"لا تصالحْ! ولو منحوك الذهبْ أترى حين أفقأ عينيكَ، ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى..؟ هي أشياء لا تشترى.."أمل دنقل أعرف عبد الإله بن كيران عن قرب.. الرجل عاطفي، صادق، طيب وذكي.. ولا يكتفي بأنه يعرف ما يريد، بل يسعى إلى تحقيق ما يريد، في مراوحة بينة بين الاعتماد على المزاوجة بين الأخلاق البروتستانتية لماكس فيبر وبراغماتية أمير ميكيافيلي.. لكنه له ما لا يجب أن يُشرك فيه غيره برغم بروزه الزائد عن الحاجة في وسائل الإعلام، تلقائيته الزائدة عن اللزوم واعتقاده الصوفي بأن الله قدَّر له أن يأتي إلى الحكم في زمن الشدة، كلحظة اختبار لصدق نواياه، وإحاطة نفسه ببعض مما لا يجذر أن نُسر لهم بما نخفيه عن أشد الناس حميمية لنا، باستثناء خليه الصِّديق عبد الله باها وموضع ثقته جامع المعتصم، يجعلنا، خوفا عليه وغيرة من أي انتكاسة تصيب هذا البلد، ليس لأنه حامل "المنفرجة" المبشرة ب "اشتدي يا أزمة تنفرجي"، ولكن لأننا لا نريد انتكاسة أخرى للبلد بعد تجربة رجل نزيه بحجم اليوسفي، نقدم لعبد الإله بن كيران النصح بصفته اليوم، رجل دولة، وليس لدينا أي اطمئنان للاعتقاد بأنه المهدي المنتظر.. فتلك الأيام نداولها بين الناس! تهمني اللحظة التاريخية التي نسعى فيها إلى أن يكون الشعب مصدر السيادة، ولأن بن كيران أول رئيس حكومة صوت عليها الشعب بأغلبية مريحة، نتمنى أن يكون فارس الرهان، بغض النظر عن خطه الإيديولوجي، لجعل الديمقراطية غير ممنوعة من الصرف مغربيا.. له أقدم ما أعتبره وصايا قد تنفعه في طريق إنجاح تجربة لا نريد لها الانتكاس: 1- لا تضع كل بيضك في سلة "المخزن"، لأنك عابر في سلطة حكم دائم، وعليك أن تتذكر أنك ستكون ذات يوم في حاجة إلى بيضة واحدة غير فاسدة تقدمها لضيوفك وتتقاسمها مع خِلاَّنك.. فلا تؤرخ للمرحلة باعتبارك المتنفس "الإسلامي" للاحتقانات الدورية التي يعرفها النظام السياسي التقليدي، ابق على خط الرجعة مفتوحاً ولا تحرق كل مراكبك، ومعها آمال عريضة ليس لأنصار حزبك فقط، بل لمن وضعوا ثقتهم فيك وهم على غير مذهبك، وهم أقوى بكثير مما تمتلئ به مقرات حزبك. 2- أنت رجل دولة اليوم، لا أمين عام حزب سياسي لا تخذل من وضعوا ثقتهم فيك على الرغم من أن لهم دينهم ولك دينك، لهم رحابة الوطن أن يروه ديمقراطيا، ولك زعامة حزبك الذي تريده أن يبقى في الحكم زمنا أطول، لا يجوز أن تخاطب العالم بصفتك أمينا عاماً للعدالة والتنمية، بل رجلا للدولة ينطق باسم كل ما أسفرت عنه صناديق الاقتراع، أنت اليوم رئيس حكومة لا أمين عام لحزب سياسي ضمن أكثر من 30 حزباً. 3- لست وحدك في حكومة ائتلافية بكل المقاييس، فأنت قائد ومقود في آن، يلزمك حكمة الانتصار للأغيار على نفسك لحفظ التوازن الضروري، لأن ما يبدو اليوم في الظاهر، وخطابك يرسخه بشكل مبين، هو أننا أمام حكومة ملتحية، حكومة حزب العدالة والتنمية، وانتقلت من حديث المظلومين إلى عدالة المنتصرين، وحدهم وزراء حزبك يبدون مطمئنين لمواقع قدمهم، يملأون كل المساحات، متحمسين زيادة عن اللزوم لمشاريعهم، مستعدين لتقديم استقالتهم إذا لم يفلحوا في إنجاح مقترحاتهم... أنت أكثر مني تعرف معنى انفراط السبحة، فألجم حماسة وزرائك وأشرك الأحزاب المؤتلفة داخل حكومتك، في