قام رئيس الوزراء المصري هشام قنديل، بزيارة قطاع غزة يوم الجمعة الماضي، تحت قصف الطيران الاسرائيلي الذي لم يرى داعيا لوقف عملياته العسكرية ولو لساعات حضر فيها مسؤول دولة تربطه بالدولة العبرية علاقات دبلوماسية رفيعة المستوى. قنديل زار مستشفى الشفاء بغزة صحبة إسماعيل هنية للوقوف على معاناة الجرحى والمصابين وقال أمام جمع غفير من "الغزاويين" أن زيارته ما هي إلا بداية لزيارات رسمية وغير رسمية لوفود مصرية أخرى، ستنظم في المستقبل القريب، قصد الوقوف بجانب أبناء فلسطين "إلى غاية استرجاع حقوقهم المسلوبة". ساعات بعد ذلك، حل وزير خارجية دولة أخرى من الدول التي مسها نسيم "الربيع العربي". دخل رفيق عبد السلام رئيس الدبلوماسية التونسية قطاع غزة صباح السبت يرافقه 17 مسؤولا حكوميا، أدان السلوك الاسرائيلي بشكل لا لبس ثم عبر ميناء رفح البري في اتجاه مصر. قبل هاتين الزيارتين، كانت مبادرة الأمير القطري المتمثلة في زيارة القطاع المحاصر، سلوكا عربيا رسميا فارقا في التعامل مع هذا الملف الشائك. شهر أكتوبر الماضي وصل الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني برفقة عقيلته الشيخة موزة الى غزة، حيث وجد في استقباله رئيس حكومة حماس المقالة، عُزف النشيدان الوطنيان الفلسطيني والقطري ثم استعرض الأمير صحبة هنية حرس الشرف،قبل أن يصافح الضيف كبار مستقبليه من قادة حماس، ووزراء الحكومة المقالة وقادة أجهزتها الأمنية. الزيارات الثلاث تسائل بشكل كبير سلوك الحكومة المغربية التي لطالما اعتبرت القضية الفلسطينية محل إجماع كما وصفت بأنها قضية وطنية ترقى الى أكثر القضايا حساسية وعلى رأسها قضية الصحراء. هذا "الاجماع" نجده في بلاغات القصر الملكي و خطب العاهل المغربي (رئيس لجنة القدس) وكذا بيانات الحكومات المتعاقبة التي تصدر بمناسبة كل دم يراق في الأراضي الفلسطينية. يزداد السؤال الفلسطيني إلحاحا ليتحول إلى إحراج مع الحكومة الحالية التي يقودها حزب العدالة و التنمية و ذلك لأسباب عدة نذكر من بينها ثلاث: 1- حزب العدالة و التنمية، شأنه شأن باقي الأحزاب الإسلامية يعتبر القضية الفلسطينية قضية عَقَدية على اعتبار أن القدس هي "أولى القبلتين" و "ثاني المسجدين" و ثالث الحرمين". 2– الزيارتان الأخيرتان لقطاع غزة قام بهما سياسيون إسلاميون قريبون مذهبيا من حزب المصباح بالمغرب، قادتهم رياح "الربيع" الى سدة الحكم عن طريق صناديق الاقتراع بعد عقود من الاستبداد المغلف بتعددية سياسية مزعومة. 3– حزب العدالة و التنمية يقول أن المغرب أيضا عاش "ربيع الصناديق" مما مكن المصباح من أغلبية برلمانية و مكن أمينه العام عبد الاله بنكيران من الجلوس على مقعد رئاسة الحكومة بصلاحيات تنفيذية جاء بها دستور كان الحزب الإسلامي من أكثر المدافعين عنه و الداعين الى التصويت بكثافة لصالحه. عندما نتأمل الأسباب الثلاث المذكورة أعلاه، نرى (وفق فهم العدالة والتنمية للتغيير الذي تشهده المملكة) أن الظروف السياسية التي فتحت أبواب معبر رفح في وجه حكومة "الإخوان" بمصر و "النهضة" بتونس متوفرة أيضا لدى "أبناء" عبد الكريم الخطيب بالمغرب، خاصة أن أعضاء الحزب أعطوا إشارة لهذا "التغيير" من إخلال إقناع القصر الملكي بأهمية استضافة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في مؤتمرهم الوطني الأخير. غير أن تأملا أعمق يدفع الملاحظ إلى استبعاد فرضية زيارة مسؤول مغربي رفيع المستوى إلى قطاع غزة (في غياب زيارة جماعية للمسؤولين العرب) و ذلك لأسباب عدة نكتفي مرة أخرى بذكر ثلاثة منها: 1– إلى جانب حضور خالد مشعل في المؤتمر الوطني الأخير لحزب العدالة و التنمية تمت دعوة مستشار الرئيس الإسرائيلي الراحل عوفير برونشتاين، هذه الدعوة أظهرت أن الحزب مرتبك، وغير قادر على اتخاذ خطوات حاسمة في ملفات عدة من بينها الملف الفلسطيني، مما أجبره على بعث رسائل طمأنة لجهات مختلفة من خلال استضافة الضيف و نقيضه. 2– رضخ حزب العدالة و التنمية للحسابات التي كانت تحكم السياسات الخارجية المغربية في علاقتها بإسرائيل، فاستضافت أشغال الدورة الثامنة للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط شهر مارس الماضي، عضو الكنيست "دافيد ساركانا" رغم أن من يدير دفة في الحكم في إسرائيل حزب يميني متطرف لم يتقدم قيد أنملة في مقترح "خطة السلام" الجامدة في رفوف الجامعة العربية منذ سنوات. هذا الرضوخ يتجلى أيضا من خلال سكوت رئيس الحكومة المغربية ووزير خارجيته عن زيارة شلومو بن عامي وزير الأمن الداخلي ووزير الخارجية الأسبق لإسرائيل، شهر أكتوبر الماضي لمدينة فاس ومشاركته في ندوة حول موضوع "الحوار الأورو متوسطي غداة الربيع العربي ". 3– السياسة الخارجية تبقى قطاعا سياديا يحافظ فيه القصر على اليد العليا و هو ما يفسر تعيين وزير الخارجية السابق الطيب الفاسي الفهري مستشارا للملك، وإلباس يوسف العمراني جبة حزب الاستقلال لتبرير وجوده كوزير منتدب لدى وزير الشؤون الخارجية و التعاون، هذا الوضع يجعل "أمنية" زيارة تضامنية إلى غزة، يقوم بها رئيس الحكومة المغربي، أمرا خاضعا لحسابات الربح والخسارة عند صاحب اليد العليا. في الختام يمكن القول أن زيارة يقوم بها عبد الاله بنكيران الى قطاع غزة ستكون نصرا كبيرا لحزب العدالة والتنمية، كما قد تقرأ على أن رئيس الحكومة ليس بالضرورة ضلا للملك، و أن في الدستور الجديد مساحات للفعل قد تستغل من طرف الجهاز التنفيذي و تمكنه من وضع بصمته على أداء الأداة الدبلوماسية التي يرأسها الأمين العام السابق لحزب العدالة و التنمية سعد الدين العثماني. مَهَمَةٌ من هذا النوع قد تبدو سالكة مع إصدار الجامعة العربية يوم السبت الماضي لتوصية غير ملزمة تدعوا وزراء الخارجية العرب لزيارة قطاع غزة الراقد تحت الحديد و النار، غير أن المَهَمَة تبدو شبه مستحيلة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أعمالا "بطولية" من هذا النوع لم تكن يوما هدية توضع بين يدي رؤساء الحكومات في المغرب مهما صدقت نواياهم.