كان متوقعا منذ البداية أن يتراجع الوفا وزير التربية الوطنية عن قراره القاضي بسحب الترخيص للأطر والأساتذة التابعين لوزارته من تقديم ساعات إضافية لفائدة المدارس الخصوصية. أولا لأن توقيت إعلان القرار لم يكن مراعيا لمصالح مدارس خصوصية التي بدأت سنتها الدراسية الحالية بأطقم من الأساتذة التابعين للدولة. وكأن الوفا عندما اتخذ هذا القرار يريد من أصحاب المدارس الخصوصية بأن تلجأ إلى ما لجأت إليه الدولة بعد الاستقلال باستقدام كل من يعرف حروف الهجاء إلى القسم من فقهاء ومتعلمين تم إدماجهم مباشرة لتعليم الأطفال الحروف والأرقام، لكن الزمن غير الزمن. رغم ما يروج من أن الإلغاء تم بشروط، أو يهم المؤسسات التي لا تحترم القانون، أو أنه سيطبق على مدى أربع سنوات، وكلها صيغ لحفظ ماء الوجه ليس إلا. فبعد أربع سنوات وربما أقل سيأتي وزير جديد وليلغي قرارات الحالي وتبقى دار لقمان على حالها. كان متوقعا أن يلغى هذا القرار نظرا للنفوذ الذي يتمتع به أرباب المدارس الخصوصية و حجم الضغط الذي يملكونه، من قبيل أن يغلقوا أبوابهم ويُخرجوا للوفا جحافيل من التلاميذ أبناء الطبقة المتوسطة ليوفر لهم أقسام و طاولات ومدرسين وأطر. وطبعا الطبقة المتوسطة ( وهي التي يمكنها أن تصنع تغييرا) لا يمكن أن تقبل هْبَال وزارة التربية الوطنية ولن ترضى ب 45 تلميذا في القسم، ولن ترضى بأقسام مهترئة آيلة للسقوط، ولا بتغيب الأساتذة والأطر وغير ذلك من مساوئ التعليم العمومي. القرار التاريخي كما وصفه البعض والذي أعلن عنه الوزير الوفا القاضي بإلغاء العمل مؤقتا بالمذكرة 109 صفقت له أطراف عديدة، لكونه أولا سيعيد الاعتبار للمدرسة العمومية التي لا تمثل بالنسبة للعديد من الأطر التربوية والأساتذة ( مع احترامي الشديد للأساتذة الغيورين على أبناء الشعب) سوى مكانا للاستراحة من تعب العمل في المدارس الخاصة والساعات الإضافية الليلية المنزلية . مما يجعل مردودية الأستاذ في القطاع العام ضعيفة جدا في ظل غياب المراقبة، عكس أرباب المدارس الخاصة الذين لا يمكن أن يتعاقدوا مع أستاذ لا يقدم نتيجة جيدة. بالرغم من إيماني الجازم بأنه في غياب ضمير مهني فحتى إيقاف العمل بالمذكرة رقم 109 لن يحل المشكلة، فهناك مئات مراكز الدعم المرخص لها وغير المرخص لها التي يمكن أن تستفيد من خدمات الأساتذة. ثم إن مهنة التدريس لا تقترن فيها المردودية بحضور الأستاذ داخل الفصل وعدم تغيبه لكنها مرتبطة برغبته، بحبه لعمله، وبإعماله لضميره. ثانيا للقرار الذي اتخذه الوفا (قبل أن تعلن رابطة التعليم الخاص بالمغرب خبر إلغائه) فائدة كبيرة على أساتذة التعليم الخاص، هذه الفئة التي تعيش غالبيتها وضعا مزريا بسبب استغلال بعض أصحاب المدارس الخاصة الجشعين للعاطلين عن العمل وتشغيلهم برواتب هزيلة جدا لا تتجاوز في أحيان كثيرة ألفين درهم. وفي ظل غياب أي مراقبة من طرف الدولة تشتغل فئات عريضة من الأساتذة في مدارس خاصة دون عقد عمل ودون تسجيل في صندوق الضمان الاجتماعي ودون أي حقوق اجتماعية، حيث يحق للمشغل طرد أي واحد في أي لحظة. ولا تتوفر النيابات ولا الأكاديميات على ملفاتهم ولا سجلاتهم. إذن من شأن هذا القرار ( المرحوم) الذي سبق للوفا أن اتخذه أن يعود عليهم بالنفع إذ أن كل مدرسة خاصة سوف تسعى لضمان طاقم دائم من الأساتذة. ثالثا كان لهذا القرار أن يخلق مناصب شغل جديدة للمعطلين، لكن على مدى سنتين أو ثلات فلا يمكن أن يتم إلحاق المعطلين مباشرة بالأقسام دون تكوين وتدريب. كما كانت تفعل الوزارة عندما أدمجت بشكل مباشر أساتذة دون تكوين فقط لسد الفراغ مما أدى إلى '' تسرب '' عناصر غير مؤهلة لتشغل هذه المهنة، مثل وجود مختل عقليا في إحدى الثانويات كما صرح بذلك أحد المفتشين. لا نشك في جدية الوزير ونيته في إصلاح التعليم، الواضح من خلال تواصله و تتبعه عن قرب للمستجدات، لكن بعض هذه القرارات تحتاج تداولا كبيرا إذ أن هذا القرار رغم جديته ومنطقيته ويمكن أن يعود بالنفع على المنظومة التربوية، إلا أنه يحتاج وقتا مناسبا للإعلان عنه، وذلك حتى لا يتم التراجع عنه مما يفقد الدولة هيبتها. ونفس الشيء بالنسبة لقرار تعديل النظام الزمني واعتبار يوم السبت يوم عطلة ( مع الاحتفاظ بنفس عدد ساعات التدريس) إجراء لا يمكن القيام به في أغلب القرى المغربية، حيث هناك عدد غير كاف من الحجرات الدراسية، يتم تبادلها بين الأساتذة وتتم صياغة استعمال الزمن بناءا على ما هو متوفر من إمكانيات، أم أن الوفا سيتراجع عنه مرة أخرى كما أجبره أصحاب المدارس الخصوصية على التراجع عن قرار إلغاء المذكرة 109. هؤلاء الذين منحتهم الوزارة في 2008 امتياز الاستفادة بشكل منظم من خدمات الأساتذة العموميين فتحول الإمتياز بفعل العادة كما يحدث دائما إلى حق لن يتنازلوا عنه. إن الدولة ليست مسئولة عن تكوين مدرسي القطاع الخاص، وما على المدارس الخاصة سوى أن تمنح رواتب مهمة و ضمانات وامتيازات مغرية للأساتذة حتى يعرف القطاع هجرة غير مسبوقة من القطاع العام نحو الخاص. [email protected]