حسابات الربح والخسارة، الفشل والنجاح، خوفاً من أن تُصاب بالحسرة يوماً مثل سلفك عبد الرحمان اليوسفي الذي وجد نفسه يجني الخيبات وحده، أبرز للعيان أنك داخل حكومة ائتلافية، اضبط حماسة وزرائك الفائضة عن الحاجة مثل الزبد تذهب عادة جفاء، أشرك الأحزاب التي ألفت قلوبها في الانكسارات والانتصارات، فالحكم والأحزاب المختبئة اليوم في حكومتك الائتلافية التي تترأسها ستجني الأرباح وتترك لك وحدك متاعب الفشل وأتعاب السقوط، ومع اتساع آمال الشعب في حكومتك، وامتداد رقعة حاجيات المغاربة الأساسية.. تعلم جيداً، أكثر من غيرك، حجم الخسارات التي تنتظرك! غدا ستجد نفسك وحيداً.. لا إخوة لك يا أخي ولا أصدقاء، لا اليمين ولا اليسار بجانبك، وتدرك كم كنت وحدك.. إنها السلطة ابنة الكلب! 4- حذار من تهميش القضايا الجوهرية لحساب الزائد عن الحاجة أو ما لم يصل أوان نضجه بعد، خاصة في الحقل الاجتماعي، فتصريح الرميد حول السياحة خطأ، والتشهير بالناس في ملفات مأذونيات النقل خطأ، والتركيز على مرور وصلات إشهار الرهان في قطب الإعلام العمومي خطأ، وتصريحات أعضاء حزبك غير المدروسة والمجانية خطأ، وزلات لسانك حول "عفا الله عما سلف" خطأ، والتهديد بالنزول إلى الشارع إذا لم تطبق دفاتر التحملات خطأ.. لكن بالمقابل تبريرات وزرائك للمنع وللإصلاح خطأ أكبر.. قل لوزراء حزبك: "أنتم رجالات دولة، ومهما كانت أفكاركم ومشاريعكم نبيلة، فإن عظمة أي إصلاح هي في قدرة التربة المحلية على استنبات الزرع وأن تأتي حبة القمح أكلها، مائة سنبلة، كل سنبلة فيها مائة حبة". 5- اجعل حزبك يسند ظهرك، لا تكن مثل سلفك عبد الرحمان اليوسفي الذي مهما كانت طهرانيته، فقد فَقَد نعمة الدارين: الحزب والحكومة، إذ جعل حزب القوات الشعبية يؤدي ضريبة انخراط "الاتحاد الاشتراكي" في الحكومة، حيث دفع ثمناَ باهظاً للتناوب، اقرأ "كليلة ودمنة"، لكن أيضا اقرأ "أمير" ميكيافيلي و"فن الكذب" لحنا آراندت! قوي عضدك بحزب العدالة والتنمية، ولا تستنزف قوتك في صد هجومات الآخرين، ولا تغتر فالأيام دول بين الأفراد كما الجماعات! اجعل أجهزة الحزب التقريرية والاستشارية أكثر مناعة، كن مثل جندي لا يطمئن للمواقع التي اكتسحها، لأن مهمة الحفاظ على الانتصار أقوى وأخطر من الانتصار ذاته، لا تهدد بالشارع، الذي هو متقلب، بل اضغط بالحفاظ على استقلال القرار الذاتي لحزبك لنيل الكثير من المكاسب السياسية في مواجهة ما أسميتهم بالتماسيح والعفاريت، عد إلى حزبك إذا أغضبك الحكم، وعد إلى الحكم إذا أغضبك حزبك في ظل التوازن للأصلح لا للأقوى، لتفوز برضى الدارين! وتذكر دوماً أن النجاح له ألف أب، أما الهزيمة فيتيمة. 6- إذا طلعت عبر السلم إلى أعلى سقف ممكن من درجاته، فحافظ على توازن السلم، ولا تكسر الدرجات التي صعدت عليها، اجعل الطريق آمنا نحو عودتك إلى أسفل درجات السلم، فالصعود نحو المهاوي البعيدة يكون مدوياً وبلا أمل في النجاح بإصَابات الكسور والرضوض والموت المبكر لا قدر الله، اعلم أنك فاصلة صغرى في نص كبير للتاريخ، ولست سُدرة المنتهى! 