأثيرها على رسم خريطة سياسية جديدة والتحاق لاعبين سياسيين جدد وميلاد تحالفات جديدة مع الراعي الأمريكي للمفاوضات السابقة والقادمة والتي من نتائجها حرب غزة الأخيرة. وليس دور مصر الاخوان المسلمين في التوصل إلى الهدنة مع المقاومة في حرب غزة الأخيرة إلا مؤشرا على ترتيبات جديدة وسيناريو جديد في الأفق قوامه المفاوضات مع من يوجد على الأرض ويحظى بدعم فاعل ومؤثر في الأرض كنمودج حماس ومصر ما بعد الثورة وإيران التي رغم الخطاب التصعيدي لن تتوانى في مقايضة أمن اسرائيل ودول الخليج بتوازن إقليمي جديد يضمن استمرار برنامجها النووي. ربما دعم حماس للحرب الديبلوماسية التي يحاول محمود عباس قيادتها عبر التحاق فلسطينبالأممالمتحدة هي الشق الديبلوماسي من المخطط الذي انطلق مع حرب غزة الأخيرة التي حصدت مئات الضحايا الفلسطينيين ودمرت الأرض والزرع والبنيان . رئيس الدائرة السياسية لحماس خالد مشعل تكلف شخصيا بتبليغ دعم منظمة حماس وحكومة هنية المقالة لمحمود عباس ، وإيران التي شكر خالد مشعل دعمها العسكري في حرب غزة قدمت هي الأخرى الدعم لمبادرة محمود عباس وصوتت لصالح الطلب الفلسطيني، وهذه كلها مؤشرات لتحولات جوهرية منتظرة والتي لن تبتعد عن المفاوضات وعن روح أوسلو من حيث المبدأ وقيام دولتين. ويبقى فقط الملف السوري عالقا ورهينا بتوافقات الكبار في إعادة رسم حدود النفوذ الاستراتيجي وترتيبات النظام الاقتصادي العالمي الجديد في علاقته بهذه المنطقة كمصدر أساسي للطاقة أو ما تدعوه الولاياتالمتحدة الأمركية بأمنها القومي. من مسلمات السياسة أنها فن الممكن وأن حساباتها تُقاس بالأخد مقابل العطاء والتفاوض مع من يملك شيئا يُعطيه أو يستطيع أن يُهدد الطرف الآخر في شيئ يملكه، ويبدو من كل المؤشرات السابقة أننا أمام فهرست جديد للمفاوضات المقبلة وفي انتظار النص النهائي وهوية المشاركين في صياغته وإخراجه يبقى الباب مفتوحا لكل الاحتمالات سواء السلم الشامل أو الحرب الشاملة.