قال ادريس الكنبوري، الباحث في الشأن الديني والحركات الإسلامية، إن رسالة عبد الشباني القيادي في جماعة العدل والإحسان التي وجهها أخيرا عبر جريدة هسبريس إلى عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة، مكتوبة بلغة تقليدية لا زالت غارقة في عدد من التصورات القديمة ولم تنفتح على المستجدات، لا على المستوى الفكري ولا على المستوى السياسي. وأردف الكنبوري، في تصريحات لهسبريس، بأن هذا يشخص أزمة الثقافة التي يروجها بعض الإسلاميين، أي الثقافة التبسيطية التي تنظر إلى الأمور وفق مبدأ الأبيض والأسود ولا شيء بينهما، ولا تحاول تفهم درجات التعقيد التي يتميز بها العمل السياسي، مهما كانت منطلقاته، وخصوصية التشابك بين النظري والعملي في أي تجربة سياسية، مشيرا إلى أن تجارب حكم الإسلاميين في بعض البلدان العربية أظهرت حتى الآن ذلك التشابك، وكان يجب أن تعكس رسالة الشباني هذا الوعي الجديد، وأن يتجاوز بعض الأفكار النمطية الضمنية مثل"من شارك خان"، على غرار ما كان يقوله السلفيون في الماضي "من تحزب خان". وتابع الباحث بأن الرسالة من الناحية السياسية تظهر أن الجماعة توجد اليوم في موقف ضعف بعد مشاركة حزب العدالة والتنمية، الجناح السياسي لحركة التوحيد والإصلاح، في السلطة، مضيفا بأن مشاركة هذا الحزب في السلطة تحرج جماعة العدل والإحسان، فنجاح هذه التجربة مشكل بالنسبة للجماعة، وفشلها مشكل آخر، لأن نجاحها لا بد أن يأكل من شعبية الجماعة أما فشلها فسيجعل الكثيرين يفقدون الثقة في الخطاب السياسي الإسلامي، وزاد الباحث بأن الجماعة قد تقول إنها ليست جماعة "تدبير"، وبالتالي فهي خارج منطق المشاركة وبأن أفقها هو الخلافة، وهذا كلام آخر لا دخل له في هذا المجال"، بحسب تعبير المحلل. ولفت المتحدث إلى أنه في الوقت الذي سعت رسالة الشباني إلى إدانة بنكيران بدعوى التنازل للدولة وسوق أتباعه كالقطيع إلى السلطة وهذا فيه مغالاة فإنها في نفس الوقت حاولت مغازلته من خلال تمجيده كمناضل إسلامي، رغم أننا نعرف أن الجماعة كانت تنظر دائما إلى بنكيران باعتباره "رجل المخزن" و"صنيعة ادريس البصري" بالخصوص. ولذلك، يضيف الكنبوري، فإن الرسالة فيها الكثير من المجاملة وازدواجية الخطاب، مردفا أنه يمكن القول بأن"الجيل الثاني" في الجماعة بات ينظر إلى بعض الأمور نظرة مختلفة، لكن المشكلة هنا أننا أمام شخص من "الجيل الأول" تقريبا. واستدل الكنبوري على ما سماها "الازدواجية" في الرسالة بأن الشباني عندما يتحدث مثلا عن عبد الكريم مطيع يتهمه بأنه كان يقدم حركته كوصية على العمل الإسلامي في المغرب، ولذلك لم يكن يقبل التعدد والاختلاف بين التيارات، لكن الرسالة توحي بأن خيار الجماعة هو الأصوب وتشير إلى رفض بنكيران عرض عبد السلام ياسين له بالانضمام إلى مجالس الذكر، أي للجماعة بلغة مباشرة، وهذا يعني أن الجماعة تعيد خطأ مطيع بتقديم نفسها كخيار وحيد ووصي على العمل الإسلامي، لأنها لم تقبل أن يكون لفصيل إسلامي آخر اجتهاد مختلف سوغ له المشاركة في السلطة. وسجل الكنبوري إدانة مطيع في أكثر من فقرة في الرسالة، وهذا له دلالة هامة تؤكد مسألة المغازلة، كما أن في هذه الإدانة نوعا من التنكر للبدايات، باعتبار أن جميع الحركات الإسلامية الأولى في العالم الإسلامي كله وليس العالم العربي فقط اصطدمت بالدولة مثلما اصطدمت حركة الشبيبة الإسلامية، فهو قانون شبه مطرد"، يقول المتحدث. ولفت المحلل في الأخير إلى أن الرسالة فيها نوع من عدم التناسق في الأفكار، فهناك أفكار كثيرة ومواقف متناقضة ورسائل متعددة، بسبب طولها وخوضها في أمور شخصية لا علاقة لها بالموضوع، كان يمكن تلافيها واختصار الرسالة، بدل محاولة تقليد الرسائل المفتوحة لعبد السلام ياسين التي كانت كلها مطولة؛ من قبيل الرسالة المفتوحة بالفرنسية إلى النخبة العلمانية والفرنكوفونية، والرسالتان الموجهتان إلى الملكين الحسن الثاني ومحمد السادس.