7- الحكومة لحظة سياسية في حياة أي حزب سياسي، هي الهدف الأساسي من إنشاء أي حزب.. أقصد الوصول إلى الحكم، لكن طبيعة الصراع والإرث التاريخي الثقيل، يجب أن تشعرك بأن الحزب بنية أكثر ديمومة من لحظة الحكم، لذا، ففي ذات الآن الذي أوصيك بإبقاء حزب العدالة والتنمية سندا أساسيا، لك فيه متكأ ومآرب أخرى، كي لا تبتلعك حبائل السلطة، أفضل أن تضع مسافة بين الحكومة والحزب كي لا يتضرر حزب قوي في حجم العدالة والتنمية من أعباء وإكراهات ممارسة السلطة كما حدث مع الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، احرص على جعل الحزب رقيباً على الممارسة السياسية بدل رهن الخيار الإيديولوجي لحزبك الثابت بموقع سياسي متغير، كي لا يتضرر حزب العدالة والتنمية من أي فشل يمكن أن يلحق بتجربتك السياسية في تدبير الشأن العام، بفعل الجفاف أو ضغط الأزمة العالمية أو أي مبرر آخر قد يكون موضوعيا على كل حال، فالسياسة هي فن تدبير الممكن لا المستحيل، لا تخلط بين الموقع السياسي المتغير بين المعارضة والحكم وبين الخط الإيديولوجي لحزب العدالة والتنمية والذي يمكن أن يشكل ضميراً يقظاً لانشغالاتك الحكومية، فالانتخابات الجماعية على الأبواب، وهناك انتخابات تشريعية أخرى بعد أقل من خمس سنوات، وعليك أن تعيد قراءة ذاكرة التاريخ، لتستفيد أكثر! 8- بعد تجربة أقل من سنة، بدون شك اكتشفت أن مشكلة المغاربة لا تكمن في السماء أو في الإشكالات المختزلة بشكل رديء في الحجاب أو في كثرة غلق الحانات، أو الاختلاط بين الجنسين من عدمه، بل في شكل السلطة التي تحكمنا كمواطنين والتي هي غير ديمقراطية على كل حال، لذلك فإن اللحظة السياسية التي يعيشها حزبك وأنت رئيس للحكومة، تعتبر فرصة نادرة لانتقال العدالة والتنمية من الدعوي إلى السياسي، من اعتبار مشاكلنا هي ذات طبيعة إيمانية، إلى وضع المبضع على صلب أمراضنا، التي يمكن اختزالها في كون السياسات العمومية التي اتبعت تجاه معظم المغاربة لم تكن تهدف إلى التنمية والديمقراطية والتقدم، بل إلى تقوية سلطة الراعي على الرعية بأي ثمن؟ وبكل الطرق؟ 9- اعلم أنها لو دامت لغيرك لما وصلت إليك، إنها السلطة ابنة الكلب.. تُتداول بين الناس، لذلك لا تراهن على أنك حاكم أبدي، فاليوم هي لك وغدا عليك، لذلك سيحفظ التاريخ اسمك، متى سننت القوانين التي ستخدم أبناءنا، وتساهم في استقرار البلد، وأن يحافظ المغاربة على جذوة الأمل، في أن على هذه الأرض ما يستحق الانتباه! وإلا فاقرأ السلام على ماضيك وحاضرك ومستقبلك! لا تكن ممن يحبون أن يكون مجرد فاصلة صغرى في نص التاريخ. 10- حافظ على القيم النظيفة للديمقراطية: النزاهة، المحاسبة، البراغماتية النبيلة... لا ترهن كل مسارك الحكومي بإعطاء عربون الثقة وإبراز حسن النية تجاه السلطة العليا بالبلاد، فالديمقراطية تتأسس على قواعد دستورية وعلى مؤسسات، ويظل التنزيل السليم للدستور هو الميثاق الأسمى الذي يحدد طبيعة العلاقة بين السلطات في الهرم المؤسساتي للدولة، والمغاربة لا يريدون أن تثقل دوماً أسماعهم بحسن علاقتك بملك البلاد كما لا يتمنونها أن تسوء، لكن يريدون الإصلاح، يسعون إلى أن يلمسوا التغيير في حياتهم ومعيشهم اليومي، وهنا مربط الفرس، فمن صالح الملكية أن تكون هناك مؤسسات قوية، وأن يعبر المغرب دائرة العواصف للوصول إلى شاطئ الديمقراطية بأقل كلفة، فكن فارس هذا الرهان ولا تخذلنا! وبه تم الإعلام والسلام، اللهم إني قد بلغت، فاشهد!