ما زال مقال الدكتور عبد العالي مجدوب، القيادي السابق في جماعة العدل والإحسان، الذي نشره في جزأين في موقع هسبريس ووسمه بعنوان "هل ضيعت جماعة العدل والإحسان فرصة الربيع العربي في المغرب"، يثير عددا من ردود فعل الباحثين والمحللين المختصين في الحركات الإسلامية والشأن الديني بالمغرب. بعض هؤلاء الباحثين وجد في مقال مجدوب "شهادة من الداخل تكشف استراتيجية الجماعة التي لا تقبل غير هدم النظام"، بينما رأى آخرون بأن مقال الرجل يندرج ليس فقط ضمن نقد التجربة السياسية للجماعة بل يتسم أيضا بغير قليل من ممارسة النقد الذاتي، وهو الشيء الذي لا يُمارَس بكثرة من لدن إسلاميي المغرب. وكان مجدوب قد بسط في مقالته تلك، التي وقعها بصفته محللا للشأن الديني والسياسي بالبلاد، رؤيته لفرص الربح والخسارة لدى الجماعة في خضم مجريات الأحداث التي واكبت حركة 20 فبراير في البلاد، حيث انتقد مجدوب الأدوات السياسية للجماعة التي واكبت وشرَّحت بها جسد "الربيع المغربي" واقعا ومستقبلا، وخلص إلى كون الجماعة خرجت "خاوية الوفاض من كل ذلك، بينما الفائز الرئيس كان هو النظام "المخزني"، ويليه مستفيدون صغار من قبيل حزب العدالة والتنمية". نقد ذاتي "إسلامي" ! إدريس الكنبوري، الباحث المتخصص في الشأن الديني والحركات الإسلامية، يرى أن المقال الذي كتبه الأستاذ مجذوب إن كان يدخل في إطار نقد التجربة السياسية للجماعة التي كان ينتمي إليها، إلا أنه أيضا يندرج في إطار ممارسة النقد الذاتي، مشيرا إلى أن "هذه ممارسة جديدة لم تكن موجودة من قبل في صفوف الإسلاميين بالمغرب". ويشرح الكنبوري، في تصريحات خص بها هسبريس، أنه عادة كان العضو في السابق ينسحب بسبب مواقف معينة لكنه لا يتكلم، أو تكون له ملاحظات ولا يستطيع الإدلاء بها، بسبب الثقافة التي كانت منتشرة لدى الإسلاميين؛ ومن بينها بشكل خاص مسألة التخوين أو العمالة، أو التشكيك حتى في إيمان الشخص، لافتا إلى ما حصل للراحل محمد البشيري بالنسبة لجماعة العدل والإحسان، أو فريد الأنصاري بالنسبة لحركة التوحيد والإصلاح. وأردف المتحدث بأنه "اليوم صار الأمر مختلفا، حيث إن هناك شبه اتفاق ضمني بين الإسلاميين على أنهم يمارسون السياسة، وفي السياسة قد يخطئون، وقد يغلبون حسابات معينة، لكن ليس الدين، وهذا هو السبب في تراجع مسألة التخوين أو التشكيك في معتقدات الأشخاص". "وبخصوص ما جاء في مقال السيد مجذوب، فالأمر يخص خلافا في التقديرات السياسية، فالرجل يرى أن الجماعة ضيعت فرصا مُقدرة، والجماعة ترى العكس.. وهذا أمر طبيعي"، يوضح الكنبوري الذي أبدى اختلافه مع التحليل القائل بأن مجدوب قدم رؤيته من الداخل، لهذا فهو قد كشف عن بعض أسرار جماعة العدل والإحسان، وذلك في إشارة إلى ما سبق أن أدلى به الباحث سعيد لكحل لهسبريس. الكنبوري لا يرى في الأمر أي سر، لأن "المسألة مسألة مواقف، لا مسألة معطيات أو معلومات غير مكشوفة، فكتابات الجماعة معروفة وبياناتها موجودة، اللهم إن كان في كلام مجذوب تحليل له خلفية مرتبطة بكواليس الجماعة سبق له الاطلاع عليها، والكواليس في العمل السياسي مسألة عادية وجار بها العمل، حتى وإن قالت بعض التنظيمات إنها لا تمارس الكولسة، فليست هناك سياسة بدون كولسة، لأن الكواليس هي المطبخ الداخلي أو غرفة النوم لدى الهيئات السياسية"، يؤكد الباحث. ميزان الربح والخسارة وبسط الكنبوري رؤيته لميزان الربح والخسارة وأية الكفتين رجحت عند جماعة الشيخ ياسين في مقاربتها السياسية ل"الربيع المغربي"، حيث قال إن هناك من يرى أن الجماعة أضاعت فرصا في الربيع العربي، لأنها لم تستثمر المرحلة لكي تنزل بكامل ثقلها، والبعض حتى في صفوف الجماعة يقول إن "القومة" التي كانت تنادي بها الجماعة طيلة عشرات السنين مجرد شعار، لأنها فوتت فرصة تاريخية للنزول إلى الشارع والقيام بعصيان مدني". وتابع المحلل بأن هناك أيضا من يقول إن ما حصل لم يكن في تقديرات الجماعة، وإنها لا تتوفر على القدرات الكافية لقلب موازين القوى لصالحها"، قبل أن يؤكد بأن "هذا كله كلام يروج، وقد يثير مسألة التناقض في فكر الجماعة، فهي ترفض المشاركة السياسية، لكنها في نفس الوقت تفوت فرصة الشارع، فهي إما أن تخوض العمل السياسي بشكل واضح، وإما تراهن على الشارع، بدل موقع المنزلة بين المنزلتين". وبالنسبة للكنبوري فإن "الجماعة توجد اليوم في منعطف سياسي هام، لأن الذي وصل إلى السلطة اليوم حزب يقول إنه إسلامي، وهناك أحزاب أخرى بنفس الميول وصلت إلى الحكم في بلدان أخرى، وهذا أمر غير مسبوق، كما أن الظرفية غير مسبوقة". وطيلة تاريخها، يُكمل الكنبوري، بنت الجماعة فكرها وأدبياتها السياسية على أساس أوضاع سابقة، بعضها لم يعد قائما اليوم، لذلك فهي أمام إكراه التريث لمراقبة الوضع أو المسايرة، لأن وصول حزب يحمل شعار الإسلام السياسي يهدد بتآكل شعبية الجماعة وحتى مشروعيتها السياسية، أي البرنامج الذي بنت عليه وجودها من الأصل". وبخصوص راهن الواقع السياسي للجماعة، قال الكنبوري إن العدل والإحسان تتابع حاليا عمل الحكومة بشكل جيد، وهي حريصة على معرفة النتائج، سواء داخل المغرب أو خارجه، لأن نجاح الإسلاميين سيأكل من شعبيتها، بينما فشلهم قد يسدد لها ضربة موجعة، مبرزا أن هذا أحد أوجه التخبط الذي قد يلاحظه البعض، وقد رأى هؤلاء مثالا لهذا الوضع خلال زيارة أعضاء من مجلس الإرشاد لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران. واسترسل المحلل بأن البعض لاحظ في تلك الزيارة أنها تعبير عن الضعف في الموقف السياسي للجماعة، بعد أن خاض ضدها رئيس الحكومة حربا كلامية وصلت إلى حد التهديد، مشيرا إلى أنه لا يهم أن يقول فتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم الجماعة إن الزيارة كانت إلى بنكيران بصفته رئيس الحزب لتهنئته بعد المؤتمر، لأنه نسي أنه أيضا رئيس للحكومة، ومعنى ذلك أن الجماعة تزكي شرعيته الشعبية، وما قيل من طرف الجماعة بأن الزيارة كانت عادية مثلها مثل زيارات أخرى لرؤساء أحزاب آخرين جدد لهم لم يكن صحيحا، فالجماعة لم تزر مثلا عبد الرحمان اليوسفي أو عباس الفاسي"، يؤكد الكنبوري في ختام تحليله للموقع